حروب الطائفية الرقمية: سلاح إيران وحلفائها في المنطقة

حروب الطائفية الرقمية: سلاح إيران وحلفائها في المنطقة

في زمن لم تعد فيه الحروب تُخاض بالسلاح فقط، كشفت شبكة(BBC) وجهاً آخراً لصراع النفوذ في الشرق الأوسط، يتمثل في شبكات من الحسابات الخارجية على منصة “إكس”. هذه الشبكات لم تكتفِ بتأجيج الخطاب الطائفي، بل تنشر معلومات مضللة وممنهجة حول الأوضاع في سوريا والمنطقة، في واحدة من أضخمعمليات التضليل الرقمي التي تشهدها الساحة الإعلامية.

وفقاً لتحقيق استقصائي أجرته الشبكة مؤخراً، تبين وجود منظومة حسابات وهمية تنشر بشكل منسق وسريع رسائل طائفية، وتزايدوسوم (هاشتاغات) مشحونة بالكراهية والانقسام، مستهدفة جمهوراً عربياً واسعاً. هذه الحسابات – التي تُدار من أربع دول تُعرف بعلاقاتها العسكرية والسياسية المتشابكة – تسعى لتشكيل وعي زائف، يدفع نحو الاستقطاب الطائفي، ويغذي الصراع بين مكونات الشعوب.

بعد هزيمتها.. إيران من البندقية إلى الكيبورد

تشير طبيعة الرسائل والوسوم إلى أن هذه الحملات ليست عشوائية، بل تقف خلفها أجهزة منظمة، سواء أمنية أو أذرع إعلامية مرتبطة بجهات سياسية.

في إيران، تُعرف “وحدات السايبر” بقدرتها على صناعة محتوى تعبوي موجه، بينما في العراق ولبنان واليمن، تُستخدم فصائلمسلحة وقوى سياسية ومدومنون كواجهات إعلامية إلكترونية لبث محتوى طائفي وموجه.

فبعد سلسلة من الهزائم التي منيت بها طهران في ملفات النفوذ الإقليمي، يبدو أنها لم تتخلّ عن أدوات الهيمنة، بل غيرت شكلها. فقد كانت أذرع إيران، من ميليشيات طائفية وفصائل مسلحة، تمارس القتل والتهجير للسيطرة على السلطة بقوة السلاح خدمة للمشروع الإيراني وتوسيع نفوذها، أما اليوم، فقد انتقل الصراع إلى الفضاء الرقمي.

إن ما كشفه التحقيق ليس إلا صورة جديدة من صور المشروع الإيراني الذي يهدف إلى تدمير المجتمعات العربية من الداخل، عبر التحريض الطائفي وإثارة الفتن، كما يجري داخل سوريا والعراق ولبنان واليمن التي تحاول هذه الدول جاهدة لملمة جراحها المثخنة.

فبعد أن فشلوا في حسم المعارك على الأرض، لجأوا إلى الجيوش الإلكترونية لبث الكراهية وتحويل الشعوب إلى أعداء لبعضها البعض.

والملاحظ أن هذه الشبكات تعتمد على إعادة تدوير خطاب الكراهية وشيطنة الآخر، وتروّج لروايات كاذبة عن المجريات في سوريا، وتصور الصراع وكأنه ديني أو مذهبي، بينما تتجاهل الحقائق السياسية والإنسانية.

الهدف من ذلك واضح، هو تفتيت أي محاولة لإعادة بناء الدولة وترميم الوحدة الوطنية التي عملت إيران وأذرعها على تمزيقها لسنوات، وذلك عبر الجيوش الإلكترونية التي تبث الشك وتعمّق الانقسام داخل مكونات الدولة الواحدة.

ما يجري اليوم هو امتداد لحرب بدأت بالرصاص والقتل والتهجير، لتنتقل إلى الفضاء الرقمي، حيث تُستخدم “الطائفيةالإلكترونية” كسلاح فتاك لتفجير العنف داخل المجتمعات، وتحويل الانقسام إلى نمط دائم من الحياة السياسية والاجتماعية.

صمت منصة X المريب!

لكن الغريب ورغم خطورة ما كشفته BBC، إلا أنه لم يصدر عن منصة X أي توضيح حتى الآن، الأمر الذي يثير تساؤلات حول التزامها بمحاربة خطاب الكراهية، خاصة بعد تراجع ضوابط الإشراف على المحتوى في عهد إدارتها الجديدة. فهل تغضّ المنصة الطرف عن هذه الحسابات لأسباب تجارية أم لها في ذلك حسابات ما ؟، لعلّ الزمن كفيل بتوضيح ذلك.

مَن يردع إيران وأذرعها وكيف؟

إن الردع الحقيقي لإيران ووكلائها يبدأ أولاً بفضح ممارساتهم وكشف أدواتهم في الداخل والخارج، إعلامياً وقانونياً.

يجب أن تتحرك الدول المتضررة، والمنظمات الحقوقية، والمجتمعات المدنية، للضغط على منصات التواصل الكبرى لحظر هذه الحسابات ومحاسبة من يقف خلفها. كما أن بناء وعي رقمي لدى الجمهور، وتعزيز الإعلام المهني الذي يواجه الكذب بالحقيقة، يُعد أحد أقوى أسلحة المواجهة.

والأهم: ألا نسمح لتلك الحملات القذرة بأن تحقق هدفها في زرع الحقد بيننا، بل نُفشل مشروعهم بالتماسك والحوار والانحياز لوطننا لا لطائفتنا.

لا شك أن الطائفية الرقمية باتت أحد أخطر أدوات زعزعة الاستقرار في المنطقة، ومع دخول الذكاء الاصطناعي على خط المعركة، أصبح من السهل تزييف الوعي الجماهيري بطرق متقنة.

المستفيد الأكبر من هذه الحملات هم أولئك الذين يريدون إبقاء الشعوب في حالة خوف وتشرذم، بينما يُغيّبون القضايا الجوهرية من إصلاح وكرامة وعدالة.

الإعلام الحر وحده، قادر على كشف هذه المنظومات وهزيمتها بالوعي والكلمة، إنْ تمسك بمسؤوليته.

أحدث المقالات

أحدث المقالات