19 ديسمبر، 2024 3:08 ص

حدود انتفاضة تشرين الاحتجاجية في العراق

حدود انتفاضة تشرين الاحتجاجية في العراق

القوة التي ظهرت بها انتفاضة الاول من اكتوبر هذا العام من حيث التحشيد الشعبي وقوة الاحتجاجات وامتداداتها على شرائح مختلفة، خرجت من اطار المظاهرات بصورتها التقليدية الى عصيان مدني شمل اغلب الدوائر الحكومية والمدارس والجامعات في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية من العراق كوسيلة ضغط من اجل تحقيق المطالب منذ ما يقارب نهاية شهر اكتوبر ولغاية الان، وقد مر اكثر من شهرين ولا تزال الحياة المعطلة بفعل هذه الاحتجاجات، هذا الحضور الشعبي ذو الطابع الشبابي الذي يعد القوى في العراق بعد عام 2003 جعل الكثير منا يتساءل عن حدود هذه الانتفاضة من حيث المطالب، كلنا يدرك حجم الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وكيف وظفت الاحزاب الحاكمة وجودها السياسي في استغلال المواقع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وما الذي فعلته المحاصصة في اضعاف الدولة وقصور موسساتها ونقص على مستوى الاداء؟، ناهيك عن اثر التدخل الخارجي السلبي في تدمير البلد وتحويله الى ساحة حرب بالنيابة؟، من جانب ثاني هناك استفهام يوجه باتجاه مطالب الحركة الاحتجاجية، ماهي مطالب الحركة الاحتجاجية وما الذي تحقق منها، لماذا لم تقتع الجماهير المنتفضة ببعض المقترحات والتشريعات لغاية الان؟ هل هي مقدمة لانسداد افق الحل؟.
فمن خلال المتابعة اليومية للأحداث ومراقبة مطالب المحتجين وتفاعلهم مع الواقع العراقي يبدو انهم غير مجمعين على توجه معين لاسيما وان الحركة الاحتجاجية متنوعة الشرائح والمشارب وخلوها من القيادات لغاية الان مع انها تنظم عملها واهدافها من خلال ما يعرف بالتنسيقيات، وعليه يمكن بيان حدود مطالب الحراك الاحتجاجي في العراق من خلال الاتي:
التوجه الاول: يطالب بإصلاح العملية السياسية
من الملاحظ ان هناك من يطالب بإصلاح العملية السياسية عبر اقرار تشريعات جديدة او تعديل المشرع منها بما ينهي اخطاء الستة عشر عام الماضية والاخفاق في ادارة الدولة، وهذا التوجه تكاد تكون اغلب القوى الوطنية المشاركة في العملية السياسية التي ترغب بالإصلاح مجمعة عليه، كما ان المرجعية الدينية في النجف وكربلاء وحتى في مدينة قم ترغب بان يكون الاصلاح من داخل العملية السياسية، ولعل ابرز مثال على ذلك ما جاء في خطب الجمعة منذ الاول من اكتوبر وحتى خطبة اليوم السادس من سبتمبر، اذ في كل مناسبة توكد المرجعية الدينية على تعديل قوانين الانتخابات، وصلاح قانون المفوضية، وانهاء المحاصصة، والغاء الامتيازات وتحقيق العدالة الاجتماعية، وسيادة القانون وتفعيل دور المدعي العام والقضاء بشكل عام، وكذلك تعديل الدستور، يشاطرها في ذلك النخب الاكاديمية والمثقفة والمراقبين للعملية السياسية، وذلك ان اصلاح العملية السياسية يجنب العراق العودة الى مرحلة الصفر في بلد مثل العراق لا يزال يعيش حالة المكونانية والمصالح الضيقة لأحزاب الطوائف والقوميات، وفي ظل تعقيدات خارجية وصراع اقليمي يريد ان يجعل من العراق ساحة حرب وتصفية الحسابات، هذا التوجه في ظل الضغط الشعبي وتوصيات المرجعية الدينية يحرز تقدم في تحقيق بعض المطالب لاسيما على مستوى تعديل القوانين، فقد اقر مجلس النواب قبل يومين تعديل قانون مفوضية الانتخابات اذا استبدل مفوضيها بالقضاة بناءاً على التوزيع السكاني الاستئنافي، وقد استطاع ان يلغي المحاصصة الحزبية في مجلس المفوضين السابق لكنه لم يستطع ان يغلي مسالة تمثيل المكون لاسيما بعد ان نص التعديل على تمثيل اقليم كردستان بعضوين وهذا يعني هيمنة الحزبين الكبيرين في الاقليم عضو للاتحاد الكردستاني من اربيل، وعضو للحزب الوطني الكردستاني من السليمانية، والخوف من تكرار ذلك على المحافظات الاخرى في توزيع حصص المفوضين مع انه التعديل حاول ان يبطل ذلك عبر اعتماده لنظام القرعة، ويعمل البرلمان ايضا ببطيء على تعديل قانون الانتخابات عبر استبدال قانون سانت ليغو بقانون يعتمد على الانتخاب على اساس فردي، وبدوائر متعددة لكل محافظة من محافظات العراق، واذا نجح في اقرار هذه الطريقة فانه يتقدم بخطوة كبيرة في اتجاه تحقيق بعضا من مطلب الشعب لاسيما وان ممثلة الامم المتحدة في العراق اكدت في افادتها الاخيرة امام اعضا مجلس الامن الدولي على أهيمه اقراره ولا ننسى ان العديد من الكتل لا ترغب في ايجاد هذا التعديل وتناور بطرح مشاريع مقاربه لتوهيم الجمهور، اما فيما يخص تعديل الدستور فان البرلمان منذ بداية الاحتجاجات لتعديل الدستور وقد فوض لجنة منه خلال فترة اربعة اشهر، ويبدو انها لا تستطيع ان تكمل التعديل في ضوء الرفض من قبل الكرد في ما يسموه برفض”أي تعديل دستوري يطالب حقوق المكونات” مثلما عبر مسعود برزاني في اكثر من مناسبة في اشارة الى الامتيازات الي اعطاها الدستور النافذ للاقليم.
التوجه الثاني: يطالب بأسقاط العملية السياسية
هذا المطلب الذي ينادي بأسقاط العملية السياسية بالمرة لدواعي سياسية والفشل والرتبة التي مرت بها طوال السنوات الماضية يمكن تقسيم المنادين بهذا المطلب الى قسمين: القسم الاول: من العراقيين في الداخل من شرائح ومدن مختلفة لا تجمعها صلات حزبية او سياسية واحدة، والسبب في مطلبهم هذا انهم فقدوا الثقة بالكامل بالعملية السياسية، ويرون أي اصلاح لم يعد يجدي نفعا في تغيير الخارطة السياسية، وهيمنة الاحزاب السياسية، وكل ما شرع جاء نتيجة لحالة المحاصصة التي شهدها البلد، من هنا هم ينادوا برحيل الطبقة السياسية بالمرة، والغاء الدستور، ووضع خارطة طريق جديدة تؤسس لنظام سياسي جديد.
اما القسم الثاني الذين هم بأغلب من بقايا النظام السابق وبعض الحركات الدينية والسياسية المتطرفة اضافة الى شخصيات واحزاب تقيم خارج العراق، وتعمل على ذلك وتحظى بدعم خارجي وهدفها اسقاط العملية السياسية واحياء اطروحة الحكم العسكري ودعم أي محاولة انقلابية في هذا الاتجاه وفي الواقع فان هذا ليس بغريب فهناك اطراف داخلية وخارجية تعول على ذلك لإعادة توجيه الحكم من جديد بصورة تنهي نفوذ ايران في العراق عبر اقصاء حلفائها اولاً وبين الحين والاخرى يطرح هذا الامر لجس نبظ الشارع.
وختاماً نستطع قراءة حدود انتفاضة اكتوبر الجاري من خلال القول ان الخيار الاقوى في هذه المرحلة المهمة من تاريخ البلد يتمثل بتحقيق المطالب التي ينادي بها اصحاب التوجه الاول المطالب بإصلاح العملية السياسية بعد عام 2003 وتكاد تكون مطالب العراقيون جميعاً وتحقيقها سيخلق مرحلة جديدة من الاستقرار والتطور في الملفات الاخرى لاسيما ملف الخدمات والاعمار والقضاء على البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية لكن بعيد عن رغبة واهداف الكتل والاحزاب السياسية النافذة بصورة تفرز حياة سياسية مختلفة لاسيما بعد استقالة حكومة عادل عبد المهدي التوافقية، وبالرغم من التقدم في تعديل بعض القوانين لكن لا تزال المظاهرات والضرابات مستمرة خشية من التفاف الطبقة السياسية النافذة على مطالبهم ام بالتسويف او التوهين، وباعتقادي اذا لم يستجب من بيده صنع القرار في السلطات الثلاث التشريعية، والتنفيذية، والقضائية في قادم الايام بعد كل ما شهدته بعض المحافظات العراقية من عمليات قتل وعنف ذهب ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى قد تتطور مطالب التوجه الاول من اصلاح العملية السياسية الى اسقاطها وهنا ندخل مرحلة جديدة قابلة لكل التكهنات.

أحدث المقالات

أحدث المقالات