مذ أن كنا صغارا ، إحتفظنا بصورة نمطية عن الحرامي ، شخص يضع قناعا أسودا على العينين ، بملابس مخططة ، وأعتقد أن هذه الصورة مستوردة هي الأخرى عن الثقافة الأوربية ، وكلمة حرامي مشتقَة من (الحرام) بجدارة ، حدثتني والدتي رحمها الله ، عن ذلك الحرامي الذي إقتحم منزلا في أحد بغداد الفقيرة ، فلم يجد ما يستحق السرقة لفقر حال أصحاب المنزل ، سوى (محراث التنور) ، ومحراث التنور هو سيخ حديدي مجعّد ، تستخدمه ربة المنزل أيام زمان لتحريك قاع التنور لتكشف عن وجه الجمر تحت الرماد ، ولكم أن تتصوروا حال هذا (المحراث) ، وهو مكللا بالسخام والرماد ، رفض ذلك الحرامي أن يخرج خالي اليدين ، فدفعه خبثة أن يسرق محراث التنور ، وما أن خرج من المنزل ، حتى رمى به في قارعة الطريق ! .
لكن حتى حرامية أيام زمان ، يمتلكون شيء من النخوة على عكس حرامية هذا الزمان ، فقد قصّت عليّ والدتي ، عن ذلك الحرامي الذي إقتحم منزلا فيه إمرأة مع إبنها الغلام وهما نائمان ، والمرأة تراقب ذلك اللص من تحت الغطاء وهو يجمع أغراض المنزل في عباءة هذه المرأة ، حاول رفع العباءة بمحتوياتها ، لكن الحمل كان ثقيلا ، فما كان من المرأة إلا أن أيقظت صغيرها لمساعدة هذا اللص على حمل مسروقاته قائلة له (گوم شيّل خالك) أي قم وساعد خالك ! ، فما كان من الحرامي إلا أن يرمي العباءة أرضا وغادر وهو خجلا ! ، فرغم كونه ممتهن للحرام ، إلا أنه لم ينسهِ نخوته ! .
لا أحاول أن التمس عذرا لحرامية أيام زمان ، ربما تقطعت به السبل عن لقمة يلوكها ، أو أنه أضطر لذلك بسبب حاجة ما ، وأنا متأكد أن هؤلاء (الحرامية) ، ما سلكوا هذا الطريق لو وجدوا ما يسدّ رمقهم بالحلال .
حرامية هذا الزمن ، أثروا ثراءً فاحشا بحيث سيعيش أحفاد أحفادهم عيشة باذخة ، لأنهم سرقوا بلدا بأكمله إلى درجة إفقاره ، ولو لم توجد حرامية من هذه الشاكلة ، كنا أغنى من أغنى دولة في العالم ، نعم فحراميتنا لا يرتدون قناعا ولا بدلة مخططة مخصصة للسجون ، بل يرتدون بدلات وربطات عنق ، وإن كانت هذه البدلات هي التي ترتديهم ! ، حرامية معروفون لدينا جميعا ، وهم يعرفون أيضا ، يستقلّون ارقى السيارات من طراز (جي كلاس) وغيرها ، حرامية تتراكض أمامهم الحمايات والإمّعات الخَدَم ، يقطعون الشوارع بوجه الشرفاء ! ، على عكس حرامي ايام زمان الذي يستغل ظلام الليل ، مرتعبا من صفّارة (الچرخچي) ، مغطيا وجهه باللثام ، وحرامي هذا الزمان مسفر الوجه ، يسرقنا تحت ضوء الشمس !.