18 ديسمبر، 2024 11:57 م

واهم شديد الوهم، وغارق في بحور التشويش الفكريّ والسياسيّ من يتصوّر أنّ الطائرات “المسيّرة” التي ضربت بعض معسكرات الحشد الشعبيّ في العراق كانت “مجهولة” بالنسبة لحكومة بغداد.
ورغم الهجمات الأربع الأخيرة على الحشد، ومع اتّهامات مقتدى الصدر و(أبو مهدي المهندس) لواشنطن بالهجمات إلا أنّني أجزم بأنّ إسرائيل هي منْ قامت بهذه الهجمات، وقد اعترفت صراحة بالعمل، وكما يقال فإنّ الاعتراف سيّد الأدلة، ولم يعد لتلك التوقّعات، أو التخمينات أيّ مكان في التحقيق العلميّ!
وأرى كذلك بأنّ إسرائيل قامت بمئات الطلعات الاستطلاعيّة، بحثاً عن صورايخ إيرانيّة قيل إنّها هُرّبت لبعض مقار الحشد في العراق، والتي لا نأمل أن تكون في بعض المقار المتواجدة في المناطق السكنيّة!
السعي الإيرانيّ الحثيث يتمثّل بنقل معركتها المؤجّلة، أو غير المباشرة مع واشنطن وغيرها إلى بعض دول المنطقة، وهذه أنانيّة تؤكّد كم الكراهية الإيرانيّة لشعوب المنطقة، وإلا فالسياسة النقيّة تحبّ السلام والخير والأمان لكلّ شعوب الأرض، ولا تنقل الخراب لدول الجوار!
ويوم الاثنين الماضي عقدت الرئاسات الثلاث، (الجمهوريّة، والحكومة، والبرلمان) وبمشاركة بعض قادة الحشد، اجتماعاً حضره رئيس هيئة الحشد فالح الفياض، وزعيم منظّمة بدر (هادي العامري)، وقادة فصائل الحشد في حين تغيَّب نائب رئيس الحشد أبو مهدي المهندس، وهو دليل قاطع على خلافات حادّة مع الفياض، نتيجة بيان الأخير الذي ضرب تهديدات المهندس عرض الحائط!
الموقف الرسميّ كان واقعيّاً، وكانت الغاية من الاجتماع الضغط على زعماء الحشد لعدم تنفيذ أيّ خطوات تصعيديّة ضدّ القوّات الأجنبيّة في البلاد، وحاولت بغداد تخفيف صدمة الضربات والابتعاد عن لغة التصعيد!
وزارة الخارجيّة العراقيّة أكدت على” أهمّيّة سلامة جميع التشكيلات الأمنيّة العراقـيّة التي تحظى بغطاء قانونيّ”.
وكلام الخارجيّة مهنيّ لدرجة كبيرة، لكن ألا يفترض بالحكومة، ورئيسها عادل عبد المهدي بصفته رئيساً للوزراء، وقائداً عامّاً للقوّات المسلّحة أن تعمل على ضبط الحدود العراقيّة – الإيرانيّة، والعراقيّة – السوريّة، وعدم السماح لأيّ فصيل مسلّح، مهما كانت قوته، أن يتلاعب بالأمن الوطنيّ لصالح أجندات خارجيّة، وتجميد محاولات نقل المعركة الإيرانيّة إلى الميدان العراقيّ!
صراحة، ورغم كل البيانات والاجتماعات الطارئة في بغداد، إلا أنّني أتوقّع أنّ ما يجري تمّ بموجب اتفاق مسبق بين بغداد وواشنطن، وبالذات مع عدم التزام غالبيّة فصائل الحشد بإغلاق مقارها وفقاً لرغبة رئيس الحكومة، وكذلك بسبب تأكيدات بعض قيادات الحشد عبر الإعلام بأنّهم سينفذون “أوامر القيادة الإيرانيّة في حال المواجهة مع أمريكا”!
ويوم الأربعاء الماضي، كشف شينع شانكنيك الباحث في معهد موشي دايان الإسرائيلي، عن ” وجود علم مسبق لدى القوّات الأمريكيّة في العراق بالضربات الجوّيّة قبل وقوعها بسبع إلى تسع دقائق”!
وكلام شانكنيك يرجّح القول بأنّ الضربات التي استهدفت معسكرات الحشد تمّت بعلم المهدي، والفياض بدليل بيان رئيس الحشد، الفياض، المناقض لبيان نائبه، المهندس؛ وعليه، ربّما، تحمل المرحلة القادمة، في طياتها، عدّة أحداث جِسام، ستقود لتغيير شكل العمليّة السياسيّة، وليس تغيّيرها!
الأطراف المتّفقة على الضربات هي رئيس الحكومة، والفياض وأمريكا، المتمثّلة بإسرائيل “الطرف غير المعلن حينها والمنفّذ للضربات” على الرغم من تشكيك الصدر وإشارته إلى أنّ واشنطن هي من نفّذت تلك الضربات، وأيضاً اتّهام “المهندس” لواشنطن بإدخال أربع طائرات مسيّرة من أذربيجان إلى العراق!
المرحلة القادمة، ربّما، ستشهد “التضحية” بعض الرؤوس الكبيرة في الحشد لإتمام الإستراتيجيّة المتّفق عليها بين واشنطن والمهدي!
ولا ندري، حينها، إلى أين ستذهب البلاد، وكيف ستنتهي حروب الشركاء؟
التصوّر الصحيح أنّ العراق مقبل على مرحلة ضبابيّة، لا يمكن رسم ملامحها بسهولة بسبب السرّيّة التامّة التي تُنفِّذ بها الأطراف المشاركة لعبتها!
ومع هذه التطوّرات الخطيرة أظن أنّ هنالك العديد من المفاجئات تنتظر العراقيّين، ومنها:
ضبابية مستقبل الحشد الشعبيّ؟
وغموض العلاقة بين الحشد والحكومة؟
وما مصير العمليّة السياسيّة وشكلها؟
هذه الأسئلة وغيرها، ربّما، سنعرف بعض طلاسمها في قابل الأيّام!