وقفت قريبا من سياج داري متأملا في الافق
خلف الدار بضع شجيرات ارتفعت اغصانها عاليا مقتربة من السياج وامتد ظلها الى الفناء راسما صورة للأغصان والاوراق تتخللها اشعة الشمس الذهبية حيث الوقت صباحا من نهار صيفي ومن الطبيعي ان تشتد حرارته كلما دنا وقت الظهيرة.
نظرت الى ساعة يدي وتمتمت مع نفسي :-
هناك متسعا من الوقت …
تناهى الى سمعي صوت زوجتي التي تركتها قبل لحظات وهي مشغولة بإعداد الفطور قبل ان أخرج لاستنشاق هواء الصباح وارقب الافق فهذا ديدني منذ التحقت بعملي الجديد …
نعم …نعم …ها قد اتيت …
رديت على نداء زوجتي ودلفت الى البيت واخذت مكاني الى طاولة الطعام تقابلني زوجتي بينما الولدان كانا قد اعدى حقائبهما مستعدين لسفرة الى المدينة الاثرية برفقة عدد من الاصدقاء وجلسا الى المائدة وهما يتبادلان الحديث عن اهمية تلك الاثار وادركت انهما يريدان بهذا الحديث دفعي لا لقي عليهم بضع اخبار وقصص عن تلك الاثار .
لم احقق لهما طلبهما اذ لفت نظري نملة صغيرة اخذت طريقها الى طبق الخبز ورحت أتأملها ,اتأمل كفاحها للوصول الى هدفها اذ حاولت اول مرة لكنها فشلت وحاولت اخرى واخرى وادهشني اصرارها وكما حيرتني حركاتها التي كانت تؤديها وكأنها تكتب بأعضائها كلمات الدعوة او عبارات التحذير …
لماذا لا تتحدث الينا…؟
قطع علي لحظة التأمل تلك صوت احد الولدين متسائلا …؟
شغلتني هذه النملة الصغيرة…كم كافحت للوصول الى هدفها ولم تستلم فهي ذكرتني بنملة اخرى كان لها ذكر في القرآن الكريم الا وهي النملة التي حذرت قومها قائلة:
(يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون)
ووقفت تتحدث الى نبي الله سليمان عليه وعلى جميع الرسل السلام…..
وما الذي دعاك الى الحديث….؟
سألني ولدي هذا السؤال …؟
تنهدت بألم وبعد لحظات اجبت:-
النملة الصغيرة ادركت مسؤوليتها وعرضت نفسها للخطر المحتمل ووقفت قريبا من الخطر منذرة قومها ….يالله هذه النملة تحملت المسؤولية ولم تتواني في اداء واجب وجدت نفسها ملزمة به ولكني أتألم اذ اجد اليوم شعوبا معذبة تعاني مآسي الحروب الظالمة او الجوع او العطش او تفتك بها الامراض او الفساد المستشري او الجهل ولا تجد من يمد لها يد العون او يدق منبها لناقوس الخطر …
ودون وعي مني رحت اتحدث بنبرة غضب والم واسف مناديا :-
يا قرية النمل …يا قرية النمل …يا قرية النمل…
حدقت بي زوجتي وقد ارتسمت على محياها سمات الخوف والدهشة والف سؤال في ذهنها واقتربت مني وامسكت يدي وكأنها تنبهني الى ما انا فيه بينما حمل الاولاد حقيبتيهما وخرجا مودعين الى سفرهما واغلقا الباب خلفهما فما كان مني الا ان نهضت وكففت عن الحديث وهمست الى زوجتي قائلا:-
لا تقلقي انا بخير …فقط المشاهد التي نراها مؤلمة والعالم الذي نعيش فيه عالم رهيب يموت فيه الابرياء دون ان يشعر المتنفذون انهم مسؤولون عن هذا البلاء…
………………………..
على مرأى من العالم
تتوالى الاخبار
المجاعة تتسارع والهدنة تتعثر
فلسطينيون يتزاحمون على مساعدات غذائية شمال غزة
الملاذ يتحول الى منفى…دير البلح تنظم لقافلة النزوح تحت نيران الحرب
تهجير قسري لألاف العوائل …
مساعدات مذلة ومهينة وتسقط المساعدات على رؤوس النازحين
اخبار تتوالى تتحدث عن الاستشهاد …استشهاد الجوع والعطش وقلة المؤونة
*تفاقم الاوضاع الانسانية في غزة …وترقب لمصير مفاوضات وقف اطلاق النار
………………………..
على مرأى ومسمع
من الضحايا
يشحذ الجلاد سكينا
ويتقدم بخطوات
كل خطوة من الجلاد
تقرب المنايا
الجلاد ينظر الضحايا
وسكينه الحاد يلمع
يتوهج على نار
هي ليست النار المقدسة
هي نار اخرى
اوارها خوف عظيم
مصدره و طاقته
القلوب البريئة
…………….
عيون الضحايا
مسمرة ليد الجلاد
و قلوبهم واجفة
ونفوسهم خائفة
وايديهم مرفوعة
الى السماء
تطلب الرحمة
من رب السماء
………………………..
الجلاد يستمر بالعمل
شحذ السكين
شغله الشاغل
فهو لما يؤمر به
منفذ وعامل
ربما اقترب الاجل
وربما مات الامل
وضاقت حلقات المصاب
الموت على الابواب
والسكين على اعناق الضحايا
الضحايا الابرياء ينتظرون
والى ربهم ناظرون
ومازالت شفاههم
ترتل الدعاء
ولهذا قال الجلاد
كلمته وهي الفصل
إذ اصدر اليه الامر
من الجهات العليا
بيان اصدره
الى الضحايا جميعا
وبأعلى صوت
تلاه عليهم
قائلا :
وعن الجهات العليا
ناقلا:
انصتوا ونفذوا
صدر الامر
من الجهات العليا
صدر الامر
ممنوع ممنوع ممنوع
ممنوع تلاوة الدعاء
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
السكين على الشريان
والجلاد ينتظر البيان
من الجهات العليا
انه آن الاوان
والامر بقطع الشريان
لكن الجهات العليا
لم تعر الامر اهتمام
وظلت السكين تشحذ
ونصلها يمزق الاعناق
الموت البطيء القاسي يستمر
ويستمر معه نزف الدماء
والضحايا لاجئون
في منطقة وسطى
بين الموت والحياة
لاجئون لكنهم
ليسوا من الاموات
لاجئون لكنهم
ليسوا من ابناء الحياة
السكين معلقة على اعناقهم
كأي مشنوق معلق على المقصلة
ولا يدري باي لحظة تأتي الاشارة
ويحل القضاء
انهم في منطقة وسطى
بين الموت وبين الحياة
ولا خيار لهم فيختاروا
فهم مقيدون
ولحريتهم فاقدون
الاغلال في اقدامهم
القيود في الايادي
معصوبة عيونهم
بعصابة ليست كالعصائب
عصابة عيونهم المصائب
وامرهم ليس شورى بينهم
انما الامر والحكم
يختص به ذوو النفوذ
والمناصب

أحدث المقالات

أحدث المقالات