لا يختلف معي احد في أن فرنسا اليوم وعلى إمتداد خارطتها الجغرافية ـ السياسية محط أنظار العالم بأكمله، بعد أن تسارعت وتيرة الأحداث الأمنية هناك فالسبب وراء تلك الخطوة غير المسبوقة هو مقتل شاب من أصول جزائرية برصاص الشرطة الفرنسية، وبالمقابل يدرك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بلا شك، المخاطر والأزمات المتأتية عن ذلك، وهذا يعد أخطر تحد يواجه حتى الآن خلال فترة حكمه منذ احتجاجات (السترات الصفراء) التي اندلعت في عام 2018.
تعيش اليوم فرنسا فوضى عارمة، واحتجاجات شديدة، وتبدو هذه الاحتجاجات في تصاعد مستمر في غياب التأكد من نجاح الإجراءات التي ستتخذها فرنسا لمعالجتها، وقد شكلت هذه الاحتجاجات أكبر حركة احتجاجية خلال السنوات الأخيرة في فرنسا ولكن المثير فيها هي سرعة الانتشار الجغرافي، حيث أصبحت تتصاعد نتيجة إطلاقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت في البداية سلمية لكن البعض منها اتخذ مساراً عنيفاً و اشتبك المتظاهرون مع شرطة مكافحة الشغب التي كانت تتعامل بالكثير من العنف مع المتظاهرين مما جذب انتباه منظمات حقوق الإنسان.
من دون أدنى شك، إن تطور الأحداث بهذا الشكل، يدفعنا إلى التخوف من سيناريو الحرب الأهلية الذي يهدد فرنسا و يتسبب في ضياع هيبتها من خلال خلخلة السلم الأهلي داخل فرنسا، وتكريس سياسة التفرقة العنصرية بين مكوّنات الشّعب الفرنسي وانتشار عمليات النهب والنشل .
وعلى سبيل المثال تحدّث المرشح السابق للرئاسة الفرنسية “إريك زمور” المعروف بعدائه للمهاجرين، عن الدخول في المراحل الأولى من حرب أهلية، وقال “زمور”: “هذه حرب عرقية، نرى بوضوح أن هذه حرب عرقية، نحن نرى ما هي القوى المشاركة ونحن بحاجة إلى شخص حازم أولاً وقبل كل شيء”.
وعلى الطرف الأخر، أكدت الشرطة الفرنسية إن: “لصوصاً نهبوا متاجر، أحدها لشركة (آبل) في مدينة ستراسبورغ، بشرق فرنسا، وهناك من فتح م أبواب حديقة الحيوانات، وأطلقوا سراح حيوانات مفترسة ، وتركوها تتجول في الشوارع، بالإضافة الى اضرام النيران في بعض المباني والسيارات.
ما يحدث حالياً في فرنسا من تطورات يشير إلى أن حزب النهضة وصل لنهاية دوره، كما أن الشعبية الهائلة والاستثنائية التي كان يتمتع بها ماكرون من قبل شعبه أصبحت من الماضي، وأصبحت المناوشات السياسية داخل الحزب أشد ما يوجع ماكرون، والهزائم المتلاحقة يتم النظر لها من داخل الحزب الحاكم على أنها نتيجة طبيعية للفشل السياسي الداخلي، كل هذه القضايا وغيرها مؤشرات إلى ضراوة المعركة التي يقودها ماكرون شخصياً.
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين أن ماكرون أصبح يعاني مشاكل كبيرة بعد أن أثبتت الاحتجاجات أن الفرنسيين باتوا يرفضوا بقاءه في سدة الحكم، ولم يعد طريقه مفروشاً بالورود، وأن سياسته الخاطئة التي اتبعها في فرنسا تمثل تهديداً لأمن واستقرار المنطقة وتشيع مشاعر الكراهية والعنصرية والتطرف والتعصب.
اليوم أوروبا تكتوي بنيران الإرهاب الذي وظفته ضد البلدان العربية، ففرنسا الداعمة للقوى المتطرفة وأدواتها في سورية أصبحت تتخبط في قراءة مستقبل التهديدات التي بدأت تنهش جسدها، وأهم مشاهد التخبط على الساحة الفرنسية لما حدث في باريس من تهديدات وتفجيرات بعد اتساع حملات الكراهية للرئيس الفرنسي ماكرون.
مجملاً… إن استمرار الأزمة في فرنسا، في ظل التجاذب الحالي والحرب الإعلامية بين أطرافها قد يؤدي إلى المزيد من التدهور وتصاعد أعمال الشغب والفوضى في مختلف أنحاء فرنسا من قبل المحتجين، وبالتالي احتمال اندلاع حرب أهلية في عدد من المدن الفرنسية التي ستؤثر بشكل فوري على الكثير من المعادلات الإقليمية والدولية والعالمية، وهناك من يقول ان العاصفة الكبرى آتية وان الهدوء الحالي المحدود هو تمهيدها.
وباختصار شديد يمكنني القول، إن الاستعمال المفرط للقوة من قبل قوات الأمن الفرنسية من شأنه أن يرفع من منسوب التوتر في البلاد ويصعّد من التحركات الاحتجاجية مما يؤدي إلى فقدان باريس توازنها وقدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، فالمحتجين اليوم ينتفضون ضد ما اعتبروه عنف الشرطة العنصري من خلال القتل الوحشي للفتى الجزائري على يد ضابط شرطة بالرصاص ومن مسافة قريبة.