18 ديسمبر، 2024 10:04 م

حذار من النظام الرئاسي في العراق!!

حذار من النظام الرئاسي في العراق!!

بعد إن وجد القادة السياسيون المتحكمون بمستقبل العراق أن نظام العملية السياسية التي إستمرت لستة عشر عاما قد فشلت تماما في إنتاج نظام سياسي مقبول عراقيا ، وبعد إشتداد أزمة التظاهرات الحالية ، وما نتج عنها من هزات جماهيرية عنيفة، راح هؤلاء يبحثون عن (مخرج) آخر، يعيدوا من خلاله (تدوير) أنفسهم ، لهذا راح البعض (يروج) لأن يتم اختيار (النظام الرئاسي)، كوسيلة للخلاص من النقمة الشعبية التي سلطت جام غضبها وسخطها على الطبقة الحاكمة الحالية، وهم قد يجدون فيها من وجهة نظرهم (مخرجا) يعيد (الهيمنة) و ( الدكتاتورية) على السلطة بطريقة أخرى، وتحت عناوين أخرى مهلهلة ، مثل النظام الرئاسي، كونه يوفر لهم الفرصة للعودة مرة اخرى، تحت إطار (الاستفتاء الشعبي) !!

ولو طالب هؤلاء مثلا بعودة (الملكية) في العراق مثلا، لكنا قد قلنا انه ربما في الأمر وجهة نظر لها مايبررها، إذ مايزال ملايين العراقيين يتمنون لو تعاد فترة العهد الملكي ، لكان العراق الان أفضل بكثير من حيث المكانة، ويكاد يضاهي قوة ومنازل دول قريبة منها، وقد أوصلوا بلدانهم الى اعلى مراحل التطور والنهوض ، بالرغم من ان ثروات العراق ليس بأقل من ثرواتهم النفطية، ومصادر القوة والثروة التي يملكون، لكن العودة الى النظام الملكي أمر لاتتوفر له المبررات العملية ، ولم يفكر العراقيون ربما بالعودة اليه مرة أخرى!!

وبعد تفجر الاوضاع العراق وتزايد النقمة الشعبية في التظاهرات الاخيرة، راح بعض السياسيين يروج لفكرة العودة الى النظام الرئاسي ، عن طريق حل البرلمان والتخلص من النظام البرلماني نهائيا ، واجراء استفتاء شعبي ، يصوت من خلاله الشعب على اختيار رئيس جمهورية ، يكون هو حامي البلاد وله الكلمة العليا في تدبير أمور البلد وقيادة مرحلته الجديدة ، تحت اطار النظام الرئاسي!!

ولو كان العراق بلدا مستقرا ، ويكون مواطنيه من طيف ديني وقومي وسياسي موحد لأمكن تطبيق (النظام الرئاسي) ، ان توفرت وحدة وطنية وتوافق شعبي متماثل الرؤى والتوجهات، لكن المصيبة انهم قسموا العراق الى طوائف مذهبية مثل (الاغلبية الشيعية) و(الأقلية السنية) و(الأقلية القومية الكردية) واقليات اخرى مثل التركمان والمسيحيين والصابئة والشبك وتسميات أخرى ما انزل الله بها من سلطان، وراحت هذه المفاهيم تتركز في الواقع العراقي، وقسموا احياء بغداد والمحافظات على أساس (طائفي ومذهبي) وقومي واقليات دينية وسياسية، وتوزعت احياء بغداد الان على أساس طائفي ، لكن في ظل التغييرات الديموغرافية الواسعة، واتباع سياسة (الهيمنة الطائفية) ، هي من تجعل من أمر نجاح النظام الرئاسي صعبة للغاية، إن لم يعد انتاج (الهيمنة الشيعية) على الطوائف العراقية ، بطريقة اخرى، وربما تجد ايران فرصتها في اعادة هيمنتها على العراق مرة أخرى!!

ويعد النظام البرلماني الحالي في العراق على علاته، وفشله في تحقيق طموحات العراقيين، هو الأفضل نسبيا، والاكثر موائمة، للمحافظة على إرادات المكونات الطائفية والقومية العراقية، وهو وحده الذي يحفظ للمكونات التي تتهم بأنها أقلية أن بمقدورها في ظل نظام تقاسم السلطات الثلاث أن يكون مجلس النواب من حصتها، وبخاصة المكون السني، الذي يرى في الدعوات التي تهلهل للنظام الرئاسي انها حيلة كبرى ومخطط وأد إن صح التعبر، يكرس مفهوم الهيمنة للطائفة الشيعية، وبخاصة الموالية منها لايران، لكي تقيم نظاما شبيها بنظام ولاية الفقيه القائم في إيران. كما أن النظام البرلماني يحفظ للكرد، كذلك ان تكون سلطتهم مكفولة، تحت ظل تسلمهم لـمنصب رئاسة الجمهورية، ولو لم تكن هناك سلطتا مجلس النواب ورئاسة الجمهورية، لذهب كل من سنة العراق وكرده في خبر كان.

لقد بلغ بساسة المكون الآخر الذي يدعي الأغلبية أن سلطة رئاسة الوزراء، وكل الوزارات والقيادات العليا في سلطتي الدولة والبرلمان وباقي المؤسسات الاخرى لم تعد تكفيهم او تشبع نهمهم، وهم يريدون الاستحواذ والهيمنة على كل مقدرات العراق وثرواته ومكونات شعبه الأخرى، وياليتهم لو وظفوها لبلدهم، ولكنهم يسرقونها ويمنحونها لبلد آخر، ولا يترك لباقي المكونات العراقية الأخرى، الا بقايا عظام نخرة، وربما تتم معاملتهم على أنهم “كلاب” ينبغي إعطائهم “عظمة” لكي يكون بمقدورهم أن يكردشوها، أي انه يمكن الهائهم بتلك العظمة، وعليهم أن يقبلوا بها، والا يتم حرمانهم، من كل شيء، كون هؤلاء الساسة يمتلكون ثروة النفط ضمن محافظاتهم، والعدد الكبير من الاتباع هناك، ويجدون ان بإمكانهم ان يهيمنوا على أي معلم متبق لشكل الدولة، لكي لا يبقى معلم من معالم دولة في يوم ما، إذ أن رجال دينهم أصلا لايؤمنون بـ بمنطق الدولة حتى وان حكمها ساستهم أنفسهم، فهم لا يؤمنون بأي حاكم حتى من طائفتهم، وهذه النظرة ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج فترات عشرات السنين، ومنذ عهد الملكية وحتى الان، وهم يريدون ان يجنوا من الدولة حليبها، ويجنوا منها الثروات، بطرق مختلفة من الهيمنة على المقدرات، وما يتبقى من فضلة فيترك للآخرين من أبناء العراق من طائفتهم الفقيرة المعدمة، ولبقية الطوائف والمسميات الاخرى.

ولهذا فإن أي تفريط من قبل المكونين السني والكردي بالنظام البرلماني فلن تقوم لهم قائمة بعد اليوم، وسيتذكرون أنهم كانوا في يوم ما في السلطة ولهم بقايا نفوذ. اما في النظام الرئاسي، فسيبقى مصيرهم “مولدا بلا حمص” كما يقال.

النظام الرئاسي، لن يكون ملائما للمكونات العراقية، في كل الاحوال، وهم يريدون لهم فقط، لكي يحتكروا هذا المنصب المهم لهم وحدهم، وهو عملية نصب أفخاخ وخدعة كبيرة، بل ومؤامرة خطيرة، على المكونات العراقية، ولن يقدم لها خدمة إن لم يسلب منهم بقايا المكتسبات التي حصلوا عليها، والتي يراهنوا من خلال سلطتي البرلمان ورئاسة الجمهورية لكي تحفظ لهم بقايا ماء وجههم، إن صح التعبير.

والأخطر من هذا هو ما يجري من عمليات تغيير ديموغرافي واسعة النظاق ومتعددة الاشكال والوجوه، تجري في كل مدن العراق، وبخاصة في بغداد والمحافظات الغربية، والخطوة الأولى تتجه نحو التشييع الواسع النطاق في تلك المحافظات، من خلال تواجد أحزابها وجماعاتها المسلحة، لتمتد دولة ولاية الفقيه من ايران حتى سوريا والاردن ولبنان، وعلى المكونات العراقية الأخرى أن لا تقع هذه المرة ضحية عمليات نصب واحتيال وتآمر يستهدف وجودها، ولهذا يجب المحافظة على النظام البرلماني، على ضعفه ومحدوية امكاناته، فهو الوحيد الذي يحفظ للسنة وللكرد ولباقي الأقليات، بقايا هيبتهم، ولكي لا نقرأ على العراق السلام.

وفي هذا الصدد أكد خبراء وسياسيون عراقيون مخضرمون أن (النظام الرئاسي) في العراق الذي يدعو اليه (البعض) ويروج له بعض السياسيين ، يعد الوجه الأكثر عودة للدكتاتورية وشكلا آخر من أشكال الإستبداد والطغيان والهيمنة ، يراد له أن يعود الى العراق!!

وقد وجدت ان من الضرورة القصوى بمكان إعادة التحذير من مخاطر النظام الرئاسي ، حيث حظيت ملاحظاتي باهتمام خبراء ومخضرمو سياسة من أبرزهم السياسي المخضرم المستقل والنائب السابق الاستاذ حسن العلوي ، والسياسي والباحث المستقل نديم الجابري اللذين أوضحا في حوارات تلفزيونية قبل أيام تأثيرات ومخاطر طروحات النظام الرئاسي في العراق، مشيرين الى انه يعد نوعا آخر من العودة الى أساليب الاستبداد والدكتاتورية ، وهو حالة هروب الى الامام، بسبب ما آلت اليه العملية السياسية في العراق من فشل ذريع واخفاقات مريرة، صب عليها العراقيون جام غضبهم ، وهم يلعنون ايامها السود التي حولت ايام العراقيين الى ليال حالكة!!

وهنا يؤكد السياسي والنائب السابق الأستاذ حسن العلوي النائب السابق حسن العلوي : إحذروا النظام الرئاسي فانه يورث الاستبداد ، وهو اسهل الطرق الى الدكتاتورية ، مشيرا الى ان النظام البرلماني الذي يدعو له البعض من السياسيين يبقى هو الافضل، كونه يوفر فرصا للمكونات العراقية ان يبقى لها وجود مؤثر داخل العراق، أما النظام الرئاسي فهو عودة الى النظام الدكتاتوري ووجه آخر للاستبداد ينبغي الحذر منه وعدم الوقوع في حباله مرة أخرى، فقد تجرع العراقيون منذ الخمسينات مرارة النظام الرئاسي ، وعانوا ما عانوا في كل العهود من عدم وجود قادة حقيقيين يعبرون عن طموحاتهم في ان يتوفر لهم الامن والسلام والعيش الكريم!!

أما الخبير والباحث والسياسي المستقل نديم الجابري فقد أوضح في حوار تلفزيوني ان مخاطر المطالبة بعودة (النظام الرئاسي) في العراق ، مشيرا الى انه (محاولة هروب) من بعض السياسيين الفاشلين ليعودوا الى الحكم مرة أخرى ، وهو شكل آخر من الاستبداد والدكتاتورية ، ويعد رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي أول من طالب كثيرا وألح على المطالبة بإقامة نظام رئاسي في العراق، وهو يحاول ان (يقلد) تجارب أنظمة رئاسية أخرى في تركيا او الولايات المتحدة ودول اخرى ، ظنا منه أن بأمكانه أن (يهيمن) مجددا على القرار العراقي ويضعف بكل تام دور الرئاسات الثلاث، بحيث لايبقى سوى رئيس الجمهورية الذي سيجري انتخابه من له السلطة والكلمة العليا في الاستحواذ على مقدرات البلد ، وهو مايزال حتى هذه اللحظة يدعو اليه عبر مختلف أشكال الترويج الدعائي وفي مناسبات كثيرة، محاولا استغفال عقول كثير من البسطاء والفقراء من أن اقامة نظام رئاسي في العراق هو الحل الامثل ، دون ان يدرك الاخرون أنه مجرد (محاولة) للعودة مرة اخرى الى كرسي السلطة الاول وتحت واجهة أخرى هي النظام الرئاسي، وهو يعد النظام البرلماني (تكبيلا) لسلطة رئيس الوزراء والحيلولة دون تفرده بالقرار ، وهم حلم بقي المالكي واعضاء ائتلاف دولة القانون يطرحونه بإستمرار وحركوا الشارع لفترات طويلة واقاموا تظاهرات تطالب به، بعد ان وفروا لهم الدعم، عل بمقدوره ان يعود الى واجهة الحكم كرئيس للبلاد مرة أخرى في العراق..والان راح رئيس حركة فتح هادي العامري يروج للنظام الرئاسي ،ويعترف بأن النظام السياسي الحالي فشل في ان يحظى بمقبولية العراقيين ومن الافضل من وجهة نظره الذهاب الى النظام الرئاسي والتخلي نهائيا عن النظام البرلماني!!

ويخلص كل من الجابري والعلوي وأغلب سياسي العملية السياسية نفسها ممن عانوا من ملآسيها وويلاتها، الى ان العملية السياسية فشلت في كل صورها، وان الافضل للعراقيين هو إقامة نظام سياسي ديمقراطي حقيقي ، يحترم تطلعاتهم ومكوناتهم جميعا بلا تمييز في اطار محيط عربي، يعيد للعراق وجهه العربي الاصيل، ويكون دوره مؤثرا وفاعلا، وهو يمتلك من الكفاءات العراقية المقتدرة ما يمكنها من قيادة البلد الى شاطيء الامان!!

وفي هذا الصدد ايضا أكد الروائي العراقي أحمد سعداوي “إن وضع صلاحيات وسلطات أكبر في يد شخص واحد، في العراق ، مع ثروات ريعية ، يراكم الثروة المجانية في يد السلطة،، هو وصفة لانتاج ديكتاتورية ستعمل على قمع وخنق المجتمع ومن يعترض عليها. ثم نأتي لنثور عليها ونقدم الخسائر حتى ننزع السلطة من يد رجل واحد وتوزيعها على أكثر من مركز قرار”.!

واضاف سعداوي ردا على قيام متظاهرين وسياسيين بالمطالبة بنظام رئاسي في العراق ” لا أعرف بصراحة حجم المؤيدين لمطلبٍ كهذا، ويغامرني الشكّ في أنه “مدسوس” على شعارات المتظاهرين، أو ربما من يرفعه لا يعي هذا المطلب وأبعاده بشكل فعلي، وانما هو يبحث عن شيء مناقض للنظام الحالي لا أكثر ويتصوّر أن فيه الخير والصلاح”..

وأوضح “أن السلطة في النظام الحالي تتوزع ما بين مؤسسات البرلمان والرئاستين، للوزراء والجمهورية والمحكمة الاتحادية، واقرار لا مركزية الدولة ووجود صلاحيات للمحافظين والأقاليم، مناسب جداً لكبح الاغراءات السلطوية التي يمثلها تمركز الصلاحيات في يد رجل واحد”.

هذه بإختصار تحذيرات من أعلى المستويات من مخاطر عودة الاستبداد والطغيان والدكتاتورية ينبغي توضيحها للرأي العام العراقي للتذكير بمخاطرها وما يجري بشأنها من محاولات (إستغفال العقول) لعودة اجواء التسلط والاستبداد والدكتاتورية ومحاولة للهيمنة على مقدرات البلد ورهنها لدول اقليمية لاتريد الخير للعراق بل تضمر له الشر والضغينة، وهي من تشجع كل طامع يحقق لها سعيها للهيمنة على مقدرات العراق مرة أخرى!!