23 ديسمبر، 2024 5:13 ص

حرب روسيا ستغير النظام العالمي والدول الصغيرة ستدفع الثمن

حرب روسيا ستغير النظام العالمي والدول الصغيرة ستدفع الثمن

بالأمس القريب غزت (أمريكا) كل من (أفغانستان) و(العراق) بحجة إن الأولى تأوي منظمات إسلامية متطرفة؛ في وقت الذي يعرف القاصي والداني بان هذه التنظيمات جاءت إلى (أفغانستان ) بدعم وتمويل (أمريكي) من اجل إلحاق أضرار بالجيش (الروسي) الذي كان قد دخل إلى أراضي (أفغانستان) لدعم بعض الفصائل للسيطرة على نظام الحكم وتعيره هناك، إما ذريعتها بغزو(العراق) فقد جاء على لسانها بان (العراق) يمتلك أسلحة الدمار الشامل، وبعد غزوهم الغاشم وتفتيت الدولة (العراقية) بجيشها وقواتها الأمنية أتضخ بان لا وجود لسلاح الدمار الشامل على الأراضي (العراقية) بقدر ما جاء أمر غزوها من اجل تدمير الدول وتجريدها من قوة قتالية وإضعافها في المنطقة ونهب ثروتها النفطية وبناء قواعد عسكرية لها في كل من (أفغانستان) و(العرق)؛ لتكون قواعدهم في (أفغانستان) لخدمة مصالحها وبما يهدد ويقوض امن (الصين) و(روسيا ) و(كوريا الشمالية)، إما غرضها من بناء قواعدها العسكرية (العراق) ليكون بمثابة حماية مصالح وحفظ لأمن (دول الخليج) باعتبار إن أمنهم مهدد من قبل (إيران) لتبقى تمتص وتبتز خيراتهم النفطية؛ وفي نفس الوقت لتسلط (إيران) – حليفتها الإستراتيجية الغير المعلنة – بين حين وأخر لتهديد أمنهم؛ ومن جانب أخر للحفاظ على امن حليفتها (إسرائيل) في المنطقة .

وحدث ما حدث في هاتين الدولتين من مجاز وتفتيت وتدمير البنية الفوقي والتحية وتمزيق أوصال الدولة هنا وهناك وتدميرهما اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، ورغم كل الإضرار الجسمية التي وقعت بهاتين دولتين الصغيرتان أرضا وسكانا من قتل وجرح الملايين من الشعب (العراقي) و(الأفغاني) ورغم ما أنفقته أمريكا الغازية في تدميرهما الملايين من الدولارات إن لم نقل المليارات؛ إلا إنها لم تستطع تحقيق هدفا واحدا من أهدافها التي أعلنتها في تثبيت دعائم الديمقراطية في البلدين، فقد فشلوا في تحقيق الديمقراطية في (أفغانستان) لان فيها قوى متمكنة لا تؤمن أساسا بشي اسمه الديمقراطية كـ(حركة طالبان)؛ إما القوى التي سعت إلى بناء دولة ديمقراطية بقيت متفرقة ومتناحرة وان اغلب قيادات هذه القوى سعت لتحقيق مكاسب شخصية؛ الأمر الذي سهل على (حركة طالبان) الأصولية القوية وذات طبيعة عدائية شرسة تشتيت هذه القوى بسهولة رغم الدعم الأمريكي لهذه القوى ماليا وعسكريا وبشكل غير المحدود ولكنهم فشلوا في تحيق أرضية خصبة لنشر مرتكزاتهم على ارض الواقع في (أفغانستان)، وما حدث في (أفغانستان) حدث في (العراق) لأن اغلب القوى السياسية (العراقية) لا تؤمن بالديمقراطية ولم تكن مستعدة للقبول بها رغم كل الشعارات التي أطلقتها وما زالت تطلقها وترددها؛ لان اغلب هذه القوى هي قوى إسلامية راديكالية متطرفة تتبني الخطاب الديمقراطي ظاهريا كي تخدع الشعب والناخب وغالبا ما تظهر هذه القوى المتطرفة بأسماء وعناوين مدنية المظهر كواجهة ولكنها في الجوهر إسلامية متطرفة حتى النخاع .

لذلك فان (أمريكا) الغازية لم تخلق في (العراق) و(أفغانستان) التي احتلتهما وبعد أكثر من ثمانية عشر عام من الاحتلال سوى الفوضى الأمنية وسوء الإدارية وانتشار الفساد والجريمة المنظمة المتولدة كنتيجة مباشرة لاحتلاها، ناهيك عما سببته من خراب وتدمير وقتل الملايين وترمل ملاين النساء وتيتم ملايين الأطفال في (أفغانستان) و(العراق) وتهجير الملايين إضافة إلى ما خسرته الدولتين من العلماء والمفكرين والمثقفين والكتاب والفنانين وتدمير الصناعة الوطنية والعبث بالثروة الوطنية لتصبح الدولتين نفوذا لقوى أجنبية إقليمية وأبرزها (إيران) وتحت أنظار (أمريكا) إن لم تمهد لها طريق إلى ذلك؛ لان هناك في عمق استراتيجيات (أمريكا) مصالح تجمعها مع (إيران) في المنطقة – لا يتسع في هذا المقال توضحها – والتي عملت على تعميق الانقسام المجتمعي في (العراق) و(أفغانستان) على مستوى الطائفية؛ لتتجذر في المجتمع بما أدى إلى تفتيتهما بنزعات مذهبية وطائفية مقيتة ليعيش الشعب هنا وهناك الفرقة منذ سنوات الاحتلال وحتى يومنا هذا، لتؤكد كل الوقائع على ارض الواقع بان الحالة (الأمريكية) في (أفغانستان) و(العراق) نموذج حيا لفشل الأمريكي التاريخي؛ بعد إن عملت (إيران) مع القوى المحلية في (العراق) و(أفغانستان) إلى قصف القواعد (الأمريكية) فيهما بهدف الضغط عليها في المفاوضات النووية مع (إيران) والضغط عليها للخروج من (العراق) كما خرجت بإذلال من (أفغانستان) وبما يخدم مصالحها وتثبيت دعائم الشراكة مع (أمريكا) دون غيرها؛ التي في ظاهر تظهر العداء لها ولكن في الجوهر يعملان معا لتقسيم وتفتيت المنطقة، ليكون تراجع (أمريكا) أيضا في (سوريا) و(ليبيا) سببا في انهيار منظومتها الدولية وتراجعها من قطبية الأحادية في العالم؛ بعد إن ساهم وباء (كورونا) في تدمير اقتصادها كما ساهمت حروبها العبثية في (أفغانستان) و(العراق) و(سوريا) و(ليبيا) إلى تراجع اقتصادها وانهيار منظومتها المالية وتراجع أسهمها في أسواق المال والمصارف الدولية؛ ليأتي ذلك لصالح الاقتصاد (الصيني) الذي ينمو بخطى واثقة وبما يعزز من مكانتها وبما تمتلك اليوم من اقتصاد متين ولها قوة متمكنة على كل المستويات السياسية والأمنية والإيديولوجية وتحقق نجاحات عسكرية وسياسية وعلمية وتكنولوجية متعاظمة باستمرار كقوة دولية تسهم في تشكيل البنية الهيكلية للنظام الدولي؛ بما أخذت (الصين) تنافس دور (الولايات المتحدة الأمريكية) على الصعيد الدولي، لأنها اليوم احتلت مكانة دولية يرى المحللين أنها غدت أحد أهم مفاتيح المستقبل للبنية الهيكلية للنظام الدولي الجديد؛ لان اقتصادها بكل قوة يتنافس الاقتصاد (الأمريكي)؛ ولكن الوزن الاقتصادي الكبير لها لم ينعكس بقوته المماثلة في ميدان السياسات الدولية لان اغلب محللي يؤكدون إن سياسات (الصين) الدولية غامضة؛ لان لو أخذنا سياسات (روسيا) التي اقتصادها أصغر حجما مقارنة مع (الصين) ولكن السياقات السياسية لـ(روسيا) أكثر نشاطا وفاعلية على الصعيد الدولي، فالعامل الاقتصادي كان أساسيا في بناء مكانتها الدولية إضافة إلى عوامل أخرى جيوسياسية وتاريخية واجتماعية وثقافية، وان (الصين) تدرس بتمعن كل إمكانياتها قبل إن تخطو خطوة إلى الإمام لأنها دولة (برغماتبة) وتتيقن من أرضية التي تقف عليها قبل إن تتحرك خطوة إلى الأمام؛ لان كل المؤشرات اليوم تؤكد عن أمكانية (الصين) احتلال موقعا متقدما في البنية الهيكلية للنظام الدولي؛ وان ليس هناك ما يعيق بان تكون قطبا دوليا لبناء نظام دولي متوازن، لان اليوم أهم عامل من عوامل الذي يؤثر في العلاقات الدولية هو (العامل الاقتصادي) وان (الصين) تقف في قمة الهرم الاقتصادي وفي النمو الاقتصادي الدولي؛ لأنها استطاعت التنافس مع الاقتصادي (الأمريكي) الذي كان هو الآخر ولفترة طويلة على قمة الهرم الاقتصاد الدولي ولكن اليوم تراجع – كما قلنا سابقا – بسبب جائحة (كورونا) و(حروبها العبثية) التي أنهكت اقتصادها بما اثر سلبا على نمو الاقتصاد (الأمريكي) الذي يعاني التراجع والانكسار؛ الأمر الذي دفع بها إلى سحب استثماراتها الصناعية في (الصين)؛ ولكن (الصين) بقدراتها الذاتية استطاعت مواجه ذلك فلم يتأثر اقتصادها بقدر ما اثر سلبا على الاقتصاد (الأمريكي) بما دفع (أمريكا) في التدخل بشان استقلال (تايوان) بشكل مباشر وغير مباشر ليتم تهديد امن (الصين) مباشرة لتدمير بنيتها التحية والفوقية كما فعلت بـ(العراق) و(أفغانستان)؛ ولكن نسيت بان (الصين) ليست (العراق) و(أفغانستان)؛ لأنها تمتلك كيانا اجتماعيا موحدا واقتصادا قويا ولها أسلحة نووية متطورة ولن تكون لقمة سائغة لـ(أمريكا) التي تقول كل مؤشرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بانهيار منظومتها أجلا أم عاجلا ومن الداخل (الأمريكي) قبل إن يكون العامل الخارجي سببا لذلك الانهيار، فالطموحات العسكرية (الصينية) تتزايد في (المحيط الهادئ) لفرض سيطرتها على (تايوان) وهي جزيرة تقع قبالة سواحل (الصين) تتمتع بحكم ذاتي مدعوم من (بريطانيا) و(أمريكا)؛ ولكن (الصين) تعتبرها تابعة لها؛ وأعلنت مرارا وتكرارا نيتها لإعادة (تايوان) بضمها إلى أراضيها .

ومن هنا نقول بان الصرع (الأمريكي – الصيني) قادم – لا محال – على ارض (تايوان) وسيكون من اجل التنافس لاحتلال قطب في النظام الدولي الجديد، ليكون الشعب (التايواني) هو ضحية الأولى من هذا الصراع العبثي كما حدث لشعب في (العراق) و(أفغانستان) من اجل احتلال (أمريكا) موقعا ينافس (روسيا) و(الصين) في منطقة (أسيا) بقيامهم ببناء قواعد عسكرية هنا وهناك؛ ليدفع الشعب في (العراق) و(أفغانستان) ثمن هذا الصراع .

ومن هنا اليوم تبرز على الساحة الدولية بصورة عامة وعلى الساحة (الصينية – التايوانية) اللتان تراقبان باهتمام حرب (روسيا على أوكرانيا)؛ لان كل مؤشرات تقول بان ما تريده (روسيا) من (أوكرانيا) تريده (الصين) من (تايوان)، ففي وقت الذي تدعم (الولايات المتحدة الأمريكية) كل من (أوكرانيا) و (تايوان) فان (الصين) و(روسيا) قد ضاقتا ضرعا من الإستراتيجية العسكرية لـ(الولايات المتحدة)؛ بل إن (روسيا) لم تعد تطيق تصرفات (حلف شمال الأطلسي) المدعوم من (أمريكا) بتوغلهم في دول الجوار(الروسي) ونقل أسلحتهم الإستراتيجية إليها بما يشكل في اعتقاد (الروسي) تهديد لأمنها القومي؛ لذلك فان نجحت (روسيا) باحتواء (أوكرانيا) وبدون تدخل القوى الغربية؛ فان الغزو (الصيني) لـ(تايوان) قادم لا محال .

فقيام (روسيا) بغزو (أوكرانيا) نجم نتيجة استفزاز (حلف شمال الأطلسي) لها؛ وذلك بمحاولاتهم لضمها إلى الحلف؛ في وقت الذي قامت (أوكرانيا) باضطهاد الشعوب في (دونيتسك) و(لوغانسك)؛ الولايتان اللتان ينحدر أوصولهما إلى (روسيا) بل واضطهاد جميع (الأوكرانيين) المنحدرين من أصول (روسية) ومنع التحدث باللغة (الروسية)، ولهذا اعترفت (روسيا) بجمهوريتي (دونيتسك) و(لوغانسك) الشعبيتين كدول مستقلة، وقبل قيام (روسيا) بهذا الفعل بادرت بتقديم سلسلة من الطلبات إلى (حلف شمال الأطلسي) و(الولايات المتحدة الأمريكية) تطالب فيها (روسيا) بضمانات أمنية بعدم إدخال (أوكرانيا) إلى (حلف شمال الأطلسي)؛ بكون ذلك يهدد أمنها القومي، كما وطالبت بتقليص حجم الوجود العسكري لقوات (الناتو) الموجودة في دول (أوروبا الشرقية)؛ وفي حالة عدم تلبية هذه المطالب فان (روسيا) ستحاول منع ذلك بكل ما يتاح لها من قوة لعدم انضمام (أوكرانيا) إلى الحلف؛ وإنها ستقوم بتدخل عسكري عنيف (غير محدد) حتى لو اضطرت إلى استخدام (السلاح النووي) الذي وضعته تحت الإنذار وأعلنته رسميا؛ إذا لم يتم تلبية هذه المطالب.

وهذا ما حدث فعلا؛ حين قامت (أوكرانيا) استفزاز (روسيا) بقصف مواقع من أقاليم (أوكرانية) التي أعلن (روسيا) استقلالها منها؛ واضطهاد (الأوكرانيين) من أصول (روسية) في جميع أقاليم (أوكرانيا)؛ لذلت شنت (روسيا) عملية عسكرية تقول بأنها ستكون محدودة في هذه المرحلة ما لم تحدث تطورات ميدانية غير متوقعة؛ من اجل إجبار (أوكرانيا) تلبية مطلبها وهي:

أولا.. عدم الانضمام إلى (حلف شمال الأطلسي).

ثانيا.. نزع أسلحتها.

ثالثا.. إن تكون دولة محايدة كدولة (سويسرا).

رابعا.. عدم التمييز بين إفراد الشعب.

ولكن يبدو تطور الإحداث ومحاولة (أمريكا) بصورة غير مباشرة بدعم تطلعات (أوكرانيا) المعادي لـ(روسيا) وقيام (أمريكا) و(الدول الأوربية) بسلسلة إجراءات عقابية ضد مصالح (روسيا) في العالم منها اقتصادية ومالية، حيث قامت (الدول الأوربية) بمنع أرصدتها من التداول في بنوك العالمية؛ حيث تم استبعاد (روسيا) من نظام التبادل المالي المعروف بـ( سويفت) وهو النظام الذي تستخدمه آلاف المؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم؛ والذي تديره جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك؛ كما تم من قبل (أمريكا) منع (روسيا) من المعاملات المالية التي تستخدم (الدولار الأمريكي)؛ وإدراج (البنوك الروسية) في القائمة السوداء، مما يجعل من المستحيل عليها تقريبا إجراء معاملات دولية؛ كما قامت (أمريكا) بمنع الشركات من بيع سلع مثل (الرقائق الالكترونية) التي تستخدم في كل شيء من السيارات إلى الهواتف الذكية؛ وكذل منع طائرات (الروسية) المدنية الهبوط في مطاراتها والى غيرها من هذه العقوبات والإجراءات؛ والتي من شانها استفزاز (روسيا) التي هي أصلا مستفزة من تصرفات (الأوربية – الأمريكية) إضافة إلى تقديم مساعدات عسكرية إلى (أوكرانيا) وبشكل غير محدود؛ وقد يؤدي ذلك في المحصلة الأخيرة إلى إحياء (الحرب الباردة) مما يخلق مواجهة جديدة محفوفة بالمخاطر بين (الولايات المتحدة الأمريكية) من جانب ومن جاب الأخر (روسيا) و(الصين)؛ وقد تتصاعد وتيرة هذه التشنجات إلى ما لا يحمد عقابه بدخول العالم في (الحرب العالمية الثالثة) .

ومن هنا فان (النظام العالمي بقطبه الأحادي) الذي تقوده (الولايات المتحدة الأمريكية) في هذه المرحلة؛ يواجه تحدي لم يشهده العالم منذ الحرب الباردة؛ وسيكلف الغزو (الروسي) لـ(أوكرانيا) هذا الثمن؛ بكون (روسيا) ستنزف اقتصاديات (أمريكا) و(الدول الأوربية) بكونهم هم اليوم يمولون الحرب ويدعمون (أوكرانيا) ماليا وعسكريا؛ وهذا الاستنزاف يشمل زيادة مؤلمة في أسعار الغاز المرتفعة أصلا وان أسعار النفط أخذت بالارتفاع ليصل إلى أكثر من مئة دولار للبرميل بعد إن كان لفترة طويلة بحدود خمسة وأربعين دولار للبرميل الواحد وسيستمر بالارتفاع مع استمرار الحرب؛ إضافة إلى زيادة ملحوظة في أسعار السلع الغذائية ومنها الطحين تحديدا، وبالفعل فان (أمريكا) في هذه المرحلة تعاني من استنزاف اقتصادهم المثقل بالديون والكساد وارتفاع معدلات التضخم وتكافح من اجل الخروج من أزمة الوباء (كورونا) وان اغلب المؤشرات تقول بان (الولايات المتحدة الأمريكية) لن ترسل قواتها لمحاربة (روسيا) لسببين:

أولهما.. إن (أوكرانيا) ليست عضو في حلف (ناتو).

وثانيا.. لا تستطيع صرف أنضارها عن (المحيط الهادي) لتترك (الصين) تنفرد هناك .

لذلك فان (أمريكا) ستحاول دعم حلفائها الأوروبيين وحلف (ناتو) وستترك حلفاءها الأوروبيين ليتعاموا مع (روسيا)؛ لتتفرغ وتركز انتباهها إلى (الصين) في حالة غزوها لـ(تايوان)؛ بكونها لا تملك القدرة العسكرية على التعامل مع كل من (الصين) و(روسيا) في وقت واحد، ومن هنا فان اليوم (الصين) و(روسيا) أصبحتا مصدر إزعاج لـ(ولايات المتحدة الأمريكية) بل وأصبحتا تتحديان النظام الدولي الذي تقوده (الولايات المتحدة الأمريكية) لنكون بعد هذه المرحلة إمام نظام دولي متعدد الأقطاب .

وفي ظل هذه الحقائق نستشف بان المتضرر الحقيقي لكل ما حدث في (أفغانستان) و(العراق) و(سوريا) و(ليبيا) وما يحدث ألان في (أوكرانيا) وما سيحدث في المستقبل في (تايوان) سيدفع ثمن هذه الصراعات بين الأقطاب الرئيسة للنظام العالمي هو (شعوب الدول الصغيرة) التي أصبحت ساحة لتصفية الحاسبات بين هذه الأقطاب التي تتلاعب بمقدرات شعوب العالم المضطهدين ويسوقونهم وفق إطماعهم وطموحاتهم ليس إلا؛ دون الاكتراث بما تلاقيه هذه الشعوب التي تعيش في دول صغيرة ليكونوا دوما عرضة لغزوات الدول الكبرى وساحة لاستعراض قواهم العسكرية واختبار أسلحتهم على حساب معانات والآم هذه الشعوب التي لم يكن لها لا حول ولاقوه أمام جبروت هؤلاء المستبدين الذين يستغلون الشعوب الصغيرة لخدمة مآربهم الدنيئة وامتصاص دمائهم في العمل وتسخير قدراتهم من اجل الإنتاج والصناعة التي تخدم مصالح هذه القوى التي اليوم تتنافس فيما بينها لتغيير النظام العالمي من (أحادي القطب) إلى (متعدد الأقطاب) والذي سيدفع ثمن هذا الصراع والتنافس من اجل التغيير شعوب الدول الصغيرة .