23 ديسمبر، 2024 12:05 م

حديث المسامحة والمصالحة الوطنية

حديث المسامحة والمصالحة الوطنية

هذا الحديث ، كأنه الطريق لرحلة طويلة مليئة بالخيال الذي يشبه خيالات رحلة السندباد وعلي بابا .
حديث المصالحة الوطنية ومواثيق المسامحة والتسامح ، عهود الصفحة البيضاء المشرقة الجديدة التي نريد (( الآن ! )) توثيقها والبداية بصفحة جديدة وفصل جديد من فصول الحياة العراقية المتأرجحة بين الأرض والسماء ، لاترتفع الى ذاك ولاتسقط الى هذا .
ورغم الأعتزاز الكبير والأهمية الكبيرة لهذا الحديث لما يشكله من أهمية بالغة لكونه يتعلق بأساس بنائنا وقيامنا ونهضتنا ، ورغم تقديري البالغ واحترامي الشديد لكل المتحدثين والمبادرين والمساهمين والداعمين الذين يستحقون أن ننحني احتراما لخطواتهم ومحاولاتهم في هذا الأطار .
رغم كل ذلك يترتب علينا أن نجري مع أنفسنا بعض المراجعة التي تعتبر مساهمة مهمة في تقويم وانجاح هذه التوجهات الكريمة وعلينا الأقتراب أكثر مما يدور في محيط المواطن العراقي البسيط ، مايفعله أو يفكر به هذا المواطن لكونه هو (( اللبنة الأساسية )) وهو مادة وفعل وهدف وغاية هذه التوجهات .
ولأجله أجد ان من واجبي أن اساهم وأقول :
ان هذا النسيج العراقي بمكوناته وطوائفه وفئاته جميعا قد نشأ وتطور في حوض وادي الرافدين كما نشأت الأخاديد والصخور والتضاريس والرمل والحصى والعشب والقصب والنخيل والشجر والطير على هذه الأرض . وقد تطور التعايش والأختلاط والتداخل فيما بين هذه المكونات حتى أصبح منغرسا بجذور عميقة في الأرض العراقية ، هذه السجادة المنقوشة بألوان وزخارف ممتزجة تشكل جمالية وتضفي قيمة ورصانة ووحدة للوحة الواحدة المتعددة الألوان والنقوش .
ادخل الى أية مدينة عراقية (( بغداد المثال الأشمل )) ستجد هذا التعايش وسوف تلاحظ آثاره وعلاماته ودلالاته محفورة في قرارة النفوس العراقية ، فلا يوجد بين الناس البسطاء – العاديون – ناسنا الذين نعرفهم وتربينا بينهم علامة أو شاخصة للتمييز بين هذا وذاك على أساس المذهب أو الدين أو العرق وبالذات في الأحياء والمدن الكبيرة . ففي داخل شوارعها وأزقتها وبيوتها ستجد ألف ألف حكاية انسجام وتعايش وتعاون وألفة وتراحم وتواصل بين أبناء المذاهب أو الأديان أو الأطياف المختلفة في المنطقة الواحدة الذين لم تثر بينهم هذه النعرات والتي كانت وستبقى بينهم مجرد مزحة أو ملاطفة لاأثر لها ، فأم محمد وأم نسيم وأم حيدر وأم جوزيف وأم وهاب كلهن أمهات عراقيات في محلة واحدة توالدن وتناسلن وتعايشن وتعاضدن أجيالا في هذا المكان بالألفة والتعاون والتعاضد والتراحم بينهن وبين أولادهن ورجالهن وبناتهن . لم تحجب بينهم الأنتماءات المتوارثة الى الشيعية أو السنية أو المسيحية أو الصابئية أو غيرها ـ ولم تخلق بينهم هذه النعرات أية حواجز أو موانع في التواصل أو الأندماج والأنصهار في وحدة المجتمع . أما خصوصية العبادات أو الشعائر فكانت ولازالت هذه شأنا خاصا ككل الخصوصيات المتعلقة بالفرد أو بالعائلة ولكل الحرية والخصوصية بأن يتبع ماتربى عليه وماورثه عمن قبله من أسلافه . وقد نشأت حريات العبادة وطقوس التعبد وجرت بين الناس على امتداد الرافدين , وتوارثتها الناس بتلقائية وبساطة وهدوء كتوارث البقاء والديمومة على هذه الأرض وجرت وانسابت بين مكونات وفئات المجتمع برتابة كما ينساب دجلة والفرات بطول العراق وعرضه .
التيارات السياسية والفكرية المنغلقة والأحزاب السياسية والحركات ذات الأفكار الضيقة المؤدلجة لأغراض وغايات بعيدة المدى هي التي تسببت بين فترة وأخرى بأضطرابات واهتزازات في هذا النسيج المتآلف . هي التي نثرت الغبار والأصباغ والألوان القاتمة المغبرة على وجه هذه السجادة الجميلة التي تم نسجها عبر تطور وتفاعل تأريخي موغل في القدم , منذ جدلية نشوء المدن والممالك القديمة التي كونت في حاضرها مايسمى – بلاد الرافدين – . هذه التيارات والأحزاب والموجات الفكرية هي التي سعت سعيها لأجل اثارة عواصف الغبار وذر الرماد في العيون ,
وهي التي مارست دورها لأجل الأستفادة من تمزيق هذه اللحمة العراقية الواحدة الى مكونات صغيرة بأسماء طائفية ودينية وعرقية توظفها لكي تعتاش عليها . فالدولة العثمانية وظفت الكثير من الأحداث لأجل اثارة مثل هذه النعرات بهدف تمزيق هذه اللحمة – الوحدة العراقية – . والأستعمار البريطاني وتوابعه وأحلافه أيضا سعى نفس المساعي الصارخة . . لكن , ما ان ولت الدولة العثمانية وولى الأنكليز حتى عاد النسيج العراقي ليلفظ مثل هذه – الغزوات – الغريبة عن طبيعته وسجيته ويلتحم ويتعاضد ويندمل ماكان قد تمزق منه .
عروش الحكومات التي تعاقبت على العراق طيلة نصف قرن من الزمان أيضا سعت بشكل حثيث وبأشكال مختلفة الى الأستفادة من العامل الطائفي أوالعرقي لأجل تثبيت وديمومة عروشها . وما أن تنجلي العواصف ويذهب الغازي ويندحر السلطان أو الدكتاتور حتى تعود المدن والأزقة و- الدربونة – الى الفتها ونسيجها المتآلف بين كل الأطياف والذي نشأ معها صميميا – بسيطا – طبيعيا – وجدانيا – بدون تكلف وادعاء .
الحديث اليوم عن مصالحة – مسامحة – سلم اجتماعي – سمه ماشأت , هو حديث مبتور يختزل تاريخ التكوين العراقي كله .
نحن نجل ونحترم ونشد على يد كل السائرين فيه والداعين له فهو – نية – وهدف سام يستحق منا كل شيء . لكن علينا أن نسأل السؤال الذي طرحه الكثيرون :
من يصالح من ؟ ! . ومن يتصالح عن من ؟! . ومن يمتلك المفتاح والعروة ليتحدث عن آلاف مؤلفة من الضحايا بمختلف الوجوه والمستويات لعل أوضحها مايبدو لنا من شهداء ومفقودين وضائعين ومشردين ومحرومين ومعوزين , الاف مؤلفة من الأرامل واليتامى والنائحات والمكلومات ومجروحات القلوب والوجدان , الاف مؤلفة ممن فقدوا ذويهم في مطحنة الحرب وفي هجمات التخريب والحرق والتفجير , آلاف مؤلفة ممن ضاع مستقبلهم وتحطمت أمانيهم واندثرت سبل عيشهم واتلفت أسباب رزقهم . . القائمة طويلة ومتعددة الوجوه والحالات التي يصعب حصرها . هؤلاء كيف يتم صياغتهم واحتوائهم وكيف يتم بضع جراحهم وايقاف نزيف قلوبهم , من يمثلهم ويتحدث بالنيابة عنهم ؟ ! .
هؤلاء يعرفون جيدا ان من قادهم الى الحفرة والهاوية وأوصلهم الى هذا الحال لم يكن شيعيا أو سنيا أو مسيحيا ولاأي مكون أو طائفة , وانما هي مؤامرة كبيرة خططت منذ سنوات بعيدة وكان يراد الآن تنفيذها على الخارطة العراقية بواسطة
الذيول والأذناب والمرتزقة وسماسرة الأجندات التي تصب في مصلحة اسرائيل وذيول اسرائيل .
أطياف المجتمع العراقي متصالحة ومتسامحة فيما بينها وهي قد استوعبت الدرس , وهاهي تفرز الاف مؤلفة من النماذج العراقية البطلة الخيرة المقدامة وتدافع في معارك البطولة والتضحيات عن عراقيتها , هذه ستكون القدوة العراقية .
دع العاصفة تمر وسترى كيف تعود اللحمة ويتشابك النسيج العراقي النظيف فيما بينه بلا تطبيل ولاتزمير .
للأجابة على الأسئلة أعلاه , يجب ان يكون الحال كما يلي :
1- في مدينتنا – منطقتنا – قريتنا – دربونتنا – يتم تشخيص ومحاسبة المسيء والمخالف والمنحرف بمقدار فعله واساءته وانحرافه .
2- يثاب ويكافأ كل – فعل وطني اجتماعي – شريف ومخلص وصادق في كل المجالات – الأخلاقي – الخدمي – الثقافي – الأنساني . ويتم اعطاءه قدره ورعايته وتطويره وتنميته .
3- تعاد الأشياء والأشخاص والعوائل والمكونات الى مكانها قبل العواصف .
وانتهى الموضوع , خلصت السالفة , لكن : لأجل ذلك نحن لسنا بحاجة الى مؤتمرات ولقاءات ووساطات وبعثات ووفود وتكاليف وجهود في الفراغ الطويل والعريض قد نصل بها الى نتيجة أو قد لانصل .
فلأجل ذلك نحن بحاجة الى أن نلمس :
1- (( قوة الدولة )) و(( حزم الحكومة النظيفة ! )) التي تعرف واجباتها وكما يقولون لاتخشى في الحق لومة لائم .
2- حزم وصرامة وعدل القانون وكفاءة رجاله ومشرعيه التي تمكنهم من تحريم وتجريم ومعاقبة كل فعل أو قول أو بادرة أو نفس طائفي أو عرقي .
وعليه :
فليكن بناء وموازرة الدولة والحكومة الكفوءة بالمعنى الكامل للقدرة والكفاءة وحسن التصرف هو الهدف الأول . وليكن تفعيل القانون كما يجب واصدار التشريعات التي تحارب التوجهات الأنقسامية هو الهدف الثاني .
الدولة الحصينة المصانة والقانون الرصين الفعال الموجه للأغراض الوطنية هما ضمانة نجاح كل المشاريع والنوايا الطيبة , وهما جهة التمثيل العام والشامل لكل الشرائح والحالات التي ذكرناها أعلاه .
الدولة والقانون :
هما (( المسطرة )) المستقيمة ، المقياس الثابت التي يجب أن تصطف وترصف اليه كل الأشياء والميول والأتجاهات فيظهر مدى اعوجاجها أو أعتدالها .
[email protected]