( ان احتكار العمل السياسي لشخص واحد أو بضعة اشخاص أمر مستهجن ولا يطبق الا في البلاد المتخلفة ، ولا يطبقه ، الا رجل عميل فرضته القوة الاستعمارية على البلاد لتنفيذ اغراضها وتحقيق اهدافها ، او رجل مصاب بعاهة نفسية يتصور من خلالها بأنه رجل متميز له حق التصرف في رقاب الناس ) .
اقتباس من بيان التفاهم الصادر من حزب الدعوة الدعوة الاسلامية الى الآمة في العراق 1980
بيان التفاهم اعلاه، لم يكن وجهة نظر شخصية ، كان برنامج سياسي لحزب له ثوابته واهدافه وشعاراته الآنية والمستقبلية ، وعلى اساس هذا البيان انفتح الحزب على الاخرين و بنى علاقات وتحالفات متميزة مع اغلب اطراف المعارضة العراقية . لقد عارض حزب الدعوة وناهض السلطة الديكتاتورية لحين سقوطها بالحرب والغزو والاحتلال الامريكي في 09-04-2003 . لقد استعرض البيان وقتها ( 1980 ) وبمقدمة طويلة : وضع الدولة العراقية وطبيعية السلطة الحاكمة ؛ نضال الحزب والحركة الاسلامية ؛ استحضر اسماء العشرات من شهداء الحزب ؛ ثم خاطب المكونات العراقية العربية والكردية والاحزاب السياسية العراقية على اختلاف مشاربها الفكرية ،كذلك النقابات والجمعيات والتنظيمات المهنية ، واخيرا نص بيان التفاهم على جوانب مشروعه من ( الآفاق ) السياسية ، الاقتصادية , العلاقات الداخلية , التعليمية , بالاضافة الى السياسية الخارجية . لقد كان البيان، كما نعتقد، بمثابة برنامج متكامل وبرؤى فكرية سياسية استلهمت واقع العراق وطبيعة نظام البعث , لا يتعارض ولا يختلف كثيرا عن اهداف اطراف المعارضة العراقية للنظام الديكتاتوري وقتذاك .
ومن الناحية المنهجية لا يمكن إخضاع كل مضمون هذا البيان لعملية تفكيك ومقارنة ومقاربة، بعد اكثر من ثلاثة وثلاثين سنة على صدوره ، لقد تغيرت الظروف اولا وسقوط النظام الفاشي اخيرا ، لكن في الوقت نفسه استعرض البيان الاسس والثوابت الدينية فكريا وعقائديا ووطنيا , وهي جوانب لا يمكن اهمالها او غض النظر عنها حاليا من دون إخضاعها لمنطق الواقع العملي بعد تجربة وصول حزب الدعوة للحكم.. حيث يتبين التناقض الواضح بين تفكير الحزب النظري وواقع إدارته للسلطة، مما نسمح لذاتنا بالاستنتاج بإنه قد تنصل من الوعود والعهود التي صاغها وسنها سابقا قبيل استلام السلطة من قبله والمعارضة والذي جاء بظروف ملتبسة غامضة حيث كان الاحتلال الامريكي قد فرض تصوراته وتدخل بشكل فض في شؤون العراق الداخلية , وفي ترويج رؤيته على وفق مصالحه واغراضه وبمشاركة متدنية لممثلي اغلب الاطراف السياسية سواءً في , مجلس الحكم , الجمعية الوطنية ,كتابة الدستور , اقرار مبدأ ونهج المحاصصة الطائفية والعرقية. لقد كان الامريكان اللاعب الاساس , اضافة للدور الايراني الذي استخدم نفوذه وعلاقته مع حزب الدعوة الاسلامية وباقي اطراف الحركة الاسلامية والكردية .
خلال عشرة سنوات وبعد سقوط الفاشية كان لحزب الدعوة الدور الأرأس والاهم , وبخاصة منذ استلام السيد نوري كامل المالكي تشكيل حكومته , وهو يحاول فعليا التفرد بالسلطة واستبعاد الشركاء الاخرين واقصائهم واجهاض العملية الديمقراطية والتي لم يبقى منها الا ( الانتخابات ) كأستحقاق دستوري . كما يحاول السيد رئيس مجلس الوزراء المنتهي ولايته ، التفرد بالسلطة ومفاصل الدولة حتى استطاع احتكارها والاشراف على اهم مفاصلها المالية والامنية والعسكرية واضعف السلطة التشريعية واخضع ، كما أنه غيب المحاولات الجادة لميلاد ( مجتمع مدني ) واستبعد امكانية تبني مفهوم الديمقراطية ، كمبادئ ومؤسسات ,و استحوذ على المؤسسات المستقلة ( عطل جهاز الرقابة المالية ,البنك المركزي , شبكة الاعلام , هيئة النزاهة , المفوضية العليا (المستقلة ) للانتخابات واخيرا السلطة القضائية ).
وتأسيساً على ما ذكر فإن سلطة حزب الدعوة والسيد رئيس مجلس الوزراء , جردت الدولة العراقية من مقوماتها و من صلاحيات مؤسساتها ( المستقلة ) ., وتحولت الى دولة ( فاشلة ) إذ حازت افضل الارقام القيايسية في الفساد المالي والاداري , انعدام الامن , العجز بتقديم الخدمات ( ماء , الكهرباء الصحة…. ), بيئة طاردة للاستثمار وبناء البنية التحتية اقتصاديا واجتماعيا وتفاقم معدل الفقر والبطالة, الموت المجاني نتيجة العمليات العسكرية , وفقدان السيطرة على مساحات جغرافية لصالح القوى الارهابية الاجرامية من عصابات داعش والقاعدة والفلول البعثية الفاشية . كما هو الحال بالنسبة إلى سد الفلوجة وتسريبهم المياه لمناطق شاسعة في ابو غريب وتهديد اطراف بغداد بالغرق.
في ظل سلطة وحكم حزب الدعوة,تحول العراق لصالح اشخاص استفادوا من نفوذ الحزب والسيد رئيس مجلس الوزراء , من خلال السيطرة على املاك الدولة العراقية ومن سماتها الأبرز: الاستحواذ على مال وممتلكات الدولة العراقية بدون مسوغات قانونية وتحويل الملك العام الى ( ملك خاص ) ؛ وتراكم الثروة والسلطة في ايدي شريحة ضيقة من اتباع الحزب و المقربين من السيد رئيس مجلس الوزراء ؛ كما استشرى الفساد المالي والاداري ؛ الموارد المالية النفطية الهائلة تستنفذها ميزانيات بعجز كبير وباوجه صرف يستفرد بها السيد المالكي ووزراء يتمتعون بصلاحيات اوجدت مناخا كبيرا للفساد دون رادع قانوني واخلاقي والافلات من العقاب مثل: ( فلاح السوداني , ايهم السامرائي , حازم الشعلان , كريم وحيد ،عادل عبد المحسن , نمير العقابي , ومئات غيرهم ) ؛ , ومنافع الصفقات والعقود والمشاريع الوهمية؛ السيطرة المركزية على الاجهزة الامنية والمخابراتية والشرطة والجيش وتضخيم اعدادها وتشكيلاتها , والتي باتت تشكل ضغطا كبيرا على المجتمع العراقي , في ظل اجراءات امنية متشددة وغياب حلول سلمية وعقلانية لما يعانيه المجتمع العراقي من نزعة العنف والقسوة والارهاب .
كما في ظل سلطة حزب الدعوة الاسلامية , تفاقم الاحساس بالاضطهاد والتمييز والاقصاء , وسلبت السلطة القضائية ( المستقلة ) نزاهتها وسوغت للسيد رئيس الوزراء التحكم بقراراتها , ان الحزب, بات شئنا ام ابينا حزب حاكما تخلى عن ثوابته ومضامين ومنطلقات بيان ( التفاهم ) , مما يجعل البيان صالحا بعد الحذف في هذا الجانب او الاضافة في جانب اخر , تبنيه كبيان سياسي لحزب او مكون مجتمعي معارض ومناهض لسلطة حزب الدعوة الاسلامية . كانت السنوات العشر التي مرت وبامتياز , سنوات ازمة , ازمة سلطة ديكتاتورية اغرتها القوة والسلطة والمال الحرام , فغيبت معالم ( دولة ) يتحمل حزب الدعوة وحلفائه في دولة ( القانون ) المسؤولية المباشرة بالفشل والاخفاق والموت المجاني للمواطنين العراقيين في ظل اجواء الاحتقان الطائفي والمذهبي وتصاعد نشاط العناصر الارهابية للقاعدة وداعش والميلشيات المسلحة , عشر سنوات كانت كافية لبناء وإعادة بناء ما اورثه النظام الفاشي البائد والاحتلال الامريكي الغاشم من خراب ودمار وعشرات الاف من الضحايا , عشر سنوات كانت كافية يناء دولة ومؤسسات تضمن الحياة الحرة الكريمة للمواطن العراقي .
إن الانتخابات العراقية التي جرت في 30-04-2014 , ومهما كانت مؤشرات نتائجها لصالح ائتلاف دولة القانون , تستدعي من حزب الدعوة الاسلامية والسيد رئيس الحزب والقوى المؤتلفة معه, النأي عن ترشيح السيد المالكي لولاية ثالثة او اية شخصية اخرى من ائتلاف دولة القانون لرئاسة الحكومة المقبلة , إن الاغلبية العددية شئ والارادة العامة للمواطنين العراقيين شئ اخر , واغلب الذين شاركوا بالانتخابات العراقية ,بخاصة من الطبقة الوسطى، دفعتهم الرغبة بالتغيير , تغيير طبيعة سلطة استنسخت نهج ونظام الحزب الواحد والقائد الواحد الضرورة . والتغيير المطلوب والمؤمل يتطابق ويتوافق مع مفاهيم و نهج وثوابت حزب الدعوة الاسلامية المذكورة في بيان التفاهم الذي منه أنطلق الحزب في مواجهة نظام البعث والديكتاتور المقبور ( صدام ).
نعتقد إن الاصرار على ترشيح السيد المالكي سيفقد حزب الدعوة مصداقيته و يهدم اساس مسؤولياته الوطنية والدينية التي تأسس عليها بمناهضة عسف وظلم ونهج السلطات الحاكمة , كما أن الاصرار على التمسك بالسلطة سيعطي المسوغ والمبرر لبعض الاطراف السياسية والمناطقية , لتصعيد حدة الاحتدام مع السلطة وخلق اجواء تربك العملية السياسية وتفقد العملية الانتخابية مفاهيمها وآلياتها ومعطياتها بضرورة التبادل السلمي للسلطة كنهج وممارسة . مما يلثم من مصداقية الحزب.
في عام 1933 وعلى ضوء انتخابات ديمقراطية ,تمكن الحزب القومي الاشتراكي العمالي تحت زعامة ( ادولف هتلر ) من الهيمنة على السلطة وانشاء ( الدولة ) النازية , والتركيز على مبادئ عنصرية واستبدادية , عندئذ قام النازيون بالقضاء على الحريات العامة والغاء النقابات والحد من عمل الاحزاب الاخرى بالارهاب , وتأسيس دولة بوليسية , مما اعطى الامكانية ليصبح الحزب القومي الالماني الحزب القائد وزعيمه ( هتلر ) الزعيم الاوحد , وقاد المانيا الى محرقة الحرب العالمية الثانية , وبقية القصة والنهاية لازالت معين ودرس للاجيال من اجل تجينب العالم وشعوبه ويلات ومآسي الحروب .
و في العراق حكم البعث الفاشي خمسة واربعين سنة , كانت سنوات كارثية مدمرة , تحمل العراق وشعبه المآسي نتيجة حروب داخلية وخارجية , مما استدعت الولايات المتحدة وحلفائها من شن حربا عدوانيا تدميرية واحتلالا بغيضا ضاعف من الخسائر البشرية . واليوم ما احوج حزب الدعوة الاسلامية وحلفائه من ضرورة الاتعاض بالتجارب التأريخية واخذ العبر والخضوع الى الارادة العامة العراقية التواقة والمتطلعة الى التغيير ونقل السلطة بالطرق السلمية وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تراعي اشراك أغلب إلم تكن كافة تيارات واطياف المجتمع العراقي وفي تحمل المسؤولية . فاستحقاقات المرحلة القادمة كبيرة وخطيرة ولعل اهمها تغيير نهج واسلوب حكم وبداية الانتقال لعهد جديد وبناء الدولة المدنية , دولة المواطن , دولة تضمن للمواطنين العراقيين المشاركة والمساهمة في العملية السياسية وذلك بترسيخ النهج الديمقراطي الحقيقي وتجاوز سنوات الفشل والقضاء على الفساد المالي والاداري وتمتع السلطات الثلاث بالاستقلالية وتوفير الظروف لاستعادة المطلوبين قضائيا وامكانية استرجاع اموال وممتلكات الدولة العراقية التي بلغت حسب الاحصاءات الرسمية أكثر من ترليون دولا. العراق بحاجة الى حكومة وحدة وطنية تستطيع احتواء العنف والقضاء على الارهاب وعودة المهجرين داخليا وخارجيا وغيرها من مسلتزمات حكومة تستطيع ترسيخ المصالحة الوطنية وتتخذ من المواطنة الاساس في بنية تركيبتها الفكرية والسياسية.
اليوم , وبعد اجراء الانتخابات على السيد رئيس مجلس الوزراء المنتهية ولايته وحزب الدعوة الاسلاميية , وائتلاف دولة القانون , مسؤولية توفير ظروف واجواء صحية وايجابية لحوار وطني واسع على وفق برنامج سياسي اقتصادي- تنموي اجتماعي- تربوي . العراق يواجه مفترق طرق مصيري خطير عليه وعلى وحدته الوطنية المعرضة للانقسام والفرقة نتيجة التصعيد الطائفي والعرقي التي تغذيها اطراف وقوى ودول ليس في مصلحتها واغراضها استتباب الامن ونجاح العملية السياسية , كلها عوامل ضغط على حزب الدعوة والسيد المالكي للعودة لذات الثوابت والمنطلقات في مشروع بيان تفاهمه .
السيد رئيس مجلس الوزراء المنتهية ولايته , سيكون وحزبه وائتلافه في موقع القرار والمسؤولية والمشاركة مع باقي الاطراف السياسية في السلطات التنفيذية والتشريعية وسوف لا يخسر الامتيازات المادية والمعنوية . لم يعد العراق وبعد تجربة العشر سنوات يحتمل السياسات الفاشلة والعقيمة , لم يعد يتحمل تراكم الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية . إن خضوع السيد المالكي للارادة العامة العراقية المطالبة بالتغيير , سترفع من مكانته ويحوز على الاحترام والتقدير , اما الاصرار على الترشح لرئاسة الحكومة العراقية الجديدة , فستكون نتائجها وخيمة وكارثية . الانتخابات ونتائجها وليس بالضرورة مبرر وسبب لتمسك السيد نوري كلمل المالكي وائتلاف دولة القانون بالترشح لدورة جديدة , بالاخص اذا اقتضتها المصالح الوطنية العليا , ليكن التغيير واقع حال وضرورة تاريخية للخروج الى فضاء الحرية والديمقراطية وانتشال واقع الدولة ( الفاشلة ) .
إن الحرص على الوحدة الوطنية والسلم الاهلي يفترض بحزب الدعوة الاسلامية مراجعة ثوابته واغناءها بالمتغييرات ومعطيات المرحلة الراهنة ومقتضيات المصالح الوطتية ، واستشعار مكامن الخطر وتجاوزه ، لمصلحة الحزب اولا ، ولمصلحة بناء الدولة العراقية اخيرا .