23 ديسمبر، 2024 3:33 ص

حرية الصحافة في يومها العالمي

حرية الصحافة في يومها العالمي

بدأت رحلتي في عالم الصحافة عام 1991 بعد قمعِ انتفاضة آذار في العراق وكانت مرحلة مهمة من حياتي المهنية والشخصية باعتباري انتقلتُ من مرحلة تكميم الأفواه بان لايحق لي التعبير عن أفكاري السياسية وتطلعاتي نحو شكل وواقع الحياة في عهد النظام السابق باعتباره نظاما شموليا يستبدّ بمن يخالفه الرأي والموقف. وقد كانت تلك المرحلة مشحونة بعواطف القهر والحرمان والظلم الذي لحق بملايين العراقيين نتيجة الحروب المدمرة آنذاك. فحملت مرحلة الاعلام المعارض والذي من معالم نهجه الذي مارسته هو حرية التعبير عن الرأي. مثلا لم يُطلب أو يُفرض علي كتابة تعليق سياسي يُمجدّ الجهة الحزبية التي عملت معها كصديق لهم او لم يُفرض علينا تمجيد الشخصيات القيادية في المؤتمر الوطني العراقي الموحد لاسيما أن شخصية ليبرالية كالدكتور أحمد الجلبي لم يحمل نرجسيةَ لنفسه بقدر ماكان يعمل بهدوء نحو عملية التغيير وكنا مستوعبين لمفردات عملنا الصحفي وقد دفعنا ثمن مواقفنا من خلال المطاردة من قبل جهاز مخابرات النظام السابق الذي كان ينشط في مناطق كردستان العراق لاسباب كثيرة وأغلب انشطته مطاردة المعارضين له وأذكر الشهيد رسام الكاريكاتير في صحيفة المؤتمر الزميل شاهين الأمير من ابناء مدينة البصرة الذي قتل بمادة سم الثاليوم عام 1994. كذلك في تلك المرحلة وهي نقطة مهمة كان العالم قد دخل عصرا جديدا بعد تفكك جمهوريات الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا الاتحادية وجيكوسلوفاكيا أي منظومة المعسكر الشرقي وانتهاء ماكانت تُعرف بالحرب الباردة ليبدأ عصر جديد يحمل اسم العولمة وتقرير مصير شعوب تلك الدول. فأصبح مفهوم الفدرالية بالنسبة لي قناعة فكرية أن مشاكل العراق كموروث استبدادي في الشخصية العراقية لايمكن حلّه الا من خلال تطبيق النظام الفدرالي في الادارة والحكم وليس التجزئة والتقسيم كما يُروج له. فكانت حرية التعبير عن الرأي هي جزء من حريتي الفكرية المستندة على تجارب المنطقة والعالم من حولنا ولاننسى طبيعة الانظمة الحاكمة المتسلطة على شعوبها. مثلا رؤيتي تجاه حل القضية الفلسطينية أيضا لاتخضع لمفهوم الانتماء القومي المشترك مع الشعب الفلسطيني انما هي رؤية لمرحلة جديدة يُفترض ان يكون التعايش الفلسطيني اليهودي تعايشاً مبنياً على المصالح المشتركة وقد تبنّت الامم المتحدة وبتأييد من الفصائل الفلسطينية نفسها اقامة دولتين كل منهما يتعرف بالآخر. نفس المفهوم مع القضية الكردية التي كلّفت العراقيين جميعاً الكثير من دماءهم ومقدراتهم الاقتصادية. سأوجز المقال بالنقاط المهمة حسب وجهة نظري لما أسلفتُ ونحن نعيش يوم الصحافة /
أولا / من خلال ما أسلفتُ يُفهم أننا وفي مرحلة إعلام المعارضة كان لنا السبق في بناء مفهوم حرية التعبير عن الرأي المتزامن مع عهد دولي سُمي بالنظام الدولي الجديد حتى أن نشاطا ثقافيا وفكريا قامت به شخصيات اسلامية معارضة وفي عواصم كثيرة تحت عناوين الديمقراطية وقد أثيرت حينها علامات استفهام حول تلك العناوين مثلا أذكر أن المرحوم السيد محمد بحر العلوم قد ألقى أكثر من محاضرات في هذا الباب المثير الديمقراطية في نظام الحكم. وأقيمت ورشات عمل من خلال لجنة حقوق الانسان التابعة للمؤتمر الوطني العراقي الموحد وكان يُشرف عليها شخصية معارضة من التيار الاسلامي السيد غانم جواد خلال الأعوام التي تلت تأسيس المؤتمر الوطني عام 1992 وبالتنسيق مع منظمة العفو الدولية ولجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة وجامعة صلاح الدين في مدينة أربيل.
ثانيا / بعد أن تبلورت لدينا أفكار ومفاهيم حرية التعبير عن الرأي التي هي جزء من منهجنا الاخلاقي والوطني لم نكن نحابي او نجامل أحداً حتى لو أدى ذلك الى ترك مجال عملنا أي لم نكن نسعى الى رزق مُبتذل في مواقفنا تجاه من نعمل تحت ادارتهم ولهذا نجد مثلا الكثير منا كان سائحا في عالم الصحافة ولديه خيارات كثيرة إن أحسّ أنه لايتسطيع ممارسة عمله الصحفي كما هو مؤمن به. هذا هو الرصيد الثاني في بناء الشخصية الاعلامية الناجحة في مهنته ومواقفه. وهي مرحلة ثانية ومهمة ، أضف الى ذلك أن الأرضية التي انتقلنا اليها مثلا سوريا الحبيبة تمثّلت بمجال أوسع رغم المعاناة المادية ولكنها مفعمة بالنشاط العملي الحر على اعتبار أننا نمثل خط المعارضة العراقية في مواجهة النظام الحاكم في العراق ولانتدخل في الشأن السوري فلنا أولويات ورسالة وطنية تجاه أهلنا ومعاناتهم. واستطيع القول كان هناك ابداعا ثقافيا ونتاجاً جيدا لكثير من الصحفيين العراقيين.
ثالثا / المرحلة الثالثة هي الأخطر وتمثلت بسقوط نظام صدام حسين واحتلال العراق هنا دخلنا في محك الاختبار ، هل نبقى على ذات المبادئ العملية في حرية التعبير عن الرأي أم ستتداخل الصراعات النفسية ومحاولة تعويض ماخسرناه في مرحلة المعارضة؟ هذه المرحلة كانت غربالا أولياً حتى جاءت المحاصصة وملفات الفسادين المالي والاداري لتسقط بعض الاسماء وهي طبيعة الانسان الغير مستقرة على حال تبعاً لظروفها وتجاربها. لاننسى تحولا خطيرا في منهج الاحزاب والكيانات السياسية بعد أن استوطنت مصالحها الاقتصادية بشكل لايمكن تخيله وتورطوا في انتهاكات خطيرة في الخطف والقتل والعنف الطائفي بل تورطهم في اختراقات أمنية كانت سببا في الكثير من العمليات الارهابية .فأصبحت حرية التعبير عن الرأي جريمة لاتغتفر وثمنها القتل. عشرات الاسماء كانت ضحية العنف ضد الصحفيين في العراق بعد العام 2003 وبقيت ملفاتهم طي الكتمان من هي الجهة المتورطة والحاكمة طبعا.
ماهو الحل؟ وكيف السبيل لحماية الصحافة الحرة في العراق ؟
السؤال مرتبط بثورة تشرين التي انطلقت شهر تشرين الاول من العام المنصرم 2019. لن يتوقف نزيف دماء الصحفيين العراقيين الا بانتصار حركة الاحتجاجات المدنية من خلال تطبيق كامل لمطاليب التظاهرات ، تغيير العملية السياسية من خلال انتخابات حرة وفق برنامج انتخابي ولجنة انتخابية مستقلة وابعاد كل الكيانات السياسية المرتبطة بالعملية السياسية بعد العام 2003. عدا ذلك تبقى مجرد مقالات هزيلة وشتائم ضد من يحكمون لاطائلة منها سوى مزيد من المعاناة والخطف والتنكيل.