15 نوفمبر، 2024 11:52 ص
Search
Close this search box.

حرب لا تنتهي بين تقاليد المجتمعات وأهداف الفضائيات

حرب لا تنتهي بين تقاليد المجتمعات وأهداف الفضائيات

لا يختلف اثنان ان التغيير الذي حصل في العراق والذي من الممكن ان نسميه وبامتياز انه المنعطف التاريخي في حياة العراقيين لأن العراقيين وعلى مدى العشرات من السنين لم يمروا بمثل هكذا تغيير كبير وتسمية المنعطف التاريخي هذه العبارة دائما ما نسمعها من افواه السياسيين فكل شخص يخرج على التلفاز يلفظ هذه العبارة وكان العراق عبارة عن حارة لا يتجاوز عدد سكانها المئة شخص وذالك السياسي هو من ينعطف بها الى التاريخ ليسجل اسمه وبأحرف من ذهب او من فضة اوبقلم الرصاص كما يحلو له ,,
المهم ان العراق قد دخل وفعلا بذالك المنعطف التاريخ وكل من قال او سيقول انه من ادخل العراق في ذالك التغيير او في ذالك المنعطف فأنه كاذب كمسيلمة الكذاب فليس لأحد فضل على العراقيين بما جرى لهم من تغيير والكل يستطيعان يتاكد والسنين قريبة وليست بعيدة وقوى التحالف ودباباتها لا زالت موجودة …
الحقيقة ان الذي حصل بعد 9—4—2003 هو فعلا تغيير كبيير في العراق ولم يقتصر على تغيير حكومة العراق بل طال كل شيء اجتماعيا واقتصاديا وتربويا وعسكريا وامنيا وغذائيا وبيئيا واعلاميا أي كل مناحي الحياة في العراق ولا اقصد بالتغيير الذي حصل ان بعض من هذه القطاعات انها تغيرت نحو الاحسن او تغيرت الى افضل مما كانت عليه سابقا فالعكس هو صحيح في كل شيء …
وهنا اود الحديث عن جانب واحد فقط مما حصل في العراق وهو الجانب الثقافي او الاعلامي ففي العراق قبل ذالك التاريخ كان اعلام الدولة هو المهيمن على كل شيء الاصدارات والتلفزة والاذاعة والاعلام المقروء والمسموع والمرئي لا يمر الا بامرهم او بامر موظفيهم اللذين يمثلون الفكر الحزبي حتى انهم فرضوا مناهجهم ونظرياتهم الفاشلة لتدرس في الكليات والجامعات العراقية والاذاعة مرهونة للقائد الضرورة وليثية والتلفزيون عبارة عن قناتين فقط احدهما قناة الشباب لعدي والثانية قناة جمهورية العراق وهي لا تعرف الا الرئيس ومقابلاته وترهاته ومتى يدخل ومتى
يخرج ولماذا انه القائد الضرورة وحسبك ما تعني الضرورة لدكتاتور العراق .
الانفجار الاعلامي الذي حصل في العراق فجأة ونزول الاطباق اللاقطة الى السوق العراقية وبأسعار زهيدة مثلت تغيير في حياة العراقيين ليس له مثيل حتى ان البعض من العراقيين وحسب ما بدا يتداول من احاديث في الشارع ان الناس كانت تخشى على ابناءها وبناتها من تلك القنوات الفضائية لأنها تنقل وفجأة ثقافة جديدة غير مألوفة وبدأت في العراق الكثير من النكات والسخريات تلوكها الالسن حول تلك الاحداث التي سببتها المئات من القنوات في البيت العراقي وعلاقة العائلة ببعضها وعلاقة الصديق بصديقة العلاقات المدرسية والجامعية بدأت تتاثر بكل ذالك الذي يخرج
يوميا على تلك القنوات للتترجم الى الواقع العراقي من موديلات وصرعات وعلاقات والى صراعات سياسية في البلد الواحد نتيجة مايبث على تلك الشاشات التي ملكها العراقيين وبالمجان لتخترق بيوتهم وغرف نومهم ولم يقف بوجهها لا اعراف ولا تقاليد ولا ممنوعات او مسموحات فصار كل يوم يمر هناك امر جديد بث من قناة تبث من وراء المحيطات حتى اختلط على اهل العراق حابلها بنابلها في زحمة تلك القنوات .. هذا التاثير الكبير الذي بدأ يمر به المواطن معذور نتيجة طبيعية لذالك الشعب الذي توقف عن مواكبة التطور منذ بداية ثمانينات القرن الماضي واصبح معزولا عن كل تطور
تكنلوجي او حضاري او علمي او مجتمعي او حتى في كيفية لتعامل الجديد مع الشعوب فاصبح كأنه شعب توقفت لديه عقارب الساعة ليجد نفسه ينبهر لأدنى شيء يراه جديدا وبدا واضح بعد سقوط النظام لذا لا يستغرب احد عندما يجد المواطن المسكين يقف مبهورا وهو يشاهد سيارة حديثة تمرق من جانبه او يرى جهاز تلفزيون او جهاز هاتف او أي شيء هو لم يشاهد الا القديم الذي اصبح يتداول بين الناس وجمدت عليه واقفلت الحدود والسماء والماء والارض في وجهه ..
من هنا ان الانبهار والتاثير يبدوا عاما على كل الناس وليس على بعض دون بعض فتلك القنوات صارت التي تبث كل شيء جديد بالنسبة للعراقيين صارت هي الزاد والماء والهواء وصار العراقيين لا يفارقونها وهم يتناولون طعامهم امام شاشات التلفزيون ويقضون الساعات الطوال امام تلك القنوات …
وهذا ولد لدى المصدرين ايجاد بعض من القنوات المدسوسة تبث سمومها من اجل العبث بأفكار هؤلاء المساكين والذين وجدوا انفسهم يخوضون في غابة ليس لها شمال ولا جنوب بعضها بدأت تتحدث عن الفرقة وبعضها تعلم الناس على القتل وبعضها تتحدث عن سياسات معينة ومحددة وايدلوجيات مختلفة بعضها صار لدى المشاهد العراقي انها مجرد قنوات ربحية والبعض الاخر قنوات لها اغراض لنشر الفساد وهتك القيم والأعراف والتقاليد العراقية الجميلة حتى صار العراق عبارة عن ملعب كبير تتبارى على ارضه تلك المؤسسات او تلك القنوات لتحقيق اغراضها ولم يقف العراقيون قبلا على اساس
صلد كفكر ثابت لمواجهه تلك الموجات العنيفة والقوية التي تعبث ببراءة الشارع العراقي الشاب والطفل والفتاة وحتى الكبير بالسن ,,
بعد مرور سنوات من عمر تلك التجارب الجبارة على الفكر العراقي والادمغة الصافية التي لا تعرف الا وطنها بدا الاشباع لدى المواطنين من كل تلك المستوردات يعمل كردة فعل مضاد يعمل فطريا عكس تلك الاتجاهات وبدا الناس يتوقفون عند عدد من تلك القنوات التي تلائم وضعهم البيئي والاجتماعي ولربما الاقتصادي او حتى الترفيهي فصار البيت الواحد وهذا عن تجربة ودراسة قريبة بعد سنوات قليلة دخلنا الى بيوت الناس وبشكل عشوائي واستقرأنا مشاهداتهم وهم يشاهدون تلك القنوات وجدنا هؤلاء الناس بدأوا يقننون من مشاهدة العدد الغير محدود من القنوات واصبح العدد
يتناقص ليتوقف عند بضع قنوات تلائم الوجهه التربوية او البيئية او النشاة التي انشاءت عليها افراد العائلة وبالتالي هذا انعكس حتى على باقي افراد العائلة الذين هم في اعمار قريبة على التمرد فترى بعض العوائل تتركز مشاهدتهم على القنوات الدينية والبعض الاخر على القنوات الرياضية او القنوات الفلمية او الاقتصادية او العلمية وهكذا كل حسب الرغبة لا بل شاهدنا عدد من العوائل اوقفت الاستلام المفتوح لأجهزة الستلايت على نوع خاص من القنوات ووزعت تلك القنوات بعضها لأطفالها وبعضها للكبار وبعضها للأكبر منهم سنا وانتقلت هذه التصرفات لمقاومة سموم
الافاعي كالنار في الهشيم بين العوائل والمجتمعات فانت اليوم لا ترى بثا مفتوحا في بيت واحد وتجد تخصص واضح في نوع المشاهدة للعائلة العراقية وهذا ليس من بناة الافكار بل عن دراسة قمنا بها وفي مناطق متعددة في وسط وجنوب العراق ..
لكن ومع كل هذا الذي حصل من ردات فعل ممكن تسميتها عقلانية ضد تلك الهجمات لكن بقيت المجتمعات العراقية لا تستطيع الخلاص من بعض القنوات التي انشات حديثا بعد سقوط النظام واقصد القنوات لتي تبث بشكل مباشر للعراقيين حصرا والتي بعضها انشاتها احزاب وكيانات ومؤسسات حكومية او بعض التكتلات القومية والاثنية والمذهبية غايتها استمالة ذالك المواطن باسم المذهب او القومية او الدين او العرق وفجأة وجد المواطن نفسه اسير تلك القنوات ثانية التي انتهزت سهولة ابقاءه في اجواء معينة من الطائفية او القومية وبالتالي تستطيع ان تلعب بعواطفه وبمشاعره من
هذه المداخيل السيئة وهكذا استطاعت تلك القنوات ان تصدر محتواها الى بعض العراقيين الذين هم ضعفاء في مجابهتها والتي لها مارب غير تلك الحقيقية وهي تدس السم في العسل و اصبح في فترة ما هناك حربا طاحنة عراقية عراقية هي حرب القنوات الفضائية وبمساعدة رؤوس الاموال العربية التي ارادت من العراق البقاء في عدم الاستقرار والاقتتال المستمر بين ابناء مكوناته ونجحت نوعما في تأجيجها القذر وهي تبث قذاراتها من بعض الدول العربية التي مدت اصابعها لتلاعب دمى المسرح العراقي وتعزف على وتر طائفي قومي ممتلئ بالاوساخ وروائحها العفنة ,,,
ومع عظم تلك الهجمة التي يحلوا لنا تسميتها الهجمة الثانية استطاع العراقيين الخلاص من نسيج خيوطها ثانية وبدأوا يبحثون عن القنوات لمحلية الرصينة والغير حيادية وايضا وجد العراقيون بعض من تلك القنوات التي تعيش مع هموم المواطن وتنقل معاناته للحكومة والمسئولين .أي ان المواطن العراقي بدا يفهم اللعبة واصبح هو من يقاوم ويعلن رفضه ضد من يعبث بأفكاره ويحاول سرقة مفاهيمه الاخلاقية التي ورثها عن بيئته النظيفة ولم تدنس سابقا ولم يجرأ احد من ان يحاول اختراقها وسرقة طبيعتها التي تشبه عطاء نخيل العراق الصابر .

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات