يفرض القانون الفرنسي ارتداء السترة الصفراء على اصحاب المركبات بمختلف انواعها , الخصوصية والعمومية والمكائن المتنقلة والجرارات وغيرها . ولما كانت الضرائب الاخيرة قد فرضت على المحروقات فقد ارتبطت الاحتجاجات الاخيرة في فرنسا بالسترة الصفراء
وتضم حركة السترات الصفر مختلف فئات الشعب المتضررين من ضريبة
المحروقات وغيرها من الضرائب وحتى اولئك المتضررين من الراسمالية المقيتة بصورة عامة
يعتقد ماكرون ان باستطاعته تنشيط الاقتصاد الفرنسي الراكد من خلال تخفيض الضرائب على الراسماليين لتشجيع الاستثمار في فرنسا وخلق فرص عمل جديدة ، وبالتالي تحسين القدرة الشرائية للمواطن الفرنسي . ولكن حساب الحقل غير حساب البيدر فتخفيض الضرائب على الراسماليين لم يحقق ذلك الانجاز الذي يمكن ان ينقذ الاقتصاد الفرنسي المازوم منذ عشرات السنين . بل بالعكس حيث ان زيادة الضرائب على عموم الشعب الفرنسي قد اعطى نتائج عكسية . . وبالنتيجة زاد الاغنياء غنى وزاد الفقراء فقرا . . وازاء ذلك اندلعت المظاهرات الاحتجاجية ضد الحكومة وضد ماكرون بالذات ، لكونه صاحب نظرية تنشيط الاقتصاد عن طريق دعم الاغنياء . وهو بالاساس جاء ممثلا لطبقة الاغنياء الشديدي الثراء
ان فرنسا الثورة على الباستيل وعنوان الحرية والاخوة والمساواة , فرنسا كومونة باريس الشهيرة , لايمكن ان ترضخ لقرارات جائرة من ماكرون او من غيره
وهي التي وقفت بوجه الجنرال ديغول بطل فرنسا الوطني في الستينات بانتفاضة الطلبة واجبرته على التنحي رغم تاريخه الحافل
لقد بدأت انتفاضة السترات الصفر باهداف انسانية نبيلة . ولكننا نخشى ان تتحول الى وسيلة لليمين المتطرف يستغلها للوصول الى السلطة . حيث صرحت زعيمته السيدة لوبان بضرورة اجراء انتخابات مبكرة لتركب الموجة وتسيطر على الحكم في فرنسا , وهنا ستقع الكارثة ليس على الشعب الفرنسي فحسب ولكن على اوروبا كلها ، وذلك من خلال الدعوات القومية الشوفونية التي باتت تهدد الاتحاد الاوروبي خصوصا اذا ما علمنا بان هناك دعوات لنشر انتفاضة السترة الصفراء في هولندا ، وبلجيكا التي تستضيف مقر مفوضية الاتحاد الاوروبي وغيرها من المؤسسات الاوروبية . . والخطر كامن في المانيا ايضا حيث تنتشر فيها الحركة النازية الجديدة التي باتت تهدد المسيرة الديموقراطية والوحدة الاوربية على حد سواء
كما ان خطورة استغلال انتفاضة السترة الصفراء تكمن ايضا في دخول دول على الخط مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة , وحتى اسرائيل كل حسب اجندته , وهدفهم جميعا تفكيك الاتحاد الاوربي الذي بات يشكل خطرا عليهم من خلال الاستقلال الاقتصادي , ورفض الاحلاف والمحاور الدولية واستقلالية القرار السياسي , اضافة الى الدعوة لانشاء جيش اوروبي التي لاقت رفضا شديدا وخصوصا من قبل الولايات المتحدة الامريكية , وتمثل قمة الخطورة على الاتحاد الاوروبي
ولذلك يتوجب على الحكومة الفرنسية التفاوض مع قيادات حركة السترة الصفراء والاستجابة لمطاليبها ولمطالب الفئات العمالية والفلاحية والمتوسطة المتمثلة بتخفيض الضرائب عليهم وزيادتها على الاغنياء , وتعديل الحد الادنى للاجر ليكون مساويا او اكثر لمعدلات التضخم , وتقديم المعونات المالية للطبقات الاكثر فقرا . وتنظيم استفتاء للوقوف على الاجراءات الواجبة الاتباع لتحسين الواقع المعاشي للشعب الفرنسي وعدم الانفراد بالقرارات التي تخص الغالبية العظمى من الشعب
وسن قانون عمل جديد يحقق الحياة الانسانية العادلة للعمال , مع اعادة النظر بالسياسات الضريبية المتبعة
ليس امام الرئيس ماكرون ورئيس وزراءه الا الانصياع لمطالب الشعب المنتفض . وبعكسه فان الانتفاضة الحالية ستكبر مثل كرة الثج وتطيح به وهذا مالايتمناه
ان الشعب الفرنسي الذي آمن منذ ثورته في 14تموز 1789 بالحرية والاخاء والمساواة لقادر على فرض ارادته مجددا وتحقيق مطاليبه العادلة . ولكن هل يستطيع الشعب العراقي النهوض من كبوته بالسترة الصفراء او بغيرها لفرض ارادته وتحقيق استقلاله السياسي والاقتصادي الناجز , والتخلص من تسلط الاحزاب الفاسدة الظالمة ؟ . هذا ماسيجيب عليه الشعب في قابل الايام.