لم يشهد حدث سياسي اختلافا في تصنيفه او تقييمه او تاييده ورفضه على مستوى العراق كالحدث الذي شهده تموز عام 1958، فمن قاموا به يسمونه ثورة ومن قام ضدهم يسمونه انقلاب ، والذين عاصروه من الشعب يرونه مجزرة والذين جاؤوا بعد ذلك يعتبرونه استقلال،! ومن جاء بعدهم يسميه لعنة و”حوبة” ..وطائفة مذهبية تسميه نصروطائفة اخرى تسميه نكبة ..الذين شاركوا في انجازه وابعدوا.. ندموا ، والذين فخروا به وتمسكوا اعدموا ..! الاصدقاء قالوا اصلاح لم يمهل، والرفاق قالوا ثورة انحرفت ..الذي اسموها ثورة عملوا عليها انقلاب ، والذين قالوا انقلاب اطلقوا ضده انتفاضة..المثقفون تظاهروا ضدها والعمال ايدوا قائدها..وحتى في الاستذكاراليوم،اناس يحتفلون وآخرون يشتمون ويلعنون ..فماالحقيقة؟
حركة تموز قام بها ضباط يوم كان للضباط شأن وكلمة في نظام الدولة ، كشأن الدول المدنية التي تعطي مكانة كبيرة للعسكر ولكن لايجرؤ هؤلاء ولايفكروا ان يخونوا او ينقلبوا حتى وان انحرفت بوصلة الحكومة ، لأن هذا سيجر الويلات والخراب على البلدان ..فهي ليست ثورة ، لان الثورات تقوم بها الشعوب وليس الضباط المغامرون الطامحون للسلطة ..وان كانوا وطنيين . كما فعل الشعب في الثورة الفرنسية متبعا التنويريين من الفلاسفة والشعراء وكتاب السياسة والاجتماع ، والتي قلدتها اوربا واصبحت (اوربا) اليوم ، وثورة ايران 1979 وأن كانت -للاسف- مخترقة من الغرب ، وهؤلاء لايدعمون الا لغرض ولذا دعموا حكومة دينية وليست مدنية ، وثورة تونس التي قلدتها شعوب العرب وماربحنا منها شيئا بسبب التفاف الغرب ودول الخليج عليها..
ولكن تلك الدولة الملكية قبل تموزكانت شبه محتلة او منتدبة اوقريبة عهد بالانتداب واخذ على ملكها ومعاونيه انهم يرضخون للاجنبي ،فهل يسكت عن ذلك العسكر ؟! أذن فهؤلاء وطنيون !؟ نعم وطنيون ولاشك ، ولكن ايضا منطقيا الملك مجبر من بريطانيا كما رئيس اليوم مجبر من ايران او امريكا..وكما نطالبه اليوم ان يخرج من ربقة التبعيه ولكنه لايفعل ! هل الحل اليوم في حركة عسكرية تغير النظام ؟! لا اظن ، فهذا سيزيد الامر سوءا وفوضى
! ولكن مهلا ! يامن تدعون انه انقلاب ،، وهل كان الملك منتخبا او مختارا من الشعب كما في حالة (مرسي ومصر) لكي تحرموا الانقلاب عليه؟! ام انه اصلا معين من قبل المحتل كما في حالة مجلس الحكم والزعماء الذين جاءت بهم امريكا في 2003 بعد الدكتاتور ،!
امر شائك فعلا ، وحق للعراقيين ان يختلفوا ،ولكن الواقع يقول ان كل من جاء بعد هذه الحركة انقلابيون ياكل بعضهم بعضا مااضربالاقتصاد والعلم والاستقرار طويلا ، حتى وان سلمنا ان قادتها الاوائل حققوا بعض الاصلاحات التقافزية في السنوات الاولى، بل وحتى الفترة التي ازدهر فيها البلد قليلا في عقد السبيعينيات على ايدي من قاموا بثورة على الثورة (او انقلاب على الانقلاب) ! قضى عليه العسكريون انفسهم مرة اخرى في الثمانينيات بالاستبداد وبشن الحروب او عدم القدرة على تجنبها سياسيا..لانهم حكومة عسكرتارية لايؤمنون ولايعرفون اصلا ماهي الديمقراطية ولا يتقبلون التعددية ويتعجرفون على التشاورية ..
حتى اضاعوا ماانجزوه ودمروا بايديهم مابنوه واوصلوا البلد مرة اخرى لمحتل جديد ليعين ملكا جديدا بصيغة حكم جديد ،.. فهل نخطأ كما اخطا ضباط تموز ، والتجربة امامنا ! ام نجد حلا آخر ولانترك التاريخ يعيد نفسه ، فمن لم يتعظ من التاريخ فانه سيتكررعليه ! والعيب ليس في ملكية -فبريطانيا ملكية- وهي ارقى الامم ..ولا الحسن في الجمهورية ، فكوريا الشمالية جمهورية والصومال …العيب والحسن في الآليات والانتخابات ونظام المؤسسات واستشارة الكفاءات .
فبرأيي لانحتفل بحركة تموز ولا بأي حركة مشابهة ولاحتى بشهر تموز المزعج الشديد القيظ الذي لايمكن ان يرجى من شمسه الحارقة خيرا الا نضوج التمر ، وهذا لم نعد نملك منه شيئا ببركة “ثورات تموز” الثلاثة ، ونضجت جلودنا واستبدلت بجلود اخرى !
اذن لانحتفل به ولابحركاته وننتظر الى ان نستطيع ان نصنع من شمسه يوما طاقة كهربائية تنفع البلد ثم نحتفل به ونتمنى قدومه…ولا ننتظر قدوم العسكر ولانتمنى الشر لانفسنا.. “وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا”..ونجهد ونصر ان نكون ونؤسس وبسبل سلمية وتوعوية ..حكومة مدنية (لادينية ولاعسكرية) ، تشاوريه منتخبه حقيقية ومستقله تحترم العسكر وتعلي شأنهم ..وتحجم الضباط وتقنن دورهم ..تتبع الدستور وينتخبها الجمهور ..وعندها يكون لنا عيدا وطنيا حقيقيا دائميا كباقي الامم ..غير مختلف عليه.
———————————-
رأيي الشخصي ان من يستطيع ان يعمل حركة سياسية او تحرك في هذا اليوم القاتل من الحر، اما انه عظيم ضحى بنفسه ، او أنه (مضروب براسه ) من الشمس .