الرسالة المحمدية السمحاء عندما انبثقت في وسط مجتمع الجزيرة العربية لم تأخذ حيزها العملي في بعث الانسان المسلم الحقيقي وتحريره من كافة التقاليد والاعراف التي قيدت المجتمع الجاهلي انذاك بالرغم من انتشار الاسلام وتمسكه بزمام امور الدولة على مناطق واسعة من المعمورة خلال ما يقارب الستة عقود حتى سقوط بغداد على يد المغول .
الحيز العملي هو الفرد المسلم الذي يريده الباري عزوجل ورسوله الحبيب المصطفى محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) .ان اقصى حالات الكمال الانسانية تمثلت بخاتم الرسل بتعبير القران الكريم عنه (( وانك لعلى خلق عظيم )) وقول نبينا الكريم (( انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق)).
مصاديق الاخلاق الحميدة كثيرة بدلالة بطون الكتب والمراجع والمؤلفات. منها الكرم والشجاعة وصدق الحديث والامانة…الخ .جميع معايير هذه الكمالات الانسانية لم تصل الى اعلى حد في تطبيقاتها العملية سوى في اهل البيت عليهم السلام . كان امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام المثل الاعلى والقران الناطق لما يريده الباري عزّ اسمه للبشرية . بعد وفاة الرسول الكريم لم يبقى من اصحابه الا نفر قليل ثبتوا على ما عاهدوا خالقهم عليه ورسوله في الوفاء بالعهود والعقود ؟!
اول الاعمال بعدم الوفاء بالعهود كانت بيعة الغدير لأمير المؤمنين بعد استشهاد الرسول التي لم يثبت عليها الا نفر قليل بعدد اصابع اليد . توالت الاخطاء بعد هذا الاخلال بالعهود والعقود التي اخذها المصطفى من قبل على امته بعد استشهاده ( روحي وارواح العالمين له الفداء) حتى وصلت ذروتها ايام نهضة الحسين عليه السلام , لأنه عندما مارس يزيد وقبله معاوية ومن سار على خطهم اساليب السيطرة على حكم الدولة الاسلامية من خلال الخداع والنفاق والرشى بالمال والتهديد بسطوة السيف قد توهم جاهلا انه سوف ياخذ الحكم حتى ولو كان عند الذين تمثلت عندهم احقية الكمالات الانسانية. هُدد أبي الاحرار بالقتل وسفك دمه اذا لم يبايع طاغوت عصره يزيد الملعون الذي ارتدى كل جلباب المكر والخديعة والتستر بالدين مطيتا لرغبته في الحكم ..
صدح الحسين ناهضا مشخصا لفريقين الحق والباطل بقوله (( مثلي لا يبايع مثلك)) .
الوفاء بالعهد عند مبادئ الحسين عليه السلام حرمة من حرمات الله التي لا يتجاوزها ولا يتهاون في استباحة حرمتها ,و كلف ذلك حياته الزكية والتي بذلها من اجل رفع شأن هذه الحرمة , لأنها الضابطة لسلوك تعامل البشر فيما بينهم.
خلود التضحية في حرمة الوفاء بالعهود التي وضع الحسين (عليه السلام) بصمته في جبين التاريخ اصبحت تتجدد يوم بعد يوم على طول السنين . تزايد البشر في اقتفاء اثره سواء كانوا مسلمين او من طوائف وملل اخرى .. فنراها شعلة وقادة عند المواطن الذي يعمل في عراقنا الحبيب من خلال مثلا.. مع الاسرة في تلبية حاجاتهم بالحلال والكسب المشروع , الوفاء بالعقود مع المُلك العام .. من خلال المحافظة على الطريق والمدرسة والمعمل والدائرة …الخ .
وقد تخمد وتنطفئ شعلة الوفاء بالعقود عندما يتهاون الفرد بحقوق المواطنة والوطن. عندما لا يبال بالوقت المهدور سواء في المعمل او الدائرة وهروب الموظف من ساعات العمل بدون مبرر شرعي . قد يصل الحال الى ان يُحمل السيف الذي نُحر به الحسين من خلال عدم الوفاء بالعهود التي قطعها النائب البرلماني على نفسه في خدمة شعبه لأنه تركها وركض وراء شهواته في جمع الثروة وزهو السلطة ونفوذها وبسطها حتى ولو بالقوة .
كلمة في عظمة الحرمة قبل الخاتمة والتهمة
اليس الذي يقفز على الدستور الموقع عليه من جميع العراقيين في حفظ وحدة العراق ولا يستمع الى صوت الحقيقة التي نادت بها كل دول العالم ما عدا اسرائيل في وقت تحديد مصير الشعوب وعدم اوانها وبطلانها اذا لم تكن بموافقة بغداد العراقيين تكون اكبر حرمة منتهكة لعدم الوفاء بالعهود؟!