18 ديسمبر، 2024 7:15 م

حرس براميل القمامة!!

حرس براميل القمامة!!

بعض الرسائل المبطنة ابلغ من  الصريحة ، سيما تلك الرسائل التي توجه  للمسيئين والفاشلين ،ربما عدم التصريح سببه أنهم لا يستحقون الذكر  ،فقد يعتقد بعضهم  واهما ،انه ذي شأن عظيم ، كما اني اعتقد جازما ان مقاصد هذه الرسائل ليست بغائبة  عن اصحاب البصيرة ،من القراء الكرام واهل الحل والعقد من اصحاب القرار ، وبعيدا عن الخوض في الاسباب الموجبة للحديث والاشارة  ،ساسرد قصة الثعلب الذي غادر الغابة ،طمعا في اكتشاف عالم المدينة الجديد ،هذه القصة التي سمعتها من احد الاساتذة الكبار ،في اطار احاديث ودية وقفشات نتبادلها  ،حين نخوض في الشأن العام ،وننتقد بعضا من السلوكيات الفوضوية السائدة ،لما لها من دلالات ،وسأرويها بتصرف دون التلاعب بجوهرها ،والتي اجدها معبرة عن واقع الكثيرين.
ذات يوم قرر الثعلب بعد تفكير طويل مفاتحة ملك الغابة الاسد ، وطلب أذنه بمغادرتها لأستكشاف المدينة ،ذات الاضواء البراقة والاصوات الصاخبة ، والتي طالما اثارت فضوله ليعرف بنفسه ما يجري ، فقد نقل له غراب ثرثار منافق ما شاهده هناك من عجيب الامور ، فسرعة تغير الحال وكثرة المال امور تشبه السحر ،حتى انه ذكره بصديقه القرد وكيف تبدلت احواله ،حيث يعيش عيشةالملوك والامراء ،ويضع على رقبته سلسلة ذهبية ثمينة ،كما يرتدي نظارة شمسية من ماركة ray ban الفاخرة ليس هذا فحسب بل ان لديه ساعة يد مميزة تسمى Rolex يفوق ثمنها التوقعات ،حتى ان سيده اطلق عليه اسما جديدا، لتمييزه والتباهي به امام اصدقائه.
قرار صاحبنا الثعلب كان يستبطن التخلص من حكم الاسد وسطوته ،فبراميل القمامة وما يرميه اهل المدينة كان كافيا بنظره ،لتجنب شقاء جري لاينتهي خلف فرائس صغيرة تسد جوعه بالكاد ،كما انه لديه حلما بأن تعجب به سيدة ثرية ،فتتخذه وسيلة تسلية وتباه امام قريناتها من سيدات المجتمع الجديد ،قطع الثعلب المسافة من جحره الى عرين الملك الحاكم مستغرقا باحلامه وافكاره ،وفور وصوله قدم فروض الطاعة وانحنى بكل اجلال لحامي حمى الغابة وملكها العتيد ، راجيا اياه  عبر طلب مكتوب السماح له بمغادرة اسوارها ، رحب الاسد بالفكرة بعد سؤال الثعلب عن اسباب هذه الزيارة غير المتوقعة ،التي ذكر بأنها لغرض( السياحة ) والتعرف على العالم الجديد ، فلم يكن من الزعيم المتباهي الا ان يسحب قلمه ويدون جملة قصيرة ( لامانع)  ، مشيرا برأسه  للثعلب  بالتوجه للسيدة المبجلة خنزيرة ،وما تفعل هذه العجوز التي اخذت منها سنوات الخدمة الطويلة ،في ادارة شؤون الحيوانات مأخذه ،ربما تكون قد ادركت ما يعنيه ترك المكان والاحالة على التقاعد، فالرواتب التقاعدية في مملكة الاسد المتهرئة لا تكفي لاستئجار ( زريبة ) فضلا عن شرائها ، فالمعيشة والسكن والتفاصيل المالية هنا غاية في التعقيد كما لايوجد سلم منصف للرواتب ، وصل صاحبنا بكل هدوء ووقار مظهرا ادبا غير معهود ،وكان همه تصدير الطلب واستحصال كتاب عدم الممانعة بأي طريقة ، حتى لو نافق الحاضرين وادعى رضاه عن سير  الاجراءات ، التي تكشف عن بيروقراطية ادارة الغابة ، وفي النهاية تحقق له ما اراد ليعود لحفرته النتنة في منطقة العشوائيات  ،وكل ما يتمناه هو مغادرة المكان باسرع وقت ممكن.
غادر الثعلب حاملا أمالا وطموحات كبيرة فربما يحالفه الحظ ، وتلعب الديمقراطية لعبتها معه ،ليجد نفسه وزيرا او مديرا عاما او حتى مديرا لقسم في احدى وزارات المدينة ( التايهة) ، وقد يقنع بتوظيفه شرطيا او عاملا في (  بانزين خانة  ) داخل المنطقة الرئاسية او احدى اماناتها العتيدة ( المهم يخمط ويستفاد ) ، نظر خلفه  بعد ان انتهى الطريق بتجاوز حدود الغابة ، وفكر جديا  في ان يبصق على اهلها الذين استصغروه ولم يقدروه حق تقديره ،لكنه ترك الامر فلا يريد تعكير مزاجه ،فما ينتظره كثير وكبير ، وهاهو يعبر الطريق الفاصل ،فيخطو خطواته الاولى خارج ما كان يعتقد بأنه سجنه ، وقد ظهرت امامه ملامح المباني الكبيرة الشاهقة الارتفاع وفيها ما يبهر العقول ويسلب الالباب.
عاد الثعلب للاستغراق في احلامه ،واكثر ظنه انه يعيش ساعة الخلاص ونهاية رحلة الشقاء ،وما هي الاخطوات معدودات ، واذا به يحاط بكلاب المدينة التي اجتمعت عليه ،وهمت بمهاجمته وتمزيقه ،فلم يجد بدا من الهرب والجري مسرعا ، ولم ينقذه من عدوانيتها المفرطة ،غير مغامرته المميتة و مروره وسط اكوام الخردة ، ولم تنته هذه الملاحقة عند بوابات المدينة ،بل امتدت لاطراف الغابة مما اضطره للمراوغة واقتحام شجيرات شائكة واغصان متشابكة كادت ان تسلخ جلده  ،حتى أدمي فبات منظره اشبه بملاكم مهزوم متورم الوجه ،ولا يقوى على الوقوف من شدة الضربات والآلام ، نعم عاد الثعلب بقصة حزينة ،يجر معه خيباته وصدمته بعد ان عاش رعب مشهد هجوم مافيا الكلاب ،التي تشبه في سلوكها قوة احتلال غاشمة تحتقر اهل البلاد ،وترغمهم على القبول بها ،بعد تفريقهم بقوة الهراوات واعقاب البنادق ، شاهد ملك الغابة منظر المواطن الثعلب المزري، وبعد ان عرف الاسد زأر غاضبا وكأن الاعتداء على الثعلب يمثل اعتداءا على سيادة الغابة وملكها فصاح به :
 لما لم تبرز لهم ورقة عدم التعرض التي تحمل توقيعي ايها الاثول ؟
فاجابه الثعلب :
مولانا انهم قطيع  كلاب غاضبة ، من حرس براميل القمامة  ،وقد هجمت فمن يقرأ ومن يكتب ؟!!