*على الرغم من الضرورة القصوى ومن خلال السياق المتبع بوجوب إعطاء السيرة الذاتية لطياري سلاح الجو الذين سوف يرافقون طائرة الرئيس الأمريكي حال دخولها الاجواء السيادية الوطنية ,وبعد أن يتم فحص سيرتهم جيدآ من قبل جميع اجهزة الامن والمخابرات الأمريكية قبل الشروع على الموافقة النهائية,لكن كان هناك نوع من القلق والتوجس لدى الرئيس “ترامب” وضباط الخدمة السرية وطاقم الطائرة بان يكون هناك حدث طارئ في الجو يكون ساذج او من خلال تهور وحماقة واستعراض ليس في محله وموضعه لإحد الطيارين المتحمسين لهذه المرافقة يؤدي معها إلى سلسلة من الكوارث غير المحسوبة لإسقاط الطائرة الرئاسية؟.
خلال زيارة الرئيس الأمريكي الخليجية ، لفتت الانتباه إلى ظاهرة إعلامية وسياسية لم يسبق أن تم التطرق اليها لغاية اللحظة , ولكن للمتابع عن كثب لهذا الحدث التاريخي في المنطقة الخليج العربي , تتمثل في التنافس الواضح بين وسائل الإعلام الخليجية الإخبارية الرئيسية، وتحديدآ قناتي “الجزيرة” القطرية و”العربية” السعودية و”أبو ظبي” الإماراتية في إبراز حفاوة استقبال الرئيس الأمريكي على حساب التركيز على الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية التي شكلت أساسيات جوهر هذه الزيارة . ومن العروض التراثية والرقصات الشعبية إلى مسيرات الخيول العربية الأصيلة، وصولاً إلى ظهور شاحنات “تسلا سايبر تراك” في موكب الرئيس الأمريكي في الدوحة، بدا أن الأضواء تسلط على المظاهر البصرية والرمزية أكثر من المضمون الاستراتيجي ، يطرح هذا المشهد تساؤلات حول دلالات هذا “السباق الإعلامي” وتأثيره على صورة العلاقات الخليجية-الأمريكية.
في العاصمة الرياض، ركزت قناة “العربية” على مشاهد الرقصات التقليدية مثل “العرضة”، ومسيرة الخيول العربية التي رافقت موكب الرئيس، مع استعراض تصريحات ترامب التي أبدى فيها إعجابه بالقصور الملكية الفاخرة. وفي المقابل، لم تتوانَ “الجزيرة” القطرية عن إبراز لحظات وصول “ترامب” إلى الدوحة، حيث تصدرت شاحنات “تسلا سايبر تراك” الموكب الرئاسي من مطار الدوحة إلى قصر لوسيل، مع التركيز على إشادة الرئيس بفخامة القصر المطلي بالمرمر الإيطالي. ولكن على عكس الزيارة الاخيرة التي اتسمت بساطة وبثقل دبلوماسي وعند وصول طائرة الرئيس “ترامب” إلى مطار أبو ظبي الدولي، لم تُفرش السجادة الحمراء أو البنفسجية، ولم يكن هناك استقبال على سلم الطائرة كما جرت العادة في الزيارات الرئاسية. بدلاً من ذلك، عبر “ترامب” ممراً مباشراً إلى صالة الاستقبال الرسمية، حيث كان في استقباله كبار المسؤولين الإماراتيين وهذا التنافس الإعلامي لم يقتصر على المشاهد البصرية، بل امتد إلى تضخيم الرواية الإيجابية حول العلاقات الثنائية، مما أثار انطباعاً بأن الدول الخليجية تخوض “سباق جائزة كبرى” لتحطيم الرقم القياسي في حسن الضيافة.
ولكن كانت زيارة جامع الشيخ زايد هي لحظة ثقافية محورية وكان الحدث الأبرز في الزيارة هو توجه “ترامب”، برفقة ولي عهد أبوظبي، الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، إلى جامع الشيخ زايد الكبير، الذي يُعدّ تحفة معمارية عالمية. خلال الزيارة، استمع الرئيس “ترامب” إلى شرح مفصل عن تاريخ إنشاء الجامع، الذي يجمع بين التصاميم الإسلامية التقليدية والتقنيات الحديثة، بما في ذلك أكبر سجادة يدوية في العالم وثريات مرصعة بالكريستال. ارتسمت علامات الإعجاب والانبهار على وجه الرئيس، الذي وصف الجامع بأنه “رمز للتسامح والجمال”. وهذه الزيارة لم تكن اعتباطية، بل بدت مقصودة بعناية لإبراز القوة الناعمة للإمارات. الجامع، الذي يستقبل ملايين الزوار سنوياً ويُروَّج كمركز للحوار الحضاري، يعكس رؤية الإمارات كدولة تسعى لتعزيز التسامح والانفتاح. اختيار هذا الموقع كمحطة رئيسية في زيارة “ترامب” يحمل رسالة دبلوماسية تتجاوز المظاهر الاحتفالية، مؤكداً دور أبوظبي كجسر بين الثقافات موطن الديانة الابراهيمية ؟.
وعلى الرغم من أهمية الاتفاقيات الاقتصادية التي وقّعت خلال الزيارة، مثل صفقات الاستثمار والتعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ، إلا أن التغطية الإعلامية المحلية قد قللت من شأنها مقارنة بالتركيز على المظاهر الاحتفالية. في السعودية، تم توقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات تشمل استثمارات في البنية التحتية والدفاع والتكنلوجيا والذكاء الاصطناعي، بينما شهدت قطر توقيع صفقات مع شركات أمريكية في قطاعات التكنولوجيا والطيران. لكن هذه الإنجازات بدت ثانوية في التغطية الإعلامية أمام مشاهد الاستقبال الفاخر، مما يعكس استراتيجية إعلامية تهدف إلى تعزيز صورة العلاقات الثنائية عبر الرمزية بدلاً من الحقائق الاقتصادية.
ويمكن تفسير هذا التنافس الإعلامي في ضوء عدة أبعاد:
*تعزيز الصورة الوطنية: تسعى كل دولة إلى إبراز قوتها الثقافية والاقتصادية من خلال استعراض مظاهر الضيافة. فالسعودية ركزت على التراث العريق، بينما قطر أضافت لمسة عصرية عبر شاحنات “تسلا”، مما يعكس تنافساً على تقديم صورة “الحداثة الممزوجة بالأصالة أما الإمارات أن يكون دخول القصر الرئاسي على جانبيه الجمال العربية والخيول.
*الرسائل السياسية: الحفاوة المبالغ فيها قد تكون رسالة موجهة إلى الإدارة الأمريكية لتأكيد الالتزام بالشراكة الاستراتيجية، خاصة في ظل التحديات الإقليمية مثل التوترات مع إيران أو التنافس الاقتصادي العالمي واحداث قطاع غزة .
*الإعلام كأداة دبلوماسية: من خلال التركيز على المظاهر، تحاول وسائل الإعلام الخليجية تعزيز صورة إيجابية لدى الجمهور المحلي والدولي، مما يخدم أجندات دبلوماسية أوسع.لكن هذا التركيز المفرط على الحفاوة يثير تساؤلات حول ما إذا كان يصرف الانتباه عن قضايا جوهرية، مثل تفاصيل الاتفاقيات وما هو قد جرى خلف الابواب المغلقة وفي الجلسات الخاصة البعيدة عن اعين الاعلام والصحافة أو التحديات السياسية التي قد تواجه العلاقات الخليجية-الأمريكية. يبقى التحدي أمام وسائل الإعلام الخليجية في تقديم تغطية متوازنة تعكس العمق الاستراتيجي لهذه الزيارات، بدلاً من الاكتفاء بلمعان المظاهر.
ويبقى التحليل ودوافع الاستعراض ودلالاته ومع الرمزية الثقافية والسياسية وتتخلص الاستعراضات الخليجية ليست مجرد مظاهر احتفالية، بل رسائل سياسية تؤكد مكانة كل دولة كشريك استراتيجي لواشنطن. السعودية ركزت على الأصالة لتعزيز صورتها كقائد إقليمي، بينما قطر جمعت بين الحداثة والتراث لإبراز طموحها العالمي. الإمارات، بدورها، قد تسعى لتأكيد ريادتها والتنافس الإعلامي: قنوات مثل “العربية” و”الجزيرة” لعبت دوراً محورياً في تضخيم هذه المظاهر، مما يعكس تنافساً إعلامياً للسيطرة على الرواية العامة. هذا التنافس يعزز الانطباع بأن الدول الخليجية تخوض “سباق جائزة كبرى” للفوز بإعجاب ترامب والجمهور الدولي. والتأثير على الرأي العام: من خلال منصات مثل إكس، يمكن ملاحظة تفاعل الجمهور مع هذه المظاهر، حيث أشاد البعض بالفخامة، بينما تساءل آخرون عن أولويات التغطية الإعلامية. هذا التفاعل يعزز الدور الإعلامي في صياغة الانطباعات العامة
بالإضافة إلى انها تشهد الساحة الإعلامية الخليجية تنافساً خفياً بين كل من الرياض، الدوحة، وأبوظبي لإبراز دور كل عاصمة في دعم الولايات المتحدة لحل النزاعات الدولية، حيث تسعى وسائل الإعلام الوطنية إلى تعزيز مكانة بلدانها كشريك استراتيجي موثوق به . في هذا السياق، تبرز الدوحة كمحور أساسي يعتمد عليه البيت الأبيض، بفضل سجلها الدبلوماسي الممتد في تسوية الصراعات الإقليمية والدولية، وهو ما أكده الرئيس دونالد ترامب في خطابه بقاعدة العديد الجوية ، مشيداً بدورها “اللافت والحاسم وإيجاد الحلول الكفيلة بإنهاء هذه النزاعات” في الوساطة الدولية.
ومع ذلك، تسعى كل من الرياض وأبوظبي إلى المنافسة عبر حملات إعلامية مكثفة تهدف إلى تسليط الضوء على إسهاماتهم في استقرار المنطقة ودعم السياسات الأمريكية. قناة “العربية” السعودية والمركز الإعلامي الاتحادي للأخبار الإماراتية يقودان هذا الجهد، من خلال تغطية مكثفة تُبرز الإنجازات الدبلوماسية والاقتصادية لبلديهما، غالباً على حساب تقليل دور العواصم الأخرى. هذا التنافس، الذي يتجاوز حدود الدبلوماسية التقليدية إلى حرب إعلامية ناعمة قد تكون ما تزال غير منظورة لغاية الآن ولكنها موجودة وعلى ارض الواقع ويتم العمل بها وما تزال في الخفاء ، يكشف عن طموح كل عاصمة لتكون الشريك الاستراتيجي المفضل لواشنطن على حساب الآخر ، في وقت تظل فيه الدوحة ركيزة لا غنى عنها بفضل خبرتها الطويلة في الوساطة وحل النزاعات يبقى الصراع مفتوح فيما بينهما .