18 ديسمبر، 2024 6:49 م

حرب التلقين وسلاح التبيين

حرب التلقين وسلاح التبيين

من المحمود “جدا” أن نفهم اهداف بعض الرسائل المكذوبة ، والتي تطلق لأجل تسويقها وتجييش الجمهور لقبولها وتصديقها بقوة الاقناع ، فقد تكون مموهة بشكل متقن ، يجعلها اكثر تأثيرا وقربا للحقيقة لانها تشبهها تماما ،السبب ان اصحابها يمتلكون الرؤية والمعرفة ،حيث توظف عناصر التأثير بشكل منسق ومدروس قائم على اسس نفسية ودراسات اجتماعية مستفيضة،مستقاة من منهج عميق في التحليل والتأثير حيث توظف الجوانب العاطفية الصرفة ، والاثباتات العقلية الخادعة ،فضلا عن مؤثرات نفسية تستهدف ابراز دوافع الخوف والخشية لأجل تحقيق اهداف معينة، هناك من لم يدرك بعد ان هذا الرسائل تنفذ باسلوب مستند لتجارب ،وفيه من الصنعة والعلمية الكثير ،وهو متبع في الكثير من البلدان ومن قبل الحكومات،و تنفذه معاهد متخصصة ومراكز ومؤسسات واشخاص بخبرات ومهارات عالية ، ،غالبا ما تلجأ الحكومات الغربية لهذه الرسائل المؤثرة ،لسوق مواطنيها وتحشيدهم لتبني قراراتها ومشاريعها ،التي لا يمكن تمريرها دون دراسة و تخطيط ، يجعل حججها ومبرراتها قابلة للتصديق والتبني.

قد يرى الكثيرون في هذا الرأي تبريرا وشرعنة لإستغلال عواطف الجمهور ،عبر تسويق الوهم وجعله اداة لتحقيق الاغراض حتى الدنيء منها ،وهو ليس ما نعنيه ونقصده مطلقا ، بل ان الرسائل التي تطلقها للمؤسسات والجهات التي تهتم بالمصالح العامة ،يجب ان تنطلق من قواعد مفهومة وتبنى على اسس متينة ،لتحقق التأثير اللازم ،وباشراف اكفاء يمتلكون الوعي اللازم والمعرفة التفصيلية ،والقدرة على فهم الواقع وتحليل اتجاهاته ومدياته ،لا السير على العمى والتيه ،حيث يغلب رد الفعل على حساب الفعل ،فالحق ابلج ان فهم اهله كيف يظهرونه ، لصيانة مصالحهم ودفع الشرور و المفاسد عنهم ، لذا فإن ما ردده الحكماء من اسلافنا بأن ( الحگوگ تريد حلوگ ) صحيح جدا ،ويستدل من قولهم هذا ،على ضرورة توظيف الحاذقين واهل (العرفة ) بحسن التدبير، و الحجة في طرح الادلة وادانة المدعين بقوة البرهان ،لا الزعيق والصراخ والانفعال غير المنتج.

في عصرنا الحالي تبرز العديد من المشكلات ،حيث نواجه جماعات وافرادا اشكاليات وتحديات ،تحد من ادوارنا المفترضة ،في بيان ابعاد الحقيقة واستشراف الاحداث ومساراتها المستقبلية ، وهي محاولة اقصاء تمارسها قوى وجماعات مناوئة لمنع البعض ،ولغايات شتى من اداء واجباتهم عبر التسقيط وفبركة الاحاديث ،وادوات هذه القوى هي وسائل الاعلام الجماهيري و التواصل ،التي وصلت لمراحل متقدمة في انتاج رأي عام يضع المستهدفين في موضع الشبهة والتهمة ،دون ان يكون امامهم ادنى فرصة للدفاع عن انفسهم ،فيتم اقصائهم وتصفيتهم سياسيا واجتماعيا ، ودفعهم بعيدا عن الواجهة ،والشواهد على ذلك كثيرة و للبيان فقد انتهت بعض هذه الاساليب ،باقصاء عبد المهدي في العراق ،وعمران خان في باكستان ،وهناك العشرات غيرهم ممن راحوا ضحية مثل هذه الاساليب القذرة .

ان اسلوب هندسة العقول ،وهو اسلوب غربي اميركي مطور عن برنامج الماني ،اطلقه علماء نفس واجتماع نازيين يمثلون الحقبة الهتلرية ،وتم بعد دراسات وابحاث تطوير تحديثه ليكون اكثر فاعلية ويخدم الاهداف المفترضة التي يؤديها ، و تجري هندسة العقول بضخ كم هائل من المعلومات عبر تلك الوسائل،بالتزامن مع اثارة احداث معينة في اوقات معلومة ضمن سيناريو محبوك يحاكي العقل الجمعي للجمهور ،فتسود حالات من النقمة والغضب الشعبي ، كل ذلك يجري تنفيذه بعد دراسة وفهم معمق لمحيط المستهدفين لضربهم ،عبر استغلال الثغرات ، وتضخيم الاحداث ،ربما تبدأ مثل هذه المسائل بمطالب وتنتهي بأجندات واشتراطات ،والامر اكبر مما يردده غير المدركين ،ممن يتوهمون الامور بهذه البساطة ،ويرون في انفسهم القدرة على مواجهة آلة الطغيان بشجاعة،تفتقر للتخطيط والوعي بمديات هذه الحروب، الناعمة بمظهرها ،الخشنة بنتائجها وتداعياتها .

ما ينقصنا دائما هو البحث و التبصر و تجاوز الانفعال ،فلا يجب تصديق كل ما نسمع ،ومع ما نعيشه اليوم من تعقيدات يفترض عدم تصديق الكثير مما نرى ونشاهد ايضا ، والمطلوب دوما هو التثبت وادراك حقيقة ما يدور بدقة خلف الكواليس ،ينقل عن الكاتب المصري الشهير الراحل أنيس منصور ،انه تعرض للخداع من قبل مواطن مصري اوهمه بتعرضه للاساءة من قبل موظفي السفارة المصرية فى “نيوزيلندا” ،وأهانته وضربه ( بالجزمة) من قبل شخص السفير ،ليستشيط منصور غضباً ويكتب مقالاً ساخناً عن الحادثة ،ثم يتذكر قبل ان يرسل المقال للمطبعة ،بأن لا سفارة لمصر في نيوزلندا في ذلك الوقت ،بعد كل هذا يحدثك احد مدعي المعرفة والفهم ممن يقصون عليك احداثا كاذبة عن قصص لم تحدث و فضائح ليس لها اصل ،في اتفاق بليد مع اغراض مروجي الاكاذيب ،وبعبارات غبية بلهاء انه ( قرأ بالفيس ) و عنده دليل (مقطع تيك توك ) الحمدلله على نعمة البصيرة واستغفر الله لي ولكم والسلام ..