18 ديسمبر، 2024 4:44 م

الحرب العالمية الهائلة قد بدأت منذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين , وهي متواصلة بآليات وأساليب متنوعة وبقدرات متباينة وفقا لمعطيات الحالة التي تتفاعل معها , فهذه حرب تختلف عن جميع الحروب التقليدية التي أسدل الستار عليها القرن العشرون.
فالبشرية لا يمكنها أن تتواصل من غير حروب وهذا ديدنها منذ الأزل , وبموجب ما توفر من أدوات ووسائل تكنولوجية وإليكترونية وتواصلية متنوعة , فأن الحرب قد أخذت مناهج وإتجاهات ومنحنيات غير مسبوقة , فهي حرب على كافة المستويات وبقدرات معقدة ومتطورة.
إنها حرب نفسية وفكرية وعقلية وسلوكية ومائية وزراعية وتجارية وغذائية ودوائية وجرثومية وبايولوجية وإليكترونية , وتستحضر ما يمكنها من أدوات التحارب والتدمير.
فكل ما يخطر على البال وما لا يخطر يحضر في هذه الحرب المروعة , التي تشب في بقاع الدنيا وتطغى أحداثها ونوباتها القاسية على الأخبار المسموعة والمقروءة والمرئية.
ووفقا لما يبدو عليه الواقع الأرضي فأن المجتمعات يجب أن تعي بأنها تعيش حالة حرب شرسة ومتطورة , وعليها أن تعتصم بإرادة وطنية واحدة وتُفاعل عقولها وتستثمر في إمكاناتها وتبني ما يحافظ على ديمومتها وتواصلها , قبل أن تتحول إلى قشة في تيار الحرب القاهرة المستعرة.
الحرب تتخذ صفحات متنوعة فهي اليوم في سوحها الكبرى تجارية وفي تفاصيلها الأخرى دموية تدميرية , كما هو الحال في المجتمعات المسلوبة الإرادة والسيادة , وفي أخرى مشاعية الأسلحة الأوتوماتيكية الفتاكة , وعند آخرين صاروخية نووية إليكترونية بايولوجية ترهيبية وبطائرات مسيرة.
وبين حين وحين تصعد موجة وتهبط أخرى , وينشغل الكتاب والمفكرون بما ينجم عن الأمواج المتلاحقة ويغفلون التيار وما يصب في نهر الوجيع البشري الدفاق.
والكثير من المجتمعات والشعوب تتحول إلى حطب لها ووسائل لتنفيذ أجنداتها ومبرامجها الخلاقة , التي وجدت في مجتمعات الطائفية والمذهبية والدين الذي تقرن به أحداثا ذات إنفعالية طاغية تعمي الأبصار وتشل العقول وتحجب قدراتها على النظر والتقدير.
ولكل حالة أدواتها ومفرداتها التحاربية التي يتحقق تأجيجها والإستثمار الفائق فيها , وما يجري في بعض المجتمعات يمضي وفقا لإرادة هذه الحرب , التي ستتواصل على مدى القرن الحادي والعشرين , وغايتها أن تنمحق الشعوب المطمورة بالأضاليل والبهتان , وتدوسها سنابك القوى الشرسة الإفتراس.
فهل سنتمكن من إستيعاب الصورة الحقيقية للأحداث والتداعيات , ونتفاعل معها بقدرات إحترازية ودفاعية ذات قيمة حضارية وإرادة وطنية حرة؟!!