إن دينَ الإسلامِ ! قد تعهد للبشرية جمعاء، ألا يُكره، ولا يُجبر، ولا يُرغم أي مخلوق على وجه الأرض ، بأن يدخل في الإسلام بالقهر، ولا بالقوة.
لأن هذا التصرف، يتناقض مع التكريم الإلهي للإنسان ( وَلَقَدْ كَرَمنا بني آدَمَ ) الإسراء 70. ويتعارض أيضاً مع الحرية، التي منحها الله تعالى للبشر جميعاً حين ولادتهم.
فقد وُلِدوا أحراراً، ويجب أن يبقوا أحراراَ؛ حتى يلقوا الله تعالى يوم القيامة. كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتُهم أحراراً ).
مقتضيات الحرية
ومن مقتضيات، ومتطلبات الحرية ! أن يختار الإنسانُ الدينَ الذي يريده، والعقيدة التي يريدها، وأن يختار الفكرة التي يقتنع بها ، لكي يعتنقها ، ويدافع عنها ، ويضحي في سبيلها. وهذا لن يحصل إذا تَمَ إجبار الإنسان على اعتناق دين معين، لا يقتنع به.
فمن السفاهة، والحماقة، والسذاجة.. إجبار الناس على اعتناق دين ما ، أو فكرة ما، وهم غير مقتنعين، ولا راضين عن هذا الدين ، أو هذه الفكرة ،أو هذه العقيدة.
إذ ما إن يزول حكم هذا الإجبار ، والإكراه.. حتى يعودَ الناس إلى دينهم الأول، الذي كانوا عليه من قبل. وهذا ما حصل في مصر أثناء حكم العبيديين ، الفاطميين ، الرافضة الذين حكموا مصر مائتين وتسع سنوات، أجبروا فيها الناس على اعتناق دينهم بالقوة ، والقهر. وما إن سقط هذا الحكم ، وتلاشى؛ حتى عاد الناس إلى دينهم الأول الإسلام..
ولذلك! بما أن الإسلام هو دين الله، وبما أن الله تعالى هو أعلم بنفسية البشر الذين صنعهم، وخلقهم. فقد قرر، وقضى ، وأمر رسله جميعاً.. بألا يُكرهوا الناس على الإيمان بالله، وأنزل في كتابه الكريم ( لا إكْراهَ في الدينِ قَدْ تَبَيَنَ الرُشدُ من الغَيِّ ) البقرة 256. لأن الله تعالى يريد من عباده، أن يؤمنوا به، ويعبدوه عن قناعة تامة ، وعن رغبة ملحة، وعن نية صادقة مخلصة.
خاصة وأنه سبحانه ! قد زود الإنسانَ؛ بالقدرات العقلية الكافية، للتمييز بين الخير والشر، وبين الحق والباطل. إضافة إلى الرسل الذين أرسلهم عبر التاريخ ، والكتب التي أنزلها معهم، والتي ذكر في آخرها ( وَهَدَيناه النَجْدَينِ ) البلد 10. أي طريق الخير والشر ( إنا هَدَيْناه السبيلَ إما شَاكراَ وإما كَفوراَ ) الإنسان 3.
غير أن كثيراً من العلمانيين الخبثاء، وأذنابهم، ومن المعادين للإسلام؛ يُثيرون مسألة حرية الاعتقاد التي يقررها الإسلام كمبدأ أساسي في الحياة ، وبخلطونها بقانون أساسي في الإسلام أيضاً ؛ وهو حد الردة ؛ ويعتبرون الثاني معارضاً ، ومناقضاً للقانون الأول.. وهذا ناتج إما عن سوء فهم ، وقلة بصيرة ، أو عن سوء نية خبيثة للطعن في الإسلام.
الله سمح لعباده بالكفر، غير أنه لا يرضاه لهم
والحقيقة الواضحة الجلية التي لا لُبس فيها ولا غُموض أن الله تعالى، ابتداءَ، لا يحب، ولا يرضى لعباده الكفر إذ أنه يقول : ( إن تكفروا فإنَ اللهَ غنيٌ عنكم ، ولا يَرضَى لعبادِه الكفرَ ) الزمر 7. ولكنه من عظمته، وعدله، واحترامه للإنسان الذي خلقه وصنعه بيديه.. سمح له بحرية الاعتقاد، وسمح له إذا شاء أن يكفر، فله أن يكفر.. ولكنه سبحانه أنذره ، وحذره ، وهدده ، وتوعده بالعذاب الأليم في جهنم خالداً مخلداً فيها إن كفر.. وهذا ما جاء في تتمة الآية الكريمة التي يستشهدون بها على حرية الاعتقاد ( فمنْ شاءَ فليؤمنْ ، ومنْ شاءَ فليكفرْ ، إنا أعْتَدْنا للظالمين ناراً أحاط بهم سُرادِقُها ، وإن يستغيثوا يُغاثوا بماءٍ كالمهلِ يَشوي الوجوهَ ، بئسَ الشرابُ وساءتْ مرتفقاً ) الكهف 29.
فالكفر! حرية، ولكن يترتب على هذه الحرية، ضريبة كبيرة.. وهي العذاب الشديد في نار جهنم، كما قال تعالى: ( ومَنْ لَمْ يُؤْمِنْ باللهِ ورَسُولهِ ، فَإنَّا أعْتَدنا للكافِرينَ سَعيراً ) الفتح 13.
ولذا فإنه حينما يؤمن الإنسان بالله تعالى، ويُعلن دينونته، وخضوعه، واستسلامه لخالق السماوات والأر ض؛ فإنه يكون قد تحرر من العبودية لأمثاله من العبيد، الذين لا يملكون له ضراً ولا نفعاً، وأعلن عبوديته لمن يملك كل شيء، وغدا إنساناً كريماً.
وفي هذه الحالة! يكون قد ارتقى إلى منزلة سامقة، سامية، وعالية، وصعد إلى أعلى مراتب الكمال الفكري، والعقلي، والإنساني.. فما ينبغي له بعد هذا العلو، وهذا السمو؛ أن يهبط إلى مرتبة الحضيض، إلى مستوى الأنعام، وهي مرتبة الكافرين كما قال تعالى ( والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكلُ الأنعامُ والنارُ مثوىً لَهُمْ ) محمد 12. فيرتد إلى الكفر، ويتخلى عن إنسانيته؛ التي أكرمه الله تعالى بها؛ حينما كان مسلماً..
الارتداد إلى الكفر، مرض
فإذا ارتد إلى الكفر.. فهذا يدلُ على أنه قد أصابه خللٌ في عقله، واضطرابٌ في تفكيره ، ومرضٌ في قلبه.. مما يستدعي معالجته كأي مريض عضوي آخر.
وحينئذ تتشكل لجنة من العلماء والقضاة.. ويبدؤون يناقشونه ، ويحاورونه عن سبب ارتداده إلى الكفر، ولا يُقام عليه الحد مباشرةً – كما يظن بعض الجاهلين -.
فإن تمكنوا من علاجه.. واستجاب لهم ، ورجع إلى دينه الإسلام، فيبقى مسلماً ولا يُقامُ عليه أي حد..
ولكن إن أصر على كفره ، ولم يُفلح العلماء في علاجه.. فحينئذ يجب بتره – كما نفعل نحن الأطباء، ببتر أي عضو مريض وفاسد في جسم الإنسان.. خشية أن ينتقل المرض إلى بقية أعضاء الجسم –.
إذ أن أي فرد مسلم.. هو عضو في جسم المجتمع المسلم، فإذا أصابه المرض، ولم يفلح الدواء في علاجه، فيجب بتره، لئلا يُفسد أعضاءً آخرين في المجتمع..
ولهذا يجب قتل المرتد عن دينه.. كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن ابن عباس (مَن بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ).
فلا يوجد في هذا أي تناقض ولا اضطراب ، ولا خلل..
للإنسان الحرية الكاملة أن يبدأ حياته بالكفر.. فلا أحد يتعرض له أبداً ، ولا أحد يُجبره على الإيمان ، ولا أحد يُكرهه على دخول الإسلام ، وهو وحده يتحمل نتيجة كفره، وهو وحده ، الذي سيتعذب في نهار جهنم أبد الآبدين..
ولكن إن دخل أي إنسان في دين الإسلام.. فعليه المحافظة عليه، وإلا مصيره القتل إن ارتد عنه..
وهذا الشيء معمول به في كل أديان ومعتقدات وأحزاب الدنيا كلها.. فأي شيوعي يرتد عن الشيوعية يُقتل، وأي نصراني يرتد عن النصرانية يُقتل ، وأي بوذي يرتد عن البوذية يُقتل. وغيرها من الأديان الأخرى تطبق على المرتد عقوبة القتل..
فلا غرابة ! أن يكون في الإسلام نفس الشيء؛ أن يُقتل المرتد.. مع الفارق الكبير بين الإيمان بالله، والإيمان بالشيوعية ، أو النصرانية ، أو البوذية أو سواها..
إذاً! فقتل المرتد عن دين الإسلام، ليس بدعاً من الأديان، والمناهج، والأحزاب البشرية الأخرى. إذ أن في قتله، حمايةً للمجتمع من الفساد، والضلال، وحياةً للأمة المسلمة من الأمراض الفكرية، التي يسعى أعداؤها؛ إلى نشرها في صفوف أبنائها. وهو مماثل ومشابه للقصاص الذي فيه حياة للأمة ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ ، لَعَلَكُمْ تتقونَ ﴾ البقرة 179.