هناك فرق شاسع بين حزب يمتلك طرحا سياسيا ناضجا نابع من رحم قضية عادلة , واخر لم يفقه في السياسة الا العيش على ديمومة الازمات واستمراريتها , ولولا الصدفة وتناقضات المنطقة لما ظهر على الساحة السياسية … وفرق كبير بين من يكون قراره مستقلا وفق مقتضيات مصالح شعبه , وبين من ينطلق من مصالح حزبية خاضعة لاجندات مشبوهة اقليمية كانت ام داخلية .
من اهم النقاط التي اثارت اعجاب العالم في الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا قبل ايام كانت نقطتين .. الاولى.. موقف الشعب التركي البطولي الذي نزل الى الشوارع للتصدي للانقلابيين , والثانية .. موقف الاحزاب التركية المعارضة لاردوغان , ومن بينها حزب الشعوب الديمقراطي الكوردي الذي عارض الانقلاب قبل الاعلان عن فشله .. ما يدل على ان احزاب المعارضة التركية وصلت لحالة من النضج السياسي لا يمكن معها ان تغامر بمصير بلدها من اجل مصالحها الحزبية واسقاط خصمهم السياسي . فرغم ان المشاكل السياسية كبيرة وكثيرة بين اردوغان وحزب الشعوب الديمقراطي الكوردي , والمسافات شاسعة , والطروحات متباينة , والمنطلقات مختلفة , عمقتها توجهات اردوغان الدكتاتورية التي يطمح من خلالها الانقضاض على السلطة من خلال تغير دستور البلاد , الا انها لم تؤيد الانقلاب لايمانها بان انهاء الحياة الديمقراطية في تركيا و مواجهة مصير مجهول اخطر من مقارعتهم السياسية لاردوغان والوقوف بوجهه .
كم كنا نود ان تكون احزاب المعارضة في اقليم كوردستان على نفس الدرجة من الوعي السياسي والاخلاص لقضيتهم بدلا من اثارة الازمات والاقتتات عليها مستمدين وجودهم من ديمومتها في استقطاب كل من هو ناقم من الشارع الكوردي ( لسبب او لاخر ) على الحكم في اقليم كوردستان .
فعندما اجتاحت ثورات الربيع العربي الدول العربية , ورغم ما نتج عنها من دمار لتلك البلدان , حاولت حركة التغيير استنساخ تلك التجربة وتطبيقها في كوردستان , غير ابهين بالوضع الحساس لاقليم كوردستان سواء داخل العراق او في المنطقة , وغير مكترثين بترصد الاعداء له من كل جانب . ولولا حكمة حكومة كوردستان في التعامل مع تلك الظروف , لكنا اليوم تتقاذفنا الصراعات الداخليه وتمزقنا الحروب كما هو حال بلدان عربية كثيرة , ولم تكتف حركة التغيير بذلك فقط وانما كررت محاولتها مؤخرا في اثارة ازمة سياسية لا زلنا نعيش فصولها وتداعياتها لغاية يومنا هذا .
ان حركة التغيير وحسب ما تدعي تشارك الاحزاب الكوردستانية مواقفها حيال طموح الشعب الكوردي في الاستقلال والحياة الكريمة , فان كانوا صادقين في ادعائهم ( وانا اشك في ذلك) , فهل مجرد اختلاف وجهات النظر حول كيفية ادارة كوردستان , واعتقاد البعض بان الديمقراطية والشفافية فيها ليست في حالتها المثالية , تستدعي ايصال كوردستان لحافة الهاوية وجره الى مصير مجهول سندفع جميعنا ثمنه لا سامح الله ( احزابا وشعبا) ؟
ان من خرج لمواجهة الانقلاب العسكري في تركيا لم يكن فقط الشارع المؤيد لاردوغان او لحزب الحرية والعدالة , بل كل الشارع التركي خرج دفاعا عن هامش الحرية الذي يتمتع به هو واحزابه .. فهل خرج الشارع المؤيد لحركة التغير وباقي احزاب كوردستان للوقوف بوجه محاولات حركة التغيير المشبوهة التي لم تبق طريقا الا وسلكته من اجل تقويض العملية السياسية في كوردستان ؟ هل خرج ذلك الشارع مثلا لرفض زيارة المالكي لمدينة السليمانية بدعوة من حركة التغيير واحزاب كوردية اخرى في المدينة ؟ ذلك الشخص الذي يتعدى خطره بالنسبة للشعب الكوردي خطر الانقلاب العسكري لشعب تركيا … فطالما هدد وتوعد شعب كوردستان عسكريا واقتصاديا , وقطع رواتب موظفي حكومة اقليم كوردستان لا لشيء سوى لان الاقليم رفض الخضوع للسياسات الاقليمية التي كانت تنفذ من خلال هذا المنبوذ من قومه ؟
[email protected]