أورد الباب الثاني من الدستور العراقي تحت عنوان «الحقوق والحريات/ الفصل الثاني» مبدأ مهماً في المادة (44/ أولا) ونصه «للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه»، وفي ضوء ذلك جاءت توجهات القضاء الدستوري ممثلا بالمحكمة الاتحادية العليا التي تتخذ قراراتها ملزمة لجميع السلطات ونافذة وفقاً للمادة (94) من الدستور اعمالاً للنص المتقدم ذكره.
لو تمعنا النظر في حرية السفر والسكن في نص المادة (44/ أولا) ، لن نجد تقييداً لها، أو وجوب سن تشريع يصدر عن مجلس النواب لتنظيمها، كما هو حال حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، حيث نصت المادة (38/ ثالثاً) من الدستور بأن «الدولة تكفل بما لا يخل بالنظام العام.. حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون».
هناك فرقٌ واضح بين هذين النصين الدستوريين رغما أنهما جاءا في نفس الباب وهو الحريات العامة، فالحديث عن حرية التنقل والسفر والسكن جاء مطلقاً ومن دون قيد أو شرط، في حين هناك شرطان موجودان على حرية التظاهر والاجتماع: الاول بأن استخدام هذا الحق يجب أن لا يخالف النظام والاداب العامة، والثاني ضرورة تنفيذ هذا النص بقانون يصدره مجلس النواب مستخدماً صلاحياته التشريعية المنصوص عليها في المادة (61/ أولاً) من الدستور.
وبالتالي فأن حرية التنقل والسفر تشمل جميع انحاء البلاد، فلا يتعرض إلى المساءلة القانونية والمحاسبة من يزور أي مدينة عراقية مهما كانت، وكذلك الحال بالنسبة للدول الاخرى فلم يرد في الدستور حظراً على زيارة العراقي دولة معينة حتى التي لدى العراق خلافات سياسية معها، أو أننا لا نمتلك علاقات دبلوماسية معها، أو حتى التي لا نعترف سياسياً بوجودها اصلاً.
وبما أن المحكمة الاتحادية العليا، تتخذ قراراتها وفقاً لنصوص الدستور بوصفه القانون الاسمى والاعلى في البلاد تطبيقاً للمادة (13) منه التي منعت سن قوانين تخالف احكامه، فهي ملزمة بنصوصه بعيداً عن الجوانب السياسية، فقد سبق لها الفصل في موضوع السفر والتنقل وذلك في الدعوى رقم (34/ اتحادية/ 2008).وجاء في الحكم الذي المحكمة الاتحادية العليا حينها بأن الدستور كفل الحرية للعراق في السفر والتنقل داخل العراق وخارجه دون قيد أو شرط تطبيقاً لاحكام المادة (44/ أولاً) من الدستور.
وما يمكن ملاحظته في قرار المحكمة، هو عدم جواز تقييد هذه الحرية بنص يمكن وضعه في قانون يسن من مجلس النواب أو نظام أو تعليمات تصدرها السلطة التنفيذية، واستندت في هذا التوجه إلى المادة (2/ أولاً/ ج) من الدستور التي تنص «لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والاساسيات الواردة في هذا الدستور»، وأن السفر يعد من تلك الحقوق الذي ورد في باب الحريات وبصريح العبارة.
ويمكن اعتبار ذلك، بمنزلة السقف الاعلى في ممارسة حرية السفر والتنقل وكذلك السكن، أورده المشرع الدستوري، واستقر عليه القضاء الدستوري في العراق، وهذا جاء متسقاً مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في عام 1948 وتحديداً في المادة (13) منه التي نصت على «1- لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل اقامته داخل حدود الدولة، 2- لكل فرد حق في مغادرة اي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده».
أن المساس بالحريات – بما فيها المتعلقة بالتنقل والسفر- يجب أن يكون من خلال تعديل الدستور العراقي الذي يورد في نصوصه اليات تعديله، وفي ضوء قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (54/ اتحادية/ 2017) واستقرائها للنصين (126) و (142) من الدستور.