18 ديسمبر، 2024 6:11 م

حرائق العراق .. تماس النفط بالمال والسياسة

حرائق العراق .. تماس النفط بالمال والسياسة

فيما تمضي الحياة اليومية للمجتمع في العراق بالإعتماد على نظم اقتصادية وتقاليد المعاملات  التقليدية المحلية من ناحية , وقوانين السوق الخاصة بالعرض والطلب المرتبط بسياسة الدولة العراقية من ناحية اخرى , تمضي معها جميع الحرائق الفعلية بالنار , والموازية لها بالنوائب والمصائب مهما اختلف نوعها وصنفها وزمان ومكان  وقوعها بالعراق ,

فهي جميعها حرائق من الناحية المجازية , لأنها لا تأكلالبنية الإدارية للدولة العراقية التي اعيدت بعد السقوطوحدها فحسب , بل جميعها التي تأسست فوقها بنى اخرى  وفقآ لآراء اغلبها صدرت من ممثلين عن حكومات التحالف الدولي الذي قادته امريكا اثناء الاحتلال , سواء كانت قيادات عسكرية او منظمات مدنية او ممثليات اخرى .

فالذي فعلته حكومات التحالف الدولي بالعراق , يتقارب معمافعله النظام السابق من اجراءات تدميرية سواء للطبيعة او للإنسان للهيمنة على مفاصل البلاد اولآ , والهيمنة على الشعب العراقي ثانيآ وخاصة اثناء حرب السنوات الثمانذات الأهداف الجانبية الخطيرة ومنها على سبيل المثال عملية تجفيف الأهوار وعملية تجريف البساتين الزراعية الشاسعة الخاصة بالنخيل في البصرة , وتلك الإجراءاتالتدميرية نفسها اتبعتها امريكا مع العراق ,

لأنها كانت تعد العراق لمشروع انضمامه الى الأمبراطورية التي تتحكم بالعالم بأوامر امريكية عليا لاتقتصر على نخب السياسيين الأميريكيين فحسب , بل على مجالس صهيونية عالمية مختلفة , ففي الحرب الأخيرة على العراق , قامتامريكا بتدمير البنى التحتية المدنية والعسكرية للعراقبحجج ومسوّغات كاذبة  سواء بالخفاء عندما سرقت ونقلت خزين العراق الإستراتيجي من الذهب ,

والآثار الثمينة بما فيها التراث اليهودي البابلي بشكل منظّموخاصة من قبل شركة “هوبي لوبي ” الأمريكية , أو بالعلن عندما دمرت طائراتها جسورآ عديدة ومعالم حضارية سواء في بغداد  او البصرة لاعلاقة لها بالحرب , فضلآ عن مدن كبرى اخرى , ومواقع آثارية عديدة ومصانع اختارتها لتصطف اهدافآ لكي يغدو الباقي من البنى الأقتصاديةالعراقية المدمرة وليمة للصوص لمكافئتهم على الخيانة وعلىالوقوف معها ,

كل ذلك كان لأجل تمهيد الطريق امام خضوع العراق كليآ الى مشروع الأمبراطورية ذات السياسة والتوجيهاتالأمريكية , ومعه كل دول منطقة الشرق الأوسط بالحكم والتقاليد السياسية , وإن كان بعضها قد تم إعداده منذ زمن بعيد , وبموجب ذلك لا يمكن لأي دولة من هذه الدول ان تمتنع عن تنفيذ اوامرها وعن بذل الطاعة التامة والأحترام لها .

وقد ظهرت بوادر نشوء تقاليد تلك الأمبراطورية اول ما ظهرت , عندما ابلغوا العراق عن ان الإستحقاقات الدولية ( ويقصد بها تقاليد الأمبراطورية الجديدة التي ستتم على طريقة سايكس – بيكو ) تحتّم على العراق انشاء انبوب نفطي من البصرة الى العقبة لنقل الطاقة الى الاردن ومصر والكيان الصهيوني , وهذا يعني  بما لا يدع مجالآ للشك , ان تم بناء هذا الأنبوب فإن العراق قد تم فعلآ اخضاعه لتلك الإمبراطورية التي من المحتمل ان تقوم ويعلن عنها لتقود العالم بعد هزيمة روسيا المخطط لها بالحرب امام اوكرانيا .ولكن ماهي تلك الإستحقاقات ؟! إن لم تكن هناك , على اقل تقدير , اتفاقات سرية موقعة بين السياسيين العراقيين وبين الجانب الأمريكي المحتل لتصبح فيما بعد استحقاقات واجب تنفيذها ؟!

بالعودة الى عام 2003 , فقد اعتمدت الدولة العراقية  في سياستها الإقتصادية على الموارد النفطية بشكل تام , ولأن الحكومات التي بدأت بالتشكيل تباعآ في تلك السنة ومابعدها , كانت حكومات مدوزنة امريكيآ وفُرضت بالخفاء وقبل السقوط , أي مضبّطة وفقآ للرؤية السياسية الأمريكيةلتكون بلا توجهات تدعو الى  اي منهج أو عقيدة علمية متطورة ,

في مقابل اسقاط النظام السياسي بالعراق , وإن حدث السقوط , عندئذ يتعين على كل حكومة مشكلة ان تقدمخارطة طريق للإستراتيجية السياسية التي تدعو اليها في كافة المجالات لدراستها من قبل الجانب الأمريكي والموافقة عليها قبل التنفيذ ,

واهم تلك الآراء من حيث الظاهر هي السياسة النفطية والسياسة المالية , التي غدت بها العلاقة السياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق , كعملية الزواج بكل تفاصيلها التي تتم بين عائلة عراقية واخرى , فإن حدث امرآ مخالفآ يتعلق بالزواج بين تلك العائلتين , فيترتب على المتجاوز على التقاليد والآراء المتفق عليها , ان يخضع للخطوات نفسها التي تتبعها التقاليد المحلية في المجتمع العراقي , اما اذا كانت التجاوزات من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ,

فلا توجد آراء متفق عليها لردع تلك التجاوزات سواء من قبلامريكا نفسها او من العراق , لكون العراق بالظاهر هي دولة محتلة , وبناءً على ذلك جرت تفاهمات جولة التراخيص النفطية بشكل لايقبله العقل نهائيآ , وبقيادة رجل كان بعيدآ بالرؤية السياسية التي تقف بجانب الشعب وهي لا تختلف عن الفكرة الحالية الخاصة بإنشاء انبوب البصرة عقبة ,

فجولات التراخيص  تشبه الى حد كبير عملية عزل الأغنام الحلوبة في حضيرة واحدة ليتم حلبها وتخزين اموالها بسياسة مالية امريكية مجحفة وحقيرة يشرف عليها البنك الفيدرالي الأمريكي عبر منصاته المالية ,

وهذا ماجعل اغلبية السياسيين العراقيين المتواجدين في اروقة القرار السياسي الحكومي , يتجاوزون على المال العام بعلم الدولة التي لاتعاقب الذي سمع بإذنه ورأى وقرأتلك المعلومات , اما الذي لايعلم بإن ماموجود بالعراق من ثروات طبيعية هي استحقاق للجميع بما في ذلك الدول الأخرى من غير العراق , ويتجاوز عليها , فإنه سيعاقب كأحمق لكونه لا يملك دليلآ ماديآ يستند اليه  ,

لذلك شيّدت امريكا على هذا الرأي فكرة بناء انبوب البصرة عقبة كإستحقاق  , اما التجاوز على المال العام وإن تم بعلم امريكا فذلك لأنها عملت به امامهم بإجراءات التهديد والإقصاء والتهميش , فلا عقاب على ذلك , وبهذا المفهوم انتقلت عدوى التجاوز على المال العام  فيما بعد الى كافة مفاصل الدولة العراقية ,

حيث لايمر يوم إلا ويعلن عن نسخة جديدة ومحدثة منالسارقين الجدد للمال العام , وبهذا اصبح همّ  اغلب المواطنين هو كيفية الحصول على المال مهما كلف الأمر من انتهاك للقانون ليجسّر به الفجوات الإقتصادية التي احدثتها امريكا في الأسواق العراقية بسبب السياسة التي اتبعتها اثناء الأحتلال ,

وتبعآ لذلك , فقد زادت تجارة تهريب النفط والمخدرات والأعضاء البشرية والسطو المسلح وسرقة البنوك , وزلّت بها اقدام العديد من الوجوه المعروفة , وكان الدافع والوسيط بين وسائل تنفيذ تلك المصائب هو المال والنفط , ولاتوجد حقيقة اخرى غير المال والنفط الذي مكّن الجميع من التعاون فيما بينهم لتهديم القيم والأخلاق المجتمعية اولآ ولإعالة انفسهم ثانيآ , بسبب غياب الثقة فيما بين السياسيين وشيوع الفساد والسرقات الكبيرة والصغيرة فيما بينهم , والتي انجبها الأحتلال نفسه ,

واصبحت سمعة السياسيين جراء ذلك على كل لسان وخاصة الباحثين منهم عن الشهرة عندما برزوا بالمجتمع بظاهرة البلوكرات والفاشنستات اللائي ملئن العيون والآذان بقصص الزنا والرذيلة التي تدار من قبل البعض من النخب الذين فضحهم حبهم للمال والهوى ,

وكأن التأريخ يعيد نفسه إذ ان الظواهر التي انجبها الإحتلال هي نفسها الظواهر التي برزت من جراء الإحتلال الأمبريالي للهند وافريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية التي تبين منها ان الدول الإستعمارية وعلى رأسها امريكا وبريطانيا وفرنسا , كانت تطبق مفهوم ” ان السبيل الى تدمير الأديان والمعتقدات لايتم إلا عن طريق المال ”  لكي يسهل إحتلال الشعوب وتهيئة دولها الى مشروع امريكي صهيوني يقوم على السيطرة وحكم العالم .

ولسنا بحاجة الى ذكر البعد الذي وصل اليه المجتمع بحرائق الأفكار الدينية العقيمة بالأصل بسبب التأثيرات السياسيةالتي يشيب منها الرأس , وخاصة من قبل الذين ماتت فيهم خصال الخطيب الدكتور احمد الوائلي من احترام واخلاق للآخر وعدم التجاوز بالألفاظ المهينة له اثناء اعتلائه للمنبر الحسيني , مما احدثوا عند رؤية وسماع البعض من حرائقطروحاتهم الدينية اللامنطقية  صدمة كبيرة تولد عنها معارضة نافرة وجدل مابين الطوائف المختلفة بسبب التأثيرات السياسية ,

تذكر بالحركة السريالية المرعبة التي انجبتها الحرب العالمية الأولى والثانية فأبتدعت الفن اللاواقعي وغير المنطقي بقيادةرائدها ومنظرها  الشاعر والمناهض للفاشية اندريه بريتون1896 وتأثر بها سلفادور دالي وبيكاسو وخوان ميرو في الفن التشكيلي وآخرين في فن النحت مثل الفرنسي هانز آرب , والشعر والسينما والرواية والموسيقى , وأثاروا بها آراء العديد من النقاد كونها ليست ذات صلة بفنون اخرى تستند اليها .

إذن بنفس الطريقة عملت التأثيرات السياسية وخاصة الأمريكية بالأصل التي تمت في مجال النفط كقاعدة لتدميره كما في قواعد تدمير الجيش والصناعات العسكرية في مرحلة السقوط التي قادتها ضد العراق وشعبه وبعد السقوط وتداعياتها على المجتمع العراقي , فقد تأثر المجتمع بتقليده للنزعة الهوجاء للإستحواذ على المال العام , والمجتمع العراقي هنا ليس المقصود به الأشخاص الذين لاعلاقة لهم بالشأن الوظيفي فحسب , بل المقصود هم المهمشون والمبعدون الذين تبنوا اعمالآ منافية للقانون تتشابه بخرقها للقانون مع اعمال السياسيين الضالعين بسرقة القرن , مثلآ  , وتهريب النفط والعملة وغيرها .

بهذا التماس بين النفط والمال والسياسة , تحول مناخ عمل المجتمع الى تيار جديد يختص بالعمل العدواني المرتكز على البيع والشراء والتعاملات التجارية وخاصة في مجال العقارات الحكومية والأهلية  بشكل غير قانوني , ولايستبعد من ان تكون الحرائق سواء بالمحاصيل الزراعية المعدة للحصاد , وتدمير اسماك البحيرات الصناعية , إلا اعمالآمنافية للقانون وتتبع نموذجآ سابقآ في تدمير الثقة وخاصةفي العمل المصرفي الحكومي أو الأهلي على حد سواء ,

بهذا التحول الأخلاقي للمجتمع الذي صنعه المناخ السياسي القرف السائد منذ الأيام الأولى للسقوط , ونفذه الإنسان المخادع وخاصة بصورة الذي هتف بالنزاهة وكشف الفاسدين في القنوات الفضائية وكتبت عنه الصحف وعن نزعته الإصلاحية والإنسانية الواعدة , وتبعه وارتبط بتراثه العديد من افراد المجتمع , وتبين فيما بعد انه نتاج حضارة دنيئة انشأتها امريكا واعوانها بالمنطقة .

وللآن لايوجد معوّل على الإدبار من الفساد المتمثل بالحرائق المشتعلة يوميآ , والقضاء على تجليات المجتمع بنماذج من هؤلاء المجرمين المخادعين , ليضع المجتمع يده بيده ويوقف الهجوم بالحرائق بشكلها العام على المجتمع , الذي لايبتعدعن كونه نهجآ للفساد شبيهآ بعملية قتل المتظاهرين في جانب آخر من تأثير السياسة القرف .

اما الديناصور الخرافي المتمثل بالكهرباء , الذي يجرش في كل عام المليارات من العملة العراقية , انما هو كائن مادي يؤدي عملآ مسرحيآ عبثيآ في كل عام , يزيد فيه من قبحالحياة في فصل الصيف قبحآ يدخل فيه العديد من الناس في حالة غضب يحرج الحكومة امام العالم  في اماكن عديدة من البلاد  , ولكي تتحاشى الحكومة ذلك الغضب والحرج ,

تراها تستجيب لهذا الكائن لتجنيب المواطن من ان يتجرّع قبح هذاالفصل الحار من الصيف , بصرف المليارات وهو متخفي برأسه فحسب , ولكن ذيله المدمر والمتربص بالزوايا المظلمة من وزارة الكهرباء يعرفه الفؤاد الجزوع والضمير الصدوع منذ عشرين حجة ,

ولكن السؤال الذي ينبغي ان تجد له الحكومة حلآ موضوعيآ ودائم هو : لماذا في هذا الفصل تتكرر مصائب الكهرباء في كل عام , ومعها حرائق الحنطة والشعير ومزارع الأسماك وغيرها

من حرق الأسواق الكبيرة والمصارف والمستشفيات ؟!اليست الحكومة اذا احدث الدهر نكبته تنتفض للحل ؟ أم انها تمشي طروقةً بالجبين امامه وتجانب ؟!

والى متى يغيّب الحل ويتقبل المواطن العراقي اختزاله بعهود ووعود وشمس الحقيقة مشرقة وواضحة , والإمام علي عوهو يمر على قبر طلحة يتحفنا وهو يخاطبه :

وماتدري وان زعمت امرآ  بأي الأرض يدركك المقيل