ليس ببعيد عن ذاكرة العراقيين، ما كان يتعرض له حزب الدعوة الإسلامية، في داخل العراق، من قتل وتهجير وتنكيل وإعدامات في الشوارع بمجرد الشبهة، مما إضطر أفراد الحزب للهجرة، فكانوا مجامع متفرقة، في إيران وسوريا ولندن.
إستخدم النظام البائد إسم الدعوة لقمع كل مشتبه به، يشك في أنه معارض لنظام البعث، محاولين بذلك تصفية الإسلاميين من الوجود وإن لم يعرفوا حزب الدعوة، فكان الشخص الملتحي عرضة للإعتقال، والذي يصلي في الجامع أو يذهب لزيارة الأماكن المقدسة فإن مصيره السجن، فالتهمة جاهزة له دون أي تعب بدعوى أنه عضو في حزب الدعوة، فكان هذا أول دين دفعه العراقيون لحزب الدعوة.
بعد سقوط النظام كان المتوقع من الملائكة أن تحضر بعد أن ذهبت الشياطين، وأن تنعم البلاد بحكم المجاهدين المؤمنين، الذين تلقفوا السلطة كما تمسك الكرة، فهجموا هجمة الأسد الغضبان عليها، ووثبوا وثبة الفهد على كرسي الحكم، ليسددوا دينهم للعراقيين، الذين تعرضوا لشتى أنواع التعذيب والتنكيل، ويعوضوه عما تعرض له من سنين الجوع والحرمان.
إستلم الدعاة الحكم، فسعوا الى بناء دولتهم، فكانت دولة القانون، بعد أن ضاعت دولة العراق، التي أصبحت نهبا للفاسدين والسراق، والدماء في شوارعها تراق، شهد العراق في عهد الدعاة الذي طال إثني عشر عاما، موازنات إنفجارية لم يشهد لها العراق مثيلا طوال تاريخه، لكنه أيضا عاني الفقر والحرمان والإهمال، وتعطيل طاقاته التنموية والاقتصادية، وغالبية شبابه عاطل عن العمل.
عاث الإرهاب قتلا وتنكيلا في عهد الدعاة، وأصبحت شوارع المدن العراقية وأزقتها مقابر جماعية، حتى إحتلت داعش ثلث مساحة العراق العراق وسيطرت على مدنه الغربية الكبرى ووقفت على تخوم بغداد، فحزم الدعاة حقائبهم وكادوا يغادرون، لولا أن جاءت الفتوى من النجف، وهبت جموع الفقراء لمحاربة داعش، فكان أن تسلقوا عليها وأصبحوا هم قادة النصر، بعد أن كانوا هم صناع الهزيمة.
لكي تكون ممسكا بمفاصل الدولة الدولة، لابد أن تسيطر على المرتكزات الأربعة لها، وهي المال والأمن والقضاء والإعلام، فالبنك المركزي وديوان الرقابة المالية هي بيد جهة سياسية واحدة، أما وزارة الداخلية والأمن الوطني والاستخبارات وقيادات العمليات فهي تتبع نفس الجهة، والقضاء تابع أيضا ويفسر الفقرات الدستورية والمواد القانونية بحسب مايريده زعيم هذه الكتلة السياسية، أما المؤسسة الإعلامية التي موازنتها من الحكومة الإتحادية فهي ذليلة أمام السلطان ناهيك عن الاعلام المأجور والمتزلف.
نعم لقد بنيت دولة القانون على أظلال دولة العراق، فأنتشر المفسدون الذي أغلبهم من هذه الإتجاه أو القريبين منه، فضاعت الموازنات الانفجارية، وإختفت حتى الحصة التموينية، وأصبحنا تتقاذفنا المحاور الشرقية والغربية، وضاع ميزاننا الاقتصادي فلم نعرف هل نحن تحت سطوة الإشتراكية أم نرزخ تحت فساد الرأسمالية، فكل ما حصلنا عليه عبارة ما أنطيها وخطابات كونفشيوسية.
حقبة الدعوة إنتهت، وأصبح منصب مجلس الوزراء الذي يحمي دولة الفساد بعيدا عن متناول الدعاة، وحان الوقت لإسقاط تلك الدولة التي سميت زورا ” دولة القانون “، وإعادة بناء دولة العراق، ولكن هل سيسدد الدعاة ما بذمتهم من ديون للعراقيين ؟، أم يعودوا الى الدول التي جاؤوا منها مرة أخرى!.