لا تزال النساء العربيات رهينات مجتمعات ذكورية تحرمهن من حقوقهن الشرعية، وخاضعات لخطابات دينية تفتي بالتحليل والتحريم في شأن أجسادهن.
عندما تولد المرأة في أسرة لا تعرف غير الحرام، والحلال عندها متلبّس بالكبت في كل شيء، بداية من الملبس ووصولا إلى حرية الفكر، وجميع ما في حياتها من الممنوعات، وتصبح أشبه بشيء لا صوت يسمع له ولا حياة تعاش، فإن الدين قد يتحول عندها إلى جزء من المشكلة وليس حلا.
هذا ملخص لحياة امرأة عربية التقيتها صدفة وروت لي حكايتها التي باتت مشتركة مع الآلاف من النساء. لقد استطاعت محدثتي عندما كانت في سن المراهقة أن تتمرد على واقعها وترسانة التقاليد والأعراف التي تكبّلها كأنثى وتفرض عليها حياة تنعدم فيها المساواة وتغلب عليها المحاباة في المعاملة بين الإناث والذكور.
ولكنها تمكنت من كسر كل القيود التي فرضتها عليها أسرتها المحافظة، وتخطت جميع الحواجز التي قالت إنها كانت “تمنعها من عيش حياتها ككائن بشري له مشاعر وتحدوه طموحات”، وهربت إلى بلد خلّصها من المصادرة العائلية والاجتماعية لحريتها الشخصية.
لم تذكر محدثتي شيئا عن القدر الذي أوصلها إلى المكان الذي هي فيه الآن، ولم أشأ أن أسألها عن ذلك، فكبحت جماح فضولي الصحافي حتى لا أدخل في تفاصيل ربما تزيد في تعميق جرحها الذي لم يلتئم بعد، وتركت لها الأريحية للفضفضة.
بدت محدثتي في لهجتها ناقمة على بلدها الأصلي وعلى جميع الذكريات التي تربطها به وبأهلها، مؤكدة أنها استعادت ملكية حياتها، بعد أن كانت خاضعة للوصاية الذكورية التي سلبتها حقها في أن تكون إنسانة.
أما اليوم فهي كما تقول تستطيع أن “تسير في شوارع لندن مرفوعة الرأس ومكشوفة الشعر” من دون أن تتعرض للاعتقال من قبل “حراس الدين”، ولا يمكن لأحد استخدام الدين للإساءة إليها وقمعها.
لم تخف محدثتي اعتزازها بجنسيتها الجديدة، لأنها كما عبّرت عن ذلك “جعلتها حرة نفسها، وحققت لها جزءا كبيرا من طموحاتها التي كانت ذات يوم مجردة أضغاث أحلام”.
وترى محدثتي أن السبب في معاناتها، هو المفهوم المشوّه والمغلوط لتعاليم الدين التي من وجهة نظرها خاضعة لأهواء رجال الدين وسلطتهم اللامحدودة، فهم المسؤولون دائما وأبدا عن جعل المرأة العربية في مرتبة دنيا، وهم من يطوقون أفعالها وأقوالها بغوغاء فتاواهم التي تفوح منها رائحة عصر الحريم، حتى تظل المرأة عبدة مطيعة لسيدها الرجل.
لقد استطاعت محدثتي بفضل عزيمتها القوية الإفلات ممّا وصفته بـ“السجن الكبير”، غير أن هناك الكثيرات من أمثالها لم يسعفهن الحظ بعد للخروج من سجونهن، وفي معظم أنحاء العالم العربي لا تزال النساء العربيات رهينات مجتمعات ذكورية تحرمهن من حقوقهن الشرعية، وخاضعات لخطابات دينية تفتي بالتحليل والتحريم في شأن أجسادهن، ثم جاءت الصراعات المسلحة لتزيد من تعميق معاناتهن وتحولهن، إما إلى سبايا وإما ثكالى وإما أرامل.
تعكس هذه القصة واقعا عاما، لما تعانيه المرأة من قهر وحرمان وقيود متعددة الأشكال والأطراف، تمنعها من الحصول على أبسط حقوقها في العيش الكريم والحرية والمساواة، وتجعلها فريسة سهلة للاغتصاب والاعتداء النفسي والجسدي، وتمارس عليها جميع أشكال الانتهاكات الفردية والجماعية على أيدي فاعلين كثر داخل الأسرة وفي المجتمع، وتصبح في غالب الأحيان متهمة وليست ضحية، خاصة في ظل انعدام الحماية القانونية والتواطؤ المجتمعي الذي يبرر، بل يحصّن الجاني ويجعله يفلت من العقاب.
نقلا عن العرب