18 نوفمبر، 2024 12:54 ص
Search
Close this search box.

حرب الملفات السرية

حرب الملفات السرية

مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات والتي ستليها انتخابات مجلس النواب تصاعدت حمى التسقيط والتصريحات المتبادلة والاتهامات وكثرت التهديدات بوجود ملفات سرية تدين الجهات الاخرى اصبح المواطن العراقي يستمتع بمشاهدة برنامج استوديو الساعة التاسعة على قناة البغدادية ومذيعها الرائع انور الحمداني والذي اصبح له الفضل في تقليل نسبة متابعة المواطن العراقي للمسلسلات التركية ليتابع الملفات التي تنشر في البرنامج وليشاهد السياسين يتصارعون وكل منهم يعرض وثائق يتهم بها الجميع عدا حزبه وكتلته .
الا ان السؤال الذي يثار في هذا المجال كيف وصلت تلك الوثائق الى حوزة السياسيين ؟ ولماذا يحتفظ السياسيون بتلك الملفات ؟ الا يعتبر احتفاظهم بتلك الملفات افعال يعاقب عليها القانون؟ الا يعتبر سكوتهم عن كشف المعلومات التي وردت في تلك الوثائق على فرض صحتها جريمة بحد ذاته ؟وهل ان الواجب هو ان يعرضوها على وسائل الاعلام ام الى القضاء ؟ لماذا لم يتقدموا بها الى القضاء؟ وخصوصا ان القانون العراقي يلزم كل شخص يصل الى علمه اي معلومة عن اي جريمة بابلاغها الى القضاء .
ان ممارسة الحق في النقد والتعبير حق قد كفله الدستور العراقي لعام 2005 حيث ورد في المادة المادة 38) تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:اولاً :ـ  حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.ثانياً :ـ  حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر…) ولاتعتبر ممارسة هذا الحق مخالفة او جريمة وفقا للقانون العراقي لان القاعدة وفقاً لمبدأ الشرعية ان لا جريمة ولا عقوبة الا بنص، فلا عقوبة على فعل او سلوك لم ينص القانون على تجريمه، الا ان صعوبة التمييز بين ممارسة حرية التعبير وحق النقد باعتبارها من الافعال المباحة وفقا للدستور والقانون وبين ارتكاب جريمة القذف او السب تثير الكثير من التساولات وتخلق نوعا من عدم الوضوح ، خاصة عندما يتم النظر الى اركان الفعل قبل النظر فيما اذا كان فعلاً مباحاً وممارسة لحرية التعبير وحق النقد ام انه يشكل جريمة .
ولكن هل يدخل عرض الوثائق الحكومية في وسائل الاعلام من قبل السياسيين ضمن نطاق النقد وحرية التعبير عن الراي ؟ ان هذا الفعل لو صدر عن وسائل الاعلام فانه يعتبر من باب الكشف عن الحقيقة التي يعتبر من واجبات السلطة الرابعة وهي محمية بمبدا حماية مصادرها وبواجب ادبي يلزمها بعدم الكشف عن الوسائل التي حصلت عن طريقها على تلك الوثائق وتكون خاضعة لمبدا كفالة حق الرد . اما ان يصدر هذا الفعل عن جهات حصلت على تلك الوثائق نتيجة لمواقعها الوظيفية او السياسية فان هذا يدخل ضمن نطاق افشاء اسرار الوظيفة العامة الذي يعاقب عليه القانون فقد الزم القانون الموظف الحكومي بالمحافظة على اسرار عمله حتى بعد ان يغادر موقعه الوظيفي فقد اوجب قانون الخدمة المدنية  رقم (24) لسنة 1960 وقانون انضباط موظفي الدولة رقم (14)لسنة 1991  الموظف العام الحفاظ على الأموال والممتلكات العامة، و يحظران على الموظف العام إفشاء أيّاً من الأُمور التي يطلع عليها بحكم وظيفته خلافاً للمجالات التي يجيزها القانون حتى ولو ترك الوظيفة الا انه  ينبغي أن يلاحظ أن هناك حالات يفرض فيها القانون على الموظف الإفصاح عن هذه الأسرار كأن يصدر قرار من جهة تملك ذلك الحق ً بإلزام الموظف بأن يفصح عن سر من أسرار الوظيفة ومثل تلك الحالات لا تعتبر من قبل الإفشاء المحظور كمبدأ عام وتلك الجهات في حالة العراق هي القضاء وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومجلس النواب وحيث ان تلك الجهات قد حصلت على تلك الوثائق نتيجة لموقعها الوظيفي فان القانون الذي منحها الحق في الاطلاع على تلك الوثائق لغرض التحقيق والتدقيق لم يعطي الحق لها في الكشف عن تلك الوثائق امام وسائل الاعلام او حتى تهديد الخصوم بكشفها او تأخير الكشف عنها بانتظار حصول مساومات سياسية وانما الزمها بوجوب احالة تلك الوثائق الى السلطة القضائية من اجل النظر فيها ان كانت تشكل جريمة بحد ذاتها . ويكون الاخبار في هذه الحالة الزاميا لتلك الجهات واخفاء تلك المعلومات يوقعها تحت طائلة العقوبة الجزائية .

عند النظر في احكام القانون العراقي  نجد ان الاصل ان الاخبار عن الواقعة الجرمية هو حق للمواطن الاعتيادي بموجب المادة  (47) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971  حيث نصت على انه (( لمن وقعت عليه الجريمة ولكل من علم  بوقوع جريمة تحرك الدعوى فيها بلا شكوى او علم بوقوع موت مشتبه  به ان يخبر قاضي التحقيق  او المحقق او الادعاء العام او احد مراكز الشرطة ) . فيما عدت المادة (48 ) من القانون  ذاته  ان الاخبار واجباً  على كل مكلف  بخدمة  عامة  عند علمه بوقوع جريمة اثناء تأديه عمله او بسببه او اشتبه بوقوع جريمة وكانت الجريمة من الجرائم التي لا يتوقف  تحريك الدعوى الجزائية بها على شكوى .وكل من قدم مساعدة بحكم مهنته الطبية وكل شخص كان حاضرا ارتكاب جناية عليهم ان يخبروا  فورا قاضي التحقيق او المحقق او الادعاء العام  او احد مراكز الشرطة . وقد وضع المشرع في قانون العقوبات رقم ( 111) لسنة  1999 جزاءا لمن يخالف هذا الواجب بقوله في المادة( 247) منه على ان(( يعاقب بالحبس او الغرامة كل من ملزماً قانوناً باخبار احد المكلفين بخدمة  عامة عن امر ما او اخباره عن امور معلومة له ، فأمتنع قصداً  عن الاخبار بالكيفية المطلوبة وفي الوقت الواجب قانوناً ).
مما تقدم نرى ان واجب الجهات التي تحصل على المعلومات نتيجة لمواقعها الوظيفية او بحكم القانون ان تقوم وبحكم القانون باحالة الموضوع الى السلطة القضائية فاذا نظرت السلطة القضائية في اي قضية معروضة عليها وتوصلت الى قرار بات فان ذلك القرار يعتبر حجة بما فصلت فيه ولايجوز قبول دليل ينقض حجية الاحكام الباته استنادا الى احكام المادتين 105 و 106 من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 وكذلك المادة 503 من القانون المدني العراقي التي نصت على ( الاحكام التي حازت درجة البتات تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق ولايجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة…) فاذا اصدرت المحاكم المختصة قرارها في اي قضية توجب على بقية السلطات احترام ذلك القرار اما اذا لم يتم الفصل في الموضوع من قبل المحاكم فان عرض الوثائق على وسائل الاعلام يعتبر محاولة للتاثير على قرار المحاكم وفي كلا الحالتين يعتبر ذلك تدخلا في عمل السلطة القضائية واخلالا بمبدا الفصل بين السلطات وهو الاساس الذي قام عليه النظام البرلماني في العراق .

أحدث المقالات