23 ديسمبر، 2024 12:27 ص

حديثٌ عن الفواتح .!

حديثٌ عن الفواتح .!

ليس معروفاً وجود او عدم وجود احصائية دولية ” سنوية او شهرية ” بالوفيات في كافة دول العالم , لكنه بسهولةٍ افتراضيةٍ شديدة المنطق أنّ العراق هو البلد الأول او في المرتبة الأولى في اعداد الموتى , وتعود اسباب ذلك اولاً الى الغزو والأحتلال الأمريكي – البريطاني للعراق في عام 2003 وما تسبب به من اعدادٍ كبيرةٍ في الشهداء من العسكريين والمدنيين , واستمرّ ذلك الى غاية انسحاب القوات الأمريكية في سنة 2011 وما تسبب به من اعدادٍ كبيرةٍ في الشهداء من العسكريين والمدنيين , حيث كان الأمريكان يفتحون النيران المفرطة على عمليات المقاومة العراقية , وقد تزامن ذلك بتوائمٍ وتناغم ! مع سلسلةٍ من عمليات الأغتيال والتصفيات الداخلية , ثمّ تضاعف القتل بظهور المفخخات والعبوات اللاصقة والناسفة سواءً قبلَ او بعد ظهور ” القاعدة ” والحرب الطويلة مع تنظيم داعش , ولا نجرد ارتفاع اعداد الوفيات والقتل من النزاعات العشائرية المسلحة وكذلك اعمال الخطف والقتل لإسبابٍ اجراميةٍ وجنائية , بالأضافة الى مسألة انتشار الأدوية المنتهية الصلاحية , وعدم دقة تحليلات المختبرات الصحية الأهلية , وحتى التشخيصات الخاطئة لبعض الأطباء . وهذا ما جعل انتشار الفواتح في طول وعرض العراق سواءً اقيمت داخل المساجد او القاعات الخاصة او في ” الجوادر ” وسطَ الشوارع الفرعية في المناطق السكنية , بل بلغ الأمر حدّته في صعوبة الحجز في الجوامع والصالات الخاصة بسبب وجود اكثر من ” فاتحة ” في ذات المكان .

ومع تضاؤلٍ نسبي في اعداد الموتى ” رحمهم الله ” والأنخفاض في نسبة اعمال التفجيرات , مما أدّى الى سهولةٍ اكثر في الحجز في اماكن العزاء ! , إنما يُلاحَظ ” سلباً ” أنّ الكثيرين من العوائل التي ينتقل احد اعضائها الى الرفيق الأعلى , فأنهم يقيمون مراسم الفاتحة في اوقاتٍ او توقيتاتٍ غير مناسبة على الإطلاق , فالكثير منها تقام من الساعة الثالثة – الى الخامسة بعد الظهر , وهذا هو وقت عودة الموظفين واصحاب القطاع الخاص ووصولهم الى منازلهم , بينما جرت العادة قبل الأحتلال أن تكون مواعيد الفواتح من السادسة او السابعة – الى التاسعة مساءً , وكان ذلك انسب بلا شكّ .

النقطة الجوهرية الأخرى في هذا الشأن , والمستمرة منذ ” ربما ” مئات السنين او اكثر , هي عملية توزيع القهوة على المعزّين في تلك الفناجين المعروفة ” ودون غسلها بعد ارتشافها من كلِّ شخصٍ متواجدٍ هناك , وهذا في الواقع يؤدّي الى التصاق وانتقال مادة اللعاب ” SALIVA ” على حافّات الفناجين المستعملة من شخص الى آخرٍ, والتي قد تؤدّي الى انتقال عدوى امراضٍ ما مفترضة من شخصٍ واحدٍ مصاب الى جميع الحاضرين , والمفارقة أنّ الكثير من الناس على ادراكٍ مسبق في ذلك .! ومن الغريب عدم تغيير هذا النهج غير الصحّي الى استخدام اقداح كارتونية لأستعمالات المرة الواحدة DISPOSABLE , لكن ذلك ينبغي تسويقه بتحذيراتٍ مكررة من وزارة الصحة عبر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا وكذلك من منظمات المجتمع المدني .

من الغرابةِ ايضاً وفي اقصى درجاتها أننا نتمسّك ونتشبّث ببعض التقاليد البالية ولا نفكر في تطويرها وتحديثها , بما لها من مصلحةٍ عامة للجميع , فالعادة الجارية لدينا أن تبدأ اجراءات إقامة الفاتحة في نفس اليوم الذي توافي المنيّه احد المواطنين او في اليوم الثاني الذي يعقبه , وما يتطلب ذلك من استحضارات وتهيئة بعض المستلزمات المتعلقة بالفاتحة , بينما تكون العائلة التي فقدت فقيدها في حالةِ حزنٍ شديد وبأعصابٍ متوترة وبوضعٍ نفسيٍ صعبٍ للغاية , مما لا يتناسب بتاتاً في الأنهماك في إعداد وتهيئة متطلبات الفواتح < ويُشار في هذا الشأن , أن بعض اقارب العوائل ” وخصوصاً المتعلقة بالجانب العشائري ” يهرعون الى بيت عائلة الفقيد ويكون هنالك مبيت لثلاثة ايام مع اجراءات تهيئة الطعام لهم والمستلومات الأخرى ” > بينما العائلة في وضعٍ مأساوي يصعب تصوّره . وبهذا الشأن فلماذا لا نغيّر تقاليدنا هذه ونعمل سويّةً أن تجري مواعيد الفواتح بعد ثلاثةِ أيامٍ من اية حالة وفاة , بغية إتاحة الفرصة لأيّ عائلةٍ تفقد أحد احبائها , كي تلتقط انفاسها وتأخذُ قسطاً من الهدوء والراحة النفسية والعاطفية , ومن ثَمّ تتفرغ لإستقبال المعزّين , ولكن كيفَ يمكن التغيير .! وهو ليس بمستحيل.