ولان النوم سلطان لايقهر نام أبي من شدة التعب، قبل أن يطفيء سيكارته، فاستيقظ على رائحة الدخان، لقد خانته السيكارة وسقطت من بين اصابعه واحرقت جمرتها لحافه القطني الثقيل.. كان أبي مدمنا على التدخين، فبجوار علبة السكائر البيضاء والحمراء والتي تحمل اسم بغداد كانت هناك علبة نحاسية تصطف بها مجموعة سكائر ملفوفة يدويا باتقان، فعلى الرغم من تحذيرات الكل له من خطر التدخين لم يتركه. لكن وبعد ان تركت السيكارة وشمها الداكن على لحافه الاصفر، قرر ان يترك التدخين نهائيا ،وظل لايام طويلة يصارع رغبته وتوقه للتدخين كأنه في حرب. كان يقضي معظم وقته في البستان وحين يعود كان يبدو موجوعا، كأن شيئا ما في داخله يحترق، حتى تبدو عيناه مليئتان بالدخان والدموع كانهما نافذتان في ليلة شتاء باردة !! بعد مرور اعوام قليلة على تركه التدخين هزم أبي، ولكن هذه المرة في حرب أخرى.. حربه مع مرض السرطان التي لم تستمر سوى ستة أشهر. وذات صباح أستيقظ أبي بعد نوبة الم استمرت حتى الفجر وسال أميبغتة؛ شيريد الحجي ؟ اجابته امي باستغراب؛ ياحجي؟ قال؛ ابوج حجي ناصر.. راحت أمي تنظر اليه بدهشة من دون ان تنبس ببنت شفه، لو عشت الف عام لن استطيع نسيان ملامح أمي في تلك اللحظة.عند المساء وبعد ان نقل ابي على عجلة للمشفى قالت أمي بصوت حزين ؛ مادام ابوكم صار يشوف الموتى معناها مامطول ويانا.. في الصباح مات أبي نتيجة اصابته بسرطان الرئة المنتشر عن عمر ٦٠سنة والف حرب..