إزالة للبس وسوء الفهم، أقول من البداية، شخصيا لست بصدد تأسيس حزب، ولا تبوؤ أي موقع في أي حزب، حتى لو اقتنعت به، لكني أنبه إلى ضرورة انبثاق حزب أو أكثر من حزب، على أيدي ثوار الأول من أكتوبر 2019، باستثناء من كان منهم منتميا أصلا إلى حزب ما يلبي حسب تقديره متطلبات العهد الجديد.
وفي الوقت الذي أدعو هنا إلى تأسيس حزب، وفق الرؤية التي أطرحها، أبدي استعدادي للتعاون على المستوى الفكري حصرا لتأسيسه، دون أن أنتمي إليه، ولكني إذا قدر لهذا الحزب أن يؤسس، وإذا قرر المؤتمر التأسيسي اختياري مجرد مستشار فكري، ولعدد من السنوات يحدده الحزب، أرى ألا يقل عن سنتين، ولا يزيد على أربع سنوات، فيشرفني الاضطلاع بهذا الدور لا أكثر.
في 27/12/2011 نشرت حملة حوارية على موقع الحوار المتمدن بعنوان «الحزب العلماني الديمقراطي المتطلع إلى انبثاقه»، وقد تفاعل مع الحملة 160 عراقيا من داخل وخارج العراق، كثير منهم أبدى استعداده للانضمام إلى هذا الحزب، الذي وئد للأسف قبل ولادته لأسباب لا حاجة لذكرها وذكر وائدها الآن، وإن كنت قد ذكرت ذلك في الجزء الثاني من كتابي الصادر في 2013 «ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي». مع العلم إن الحملة الحوارية كانت نتاجا لمشروع «التجمع العلماني» الذي كان قد انطلق في كانون الثاني 2011.
أعيد نشر ما جاء في الحملة الحوارية آنذاك، مع إضافة ما أراه مناسبا لهذه المرحلة |بين عمودين|، وأحذف أو ما دون ذلك بالتعبير عنه بثلاث نقاط بين عمودين هكذا |…|.
بالرغم من انبثاق مئات الأحزاب السياسية بعد سقوط الديكتاتورية، وبالرغم من وجود عدد من أحزاب ذات تاريخ نضالي ضد الديكتاتوريات، ومنها ما يمكن عدها أحزابا ديمقراطية، ما زلنا في المشهد السياسي، في عموم المنطقة، وفي العراق بشكل خاص، نفتقد الحزب الذي يمثل الأمل، ويحمل رؤية جديدة حداثوية للمستقبل، فكم نحن بحاجة إلى حزب ديمقراطي علماني ليبرالي، لم تتهيأ بعد الأرضية لولادته، ولم يتحرك المؤمنون برؤاه بالدرجة الكافية من الجدية، إلم نقل من أجل تأسيسه، فمن أجل تمهيد الأرضية المناسبة لتأسيسه.
من أجل إعطاء صورة أكثر وضوحا عن هوية هذا الحزب العلماني الديمقراطي |الاجتماعي| الليبرالي المنشود، لا بد من تثبيت مجموعة ثوابت يعتمدها، أدرجها كالآتي، ليتبين القارئ، لاسيما القارئ المدقق، أهم ما سيتميز به هذا الحزب عن غيره، لو كُتِب له أن يولد، حتى لو بقي لعدة عقود حزبا لأقلية ضئيلة العدد، محدودة الإمكانات، إلا أن المستقبل سيكون له، أو لا أقل سيشهد المستقبل دورا مؤثرا ومتناميا في التأثير لهذا الحزب على المشهد السياسي. |واليوم، وبالذات بعد الثورة التشرينية، نجد الأرضية مواتية ليكون للحزب رصيد شعبي يعتد به في وقت قريب، خاصة إذا تصدى لتأسيسه نخبة من الشباب الواعي المشارك بشكل فاعل في ثورة تشرين، إلا إذا كانت هناك مبادرة قد انطلقت أو في النية إطلاقها، بنفس الاتجاه، آملا، إن وجدت، أن يستفيد مطلقوها أو مؤسسوها مما سأسرده في هذه الحلقات الخمس.
أهم ثوابت هذا الحزب هي الأربعة والعشرون أدناه، مع العلم إني ميزت نصين عن بعضهما الآخر، نصا اعتمد ضمن مناقشة في إطار مجموعة من الأصدقاء العلمانيين في العراق تلتقي منذ سنة كورشة عمل لتنضيج الأفكار وبهذا الاتجاه، ونصا رأيت شخصيا |آنذاك| من المهم إضافته بين قوسين مضلعين [هكذا]، لإضفاء قدر أكثر من توضيح ملامح الكيان المتطلع إلى تأسيسه:
1. اعتماد معيار المواطنة لا غير:
[ذلك ليس على نحو الشعار، كما تفعل الكثير من الأحزاب المتخندقة طائفيا أو أَثْنِيّا، وإنما بالتخلي حقيقة وليس ادعاءً عن الهويات الصغيرة، لاسيما الطائفية بل والدينية بل وحتى الأثنية (القومية)، بحيث يكون محرما على السياسي، أن يفكر بدرجة أساس شيعيا أو سنيا، بل يعتمد المواطنة حصرا، إيمانا وخطابا وأداءً وبرنامجا سياسيا، بحيث لا يفكر بـ«نحن» ويعني بها «نحن الشيعة» أو «نحن السنة»، ولا حتى «نحن المسلمون»، أو «نحن العرب» |أو «نحن الكرد»|. مع تجسيد هذا المبدأ داخل الحزب بالعمل الجاد والحثيث على استيعابه |استيعابا حقيقيا تلقائيا وليس تزويقيا| للتنوع العراقي، دينيا وقوميا ومذهبيا.]
يتبع.