23 ديسمبر، 2024 5:02 ص

حرية التعبير والصراع بين ترسيخها في ذهنية العقل المجتمعي والسلطة الحاكمة

حرية التعبير والصراع بين ترسيخها في ذهنية العقل المجتمعي والسلطة الحاكمة

تعد حرية التعبير او حرية الراي والراي الاخر من اهم الحريات الاساسية التي تضمنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومن اهم الحريات الي كان العراقيون يتوقون للحصول عليها في نضالهم المستميت طيلة العهود الماضية ضد انظمة الحكم المختلفة , ودفعوا من اجلها مئات الالاف من الضحايا والقرابين سواء من الذين توفوا اوقتلوا في السجون والمعتقلات او الذين اعدموا او ممن اغتيلوا بوساطة اجهزة الدولة القمعية, وقد اتيحت الفرصة الوحيدة والمهمة لممارسة تلك الحرية على نطاق واسع بعد انتهاء عهد نظام البعث الصدامي القمعي وبالرغم من توافق قوى المعارضة على صوغ دستور يضمن كل الحريات الاساسية ومنها حرية التعبير قبل استلام السلطة والبدء في اقراره حين استلام الحكم وقبل انسحاب الاميركان , الان ممارسة هذه الحرية تراجعت كثيرا نتيجة عوامل متعددة واصبحت ممارستها الان محفوفة بالمخاطر وان كانت تمارس بشكل نسبي ,وقد برزا حدثان مهمان اثرا بشكل واضح في ترسيخ هذه الحرية او تراجعها, اولهما التظاهرات المطلبية التي انطلقت بداية فترة الاستقرار الامني النسبي مثل التظاهرة الرئيسية في 25 شباط من سنة 2011 وماتلاها فقد كانت تجربة ثرة بكل المقاييس من ناحية التحشيد المجتمعي البعيد عن التحزب والتغطية الاعلامية المتوازنة من قبل معظم القنوات العراقية والدولية المتواجدة على ارض العراق كما انها مثلت اختبارا حقيقيا لقدرة النظام الجديد على استيعاب المزايا التي يتيحها العهد الديمقراطي والبناء عليها لصالح الدولة والمجتمع ,ومع ان هذه الممارسة الواعية من قبل المواطنين للتعبير عن ذواتهم ومطالباتهم بتحسين الوضع المعاشي بعد ان خفت حدة الاعمال الارهابية قليلا واصبح هناك متسع للتظاهر السلمي كانت مطلوبة لاسباب ذاتية وموضوعية الاان الحكومة خشيت تماما من تداعياتها في حينها وخشيت على مستقبل السلطة والحكم فيما بعد كما قدم بعض المنفلتين فرصة كبيرة لقمع المتظاهرين واعتقال البعض من الصحفيين والاعلاميين والذين سرعان مااطلق سراحهم نتيجة ضغوط داخلية ودولية كما قتل بعضهم لاحقا ولايعرف سبب قتله حد اللحظة لانعدام الشفافية في التحقيقات, لكن هذه الممارسة المطلبية ستظل حية في ذاكرة العراقيين كافظل احتجاج سلمي للتعبير عن الحرية بلاخسائر بالرغم من ان حرية التعبير فيما بعد 25 شباط اصدمت بقوة مع اجهزة السلطة واخذت بعدا قمعيا اقسى , ومع كل ذلك اعطت هذه التجربة درسين قاسيين سواء لعموم المتظاهرين او للسلطة الحاكمة المتازمة فمن جانب المتظاهرين اقتنع الجمهور بانه ربما سيمضي وقت طويل لتفهم الحكومات ان حرية التعبير بكل اشكالها هي عامل اضافي لتعزيز سلطة المجتمع والتاثير في سياسات الدولة وبالتالي التناغم بين الحاكم والمحكوم لبناء بلد ديمقراطي وان على هذه القوى المجتمعية الاستمرار بممارسة التظاهرات كلما دعت الحاجة الى ذلك شرط الالتزام بالتظاهر السلمي فقط وكما كفله القانون , ومن جانب اخر نبهت الحكومة والقوى المتنفذة فيها والتي تديرها بان السلطة الجديدة قد تعاني كثيرا بسبب برامجها الاقتصادية التي تتماشى مع اليبرالية الاقتصادية والمصالح الاميركية وبالتالي ستكون السلطة مهددة مادامت هذه البرامج غير المدروسة تؤدي الى افقار الطبقات الكادحة.
الحدث المهم الاخر هو سقوط الموصل والمدن الغربية بيد داعش نتيجة سوء ادارة السلطة في تلك المناطق من قبل حكامها ورغبة سكان تلك المناطق في الانفلات من عقال الدولة لاسباب مختلفة وبالرغم من التضحيات الجسام لتحريرها من قبل قوى الامن المختلفة والحشد الشعبي برغم ضخامة التامر الدولي ,الان الفرصة اتيحت لقوى متنفذة مختلفة ذات مصالح متباينة كما نبهت الاحزاب المنضوية تحت عباءة الحرية والديمقراطية والمشكلة للائتلافات الحكومية الى ان تاخذ دورها في تعزيز قبضة الدولة على وسائط التعبير وحرف حرية التعبير من اجل تعزيز مصالحها فقط فقامت بانشاء العديد من القنوات الفضائية التي تلعب دورا مزدوجا وبالاستعانة بالعشرات من المحللين والصحفيين اللذين لديهم الرغبة في حرف الحقيقة من اجل المال لخدمة اجندتها والحفاظ على مصالحها فدخل كل من هب ودب في ميدان النقاش والتحليل مااسهم في خلق لغة مجتمعية سيئة نتيجة طرح وجهات النظر المختلفة بطريقة الاستهداف المباشر للشخص وليس تعزيز الرؤى الديمقراطية عن مايحدث او تحليل الظواهر وطرح الحلول فاصبحت حرية التعبيركما يراها الناس لغة سمجة لاتمت لمسيرة التقدم في الحياة نحو المستقبل بصلة وبما ان الغالبية من الناس تتاثر بوساط الاعلام دون الوسائل الاخرى كالمعرفة والقراءة فاصبح هناك راي وراي اخر دون ضوابط اخلاقية ولاقانونية تسهم في الحد من التجاوز على حريات وقيمة الاخرين المعنوية فتعزز مفهوم الشتيمة والاثارة المقصودة وانتقل الى عالم الحرية الافتراضي ايضا في الوسائط الاخرى كالفيس بوك والتويتر وغيرهما وبما ان ترسيخ هذه الظاهرة مستمروليس هناك فرصة مجتمعية لتداركه ولاتتوفر النية عند الحاكمين لاصلاح مايمكن اصلاحه فقد يمضي وقت ليس بالقصير لتعود الديكتاتورية الشخصية وتتعززقيمتها في المجتمع ممايرسخ مبدا عودة الديكتاتورية مرة اخرى وتنتهي حرية التعبير وهي الحرية الوحيدة التي مورست وان كانت بصيغ مختلفة.