18 ديسمبر، 2024 11:23 م

حديثٌ خاص عن الزعيم عبد الكريم قاسم !

حديثٌ خاص عن الزعيم عبد الكريم قاسم !

على الرغم من عشرات الكتب ولربما مئات المقالات والدراسات التي نُشرت عن قائد ثورة \ انقلاب 14 تموز 1958 ” وشاركنا في بعضها ” , والتي استمرّت قرابة نصف قرنٍ من الزمن , وليس بمستبعدٍ أن تستمرّ اكثر كلّما ظهرت حقائق جديدة حول الزعيم قاسم شخصياً او عن مرحلة ما يدنو من 5 سنواتٍ امضاها في الحكم الجمهوري الجديد .

وبخروجٍ جانبيٍّ مؤقت عن صلب الموضوع , فقد تقتضي الأشارة الى أنّ الرئيس الراحل عبد السلام عارف ” القائد الميداني الذي نفّذ حركة تموز 1958 , كان قد رفض الإجابة عن سؤالٍ لرئيس المحكمة العسكرية العقيد فاضل المهداوي ” أمام شاشة التلفزيون ” قائلاً : إنّ للثورة اسرارا لا يعلمها الاَ الله ” , ولا شكّ أنّ هنالك معلوماتٍ وحقائق تتعلّق بالمرحلة التي سبقت حركة تموز ولم يجر كشفها الى غاية الآن وربما باتت في اندثار سيما بعد وفاة معظم او جميع رجالات تلك المرحلة , او سواها من اسبابٍ اخرى ايضا .

من الملاحظ أنّ الزعيم – العميد قاسم والذي يعتبر مؤسس الجمهورية العراقية ” بغض النظر عن التوجهات الأساسية لذلك في تنظيم الضباط الأحرار ” , فلم يقم بتنصيب نفسه رئيساً للجمهورية ! ولم يكن ما يمنعه دون ذلك وخصوصاً أنه الأعلى رتبةً في تنظيم الضباط الأحرار الذين كانوا معظمهم برتبة عقداء , وأنّ سياسة وتوجهات قاسم اثبتت انفراده وتفرّده في اتخاذ القرارات وشؤون الحكم , حيث اكتفى بتعيين نفسه رئيساً للوزراء وقائدا عاماً للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع بالوكالة , حيث وكما معروف قام باستبدال وتعويض منصب رئاسة الجمهورية بتشكيلِ ” مجلس السيادة ” برئاسة الفريق نجيب الربيعي وعضوين آخرين , حيث كان موقع الفريق الربيعي رمزياً وبروتوكوليا ومجردا من اية صلاحيات , كي لا تكون ايّ منافسة للزعيم قاسم الذي اختار هذه التشكيلة الرئاسية في محاولة شبيهةٍ نسبياً لما قام به الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والضباط الأحرار بتعيين اللواء محمد نجيب رئيساً شكلياً لمصر إثر الأطاحة بنظام الملك فاروق , وجرى الأبقاء على الرئيس محمد نجيب لنحو سنتين وتمت ازاحته بعد ذلك وتولى عبد الناصر الرئاسة كما معروف .

ويبدو في استقراءاتٍ سيكولوجيةٍ ” الى حدٍّ ما ” وتخلو من الجزم أنّ قاسم لم يجد في نفسه المؤهلات السياسية والثقافية الكافية لإظهار نفسه كرئيسٍ للجمهورية أمام الجمهور العراقي وأمام الأقطار العربية ” بالأضافة الى افتقاده اية خبرةٍ في العلاقات الدولية والأقتصاد وشؤون ادارة الدولة , وقناعته الذاتية بتوجهاته العسكرية البحتة , على الرغم من أنّ دور قاسم في الحكم قد فاق او بموازاة موقع رئيس الجمهورية المفترض . حيث ايضاً من خلال كلّ الكتابات عن تجربة الحكم القاسمي فلم نجد اياً من الباحثين ليجيب عن سبب عدم تولي الزعيم لرئاسة الجمهورية العراقية الأولى .! وعسى ونتعطّش أن نستمع يوما الى ما يفنّد هذا الرأي .

من جانبٍ آخرٍ , فصحيح أنّ قاسم ورفيقه عبد السلام عارف هما المسؤولَين المباشرين في عدم تأمين سلامة العائلة المالكة وسيما النساء وقتل الملك الشاب فيصل الثاني , وثمّ ما جرى من مجزرة السحل والدماء والتمثيل في الجثث , لكنه ينبغي الأدراك والأعتراف بوجود ثقافة الدم المكبوتة عند رعاع التيار اليساري وعلى صعيدٍ اجتماعي محدود والتي انفجرت مع تفجّر حركة 14 تموز , وكان لأثر العامل الأقتصادي المتردي في الحكم الملكي والتأثر بشعارات حركة القومية العربية التي اجادها الرئيس عبد الناصر , قد كان مناسبةً للتنفيس المكبوت عند رعاع العنف اليساري الذي ساد المنطقة , أنما وكما اشرنا فذلك لا يبرر لقادة الحركة حصول ما حصل مما شوّه صورة العراقيين آنذاك .

هنالك عوامل مساعدة اخرى شددت ولعبت دورا فاعلاً في تخبّط قاسم في ادارة الحكم , ولعلّ اولها تخلّي ومعارضة معظم الضباط الأحرار عنه وعن سياسته المناوئة للمد القومي , ثورة الشواف وما رافقها من اعدامات , احداث مجزرة الموصل وكركوك وركوب الشيوعيين للموجة الذين دعموا قاسم لأبعد الحدود وتجاوزها مما اربك سياسة قاسم وانقلابه عليهم , وكذلك تعرّضه لمحاولة الأغتيال في 7 تشرين اول عام 1959 , كل تلك وغيرها مما لا يتسع ذكره هنا قد لعبت دوراً حيوياً في سيكولوجية وسلوكية الزعيم قاسم وانعكاساتها على الشؤون الداخلية والخارجية للعراق , وقد آثرنا اليجاز المكثف هنا مراعاةً لتوقيتات النشر .