في البدء يجب التفريق بين حزب الدعوة الاسلامية كحركة اسلامية مناهضة لقوى الشر والاحتلال والظلم والاستعباد وكحزب يحمل رؤى ورسالة دعوة اسلامية نبيلة تحمل رؤى وأفكار وهواجس قائد وزعيم ديني وبين “حزب المالكي” السياسي المنازع للسلطة ذات التوجهات السياسية الشوفينية المحصورة في الحكم وأدواته التنفيذية ،والمكاسب النفعية ، قد لا يعرف كثير من العراقيين، كما يتجاهل الكثير من أعضاء حزب الدعوة أنهم ينتمون حاليا الى حزب”المالكي”والذي لا علاقة له بمنهج “حزب الدعوة الإسلامية” الذي وضع أسسه محمد باقر الصدر، القائم على المشاركة والمحبة والسلام، والذي يقوم على دعوة الناس إلى رسالة الإسلام وفق فهم عصري حديث وسط الفوضى المتراكمة من الحركات العلمانية والالحادية والتكفيرية والتيارات القومية والشيوعية السائدة في المجتمع، والدعوة إلى تقوية مفاهيم الإسلام وتثبيت ركائز المجتمع ،من خلال انبثاق حركة إسلامية فكرية رصينة وتعزيز ثوابتها بالأطر الفقهية والمرجعية التي دعا اليها أواخر حقبة الخمسينات .وأصل الدعوة ونشوئها هي عملية فكرية تهدف إلى نشر مفاهيم واحياء الدين الاسلامي بإطار جديد من الحداثة والتصدي للحركات المنحرفة والمعادية للاسلام فكريا وثقافيا ،وهي الغاية المثلى لتحقيق اهداف سامية ونبيلة والسيطرة على الجماهير من الانحراف الفكري والديني والانجرار خلف تلك الظواهر والحركات ،من خلال بث الخطاب التوعوي التثفيفي الإسلامي ونشر مفاهيمه الإصلاحية والإنسانية.
وبما إن حزب الدعوة هو أول حزب إسلامي شيعي، أنبثق من رحم الجماهير المؤمنة والمتطلعة الى مستقبل افضل وبما كان يمتلك من قيادة فاعلة جماهيرية ومؤثرة بايديولوجيا شاملة في العقيدة والفكر والثقافة والسياسة والتنظيم والسلوك الجمعي ، ويمتلك منهجا ورؤية اسلامية شاملة حتى بالمفاهيم الاقتصادية والجوانب الاخرى في إدارة المجتمع واستلام السلطة وقيادة العمل السياسي وتحربته في المهجر،والذي شكل خطرا بالغ الخطورة على النظام البعثي اسفر عن مقتل زعيمه المؤسس والروحي وتصفية وملاحقة كبار قادته في فترة الثمانينات واعتباره حزبا سياسيا معاديا على الثورة والنظام البعثي . واجه الحزب ظروف ومخاطر كثيرة مليئة بالتحديات والصراعات والتضحيات؛ منذ اليوم الأول لتأسيسه؛ بدءاً بالصراعات والتنافس والتجاذب داخل الحوزات العلمية وعلى تسميات المرجعيات وعلى استقطاب علماء الدين والمثقفين الشيعة من كل دول العالم؛ مروراً بالصراعات مع الأحزاب الشيوعية والقومية والبعثية، وانتهاء بالصراعات المصيرية الوجودية مع السلطات في العراق وإيران ولبنان والبحرين والكويت وغيرها
في مرحلة البناء الفكري والتنظيمي التي عاشها حزب الدعوة بسرية واضطهاد طيلة سنوات طويلة ،وبعد مرحلة المعارضة العلنية والصراع الدموي مع حكم البعث الذي استمر من الثمانينات وحتى ٢٠٠٣ ومرحلة سقوط النظام البعثي؛ ومعايشة الحزب لنشوء الدولة الإسلامية الإيرانية ومساراتها الشوفينية ومعايشة ظروف الحرب وافرازاتها وما لحق باعضاء الحزب والمنتمين اليه من عواقب وخيمة في العراق والتي كانت من عوامل نشوء السخط وعامل الكراهية والحقد والانتقام تسري في عروق قياداته الناقمة من الأوضاع العامة والخاصة في العراق وهو يحاول ترتيب صفوفه داخل العمق الايراني واندماجه مع المجلس الأعلى لرغبات وضغوطات الثورة الاسلامية في ايران، و انشطارالحزب الى قسمين نتيجة الانقسامات والضغوطات الخارجية ،دفعت الحزب الى تنظيرات جديدة؛ أسدلت الستار على كثير من أفكار ما قبل ١٩٧٩، وكان هذا التنظير أكثر قرباً الى الواقع المأساوي والظروف القاهرة الذي كان يعيشه في حقبة المنفى وظروف التشريد في الدول المجاورة .
وحين دخل حزب الدعوة الإسلامية معترك المشاركة في حكم العراق دخولاً مباشراً ومفاجئاً؛ دون تحضيرات فكرية وفقهية كافية، ودون استعدادات سياسية وتنظيمية مناسبة؛ فإن مشاكل تثبيت السلطة، وأزمات إدارة الحكومة والدولة،والقضاء على البعث ومقاومة المد الإرهابي المضاد؛ أخذته بعيداً عن التنظير لحل أزمات العراق حلاً علمياً حقيقياً؛ مستمداً من نظريته الإسلامية؛ وصولاً الى بناء الدولة الإنسانية المؤمنة العادلة؛ التي نادى بها منظرو الدعوة الكبار ومؤسس الحزب منذ وصول السيد إبراهيم الجعفري وعز الدين سليم عام ٢٠٠٤ الى رئاسة مجلس الحكم الانتقالي، ثم قيادة نوري المالكي البلاد في دورتين حكوميتين من ٢٠٠٦ وحتى تدخل المرجعية والأحزاب السياسية في تنحيته عن السلطة عام ٢٠١٤، وتنازله عن السلطة لصالح حيدر العبادي منافسه في الحزب
وبعد هذه الحقبة المريرة التي عاشها العراق والتي سميت بحقبة حكم حزب الدعوة في العراق،والتي شهدت تراجعا وفسادا وأزمات ومشكلات خطيرة على كل المستويات والجوانب العامة من مجمل الواقع العراقي وقد تعتبر الفترة الظلامية لدى الشعب العراقي الذي واجه معاناة وظلم وفقر وسوء خدمات وتهميش وتهجير وقتل بلغت اخطر المستويات على مستوى دول العالم
ان سوء ادارة الدولة وعدم التخطيط والتزمت بالقرارات واختلاق الصراعات الداخلية وكبح الحريات واطلاق المليشيات والفساد المستشري في مؤسسات الدولة بلغت اعلى مستوياته، وشهد العراق خلال تلك الحقبة اخطر مد إرهابي داعشي خلف التدمير والمجازر والموت والتهجير ناهيك عن ضياع اموال العراق عن طريق النهب واهدار المال العام وصفقات الفساد الكبرى التي كان يقوم بها كبار المسؤولين وتحول العراق الى بلد متناحر يعج بالصراعات والفتن المذهبية والسياسية، نتيجة تراكمات الأخطاء السياسية الكبرى والفشل في إدارة الدولة ومفاصلها .
أن الرغبة السلطوية أصبحت هي التي تسيطر على الحزب، وهذا مخالف لرؤية ومنهج نظرية المؤسس ففكر حزب الدعوة ومنهجيته، لا تنظر إلى السلطة على أنها هدف، بل هي وسيلة خدمة للإنسان عن طريق إقامة العدل ومقارعة الظلم الذي يلحق بالإنسان مهما كان دينه وعرقه وجنسه،
وقد كانت المخالفات الفكرية والسلوكية والابتعاد عن خط الحزب والانشغال بالمناصب والمكاسب المالية وما إلى ذلك هي السمة العامة لما يجري في صفوف الحزب،
وهذا ما اشار اليه السيد جعفر الصدر نجل مؤسس الحزب بعد ان قدم استقالته عن البرلمان العراقي في مطلع عام ٢٠١١، “وهاجم حكومة المالكي نتيحة اهمال الحكومة للخدمات وانحراف المالكي عن الاسس الحقيقية لمبادئ وافكار المؤسس عندما وجد الأخير قد أصبح يغرد خارج السرب ويطلق النار على كل الجهات ولم يحتفظ بصديق من شركاءه في العملية السياسية، حتى وصفه البعض بالتفرد بالقرار السياسي والأمني في البلاد”
كان المفروض أن المالكي وقيادة حزبه يدفعون بالكوادر التي تمتلك الكفاءة لإدارة السلطة، لكنهم استأثروا يواقع السلطة ومغانمها و نفوذها وامتيازاتها وتقوقعوا بالإطار الحزبي والعائلي فحرموا البلد من مسؤولين أكفاء وعطلوا فعالية الدولة لأنهم يريدون أشخاصا إما مرتبطون بهم أو موالون لشخوصهم وافكارهم .مع استخدام سياسة قمع المعارضين للنظام .
ان الحقيقة إن تجاوز الدعاة وكبار قادة الحزب عما حصل في العراق ابان فترة حكومة ابراهيم الجعفري ولأوجاع تنازل نوري المالكي عن رئاسة الحكومة العراقية، ومخاضات تشكيل حيدر العبادي حكومته،وما افرزت تلك الاحداث من كوارث كبرى على العراق
وما كشفته من صور ومشاهد؛ يستوجب عليهم التأمل والتفكير العميق في سلوكياتهم السياسية، والمراجعة الحقيقية لفكر حزب الدعوة ونظريته وواقعه، والعلاقات بين أجنحته، والتنظير لمبادئ الحكم والدولة؛ كما تراها نظرية “الدعوة”، وكما يفرضه الواقع العراقي الجديد وتنوعه الفكري والمذهبي والقومي، وإيجاد مقاييس ومعايير للتوازن بين ممارسة الدعوة الدينية الإسلامية، وممارسة السلطة السياسية؛ أي بين الدعوة كمنظومة دعوية تبليغية دينية، وبين الدعوة كحزب سياسي يمارس السلطة العامة؛ كيلا يرتفع منسوب السياسة وينخفض منسوب الدعوة. ويخرج هذا الجهد بصورة بحوث ذات تخصص دقيق في نظرية تتناسب مع الحكم السياسي والدعوة التبليغية الاسلامية
ولعل ابرز منتقدي الحزب الدكتور سليم الحسني، مؤرخ حزب الدعوة وأحد أبرز قيادييه والذي يعتقد أن المالكي «استغل الحزب وحوله إلى جسر عبر من خلاله إلى السلطة».
وهو يسعى اليوم جاهدا بكل الطرق والوسائل لاستعادة دوره الغائب مجددا في الحكم من خلال تحالف الفتح المدعوم من إيران او الابقاء على دور الحزب في قيادة السلطة والحكم رغم المعارضة الكبيرة من الأحزاب المنافسة والتراجع الكبير للحزب في الانتخابات الاخيرة وبما اقرته المرجعية وشروط السيد مقتدى الصدرحول شخصية رئيس الوزراء القادم للعراق!