يبدو إن سنين اتفاقية سايكس- بيكو؛ والتي جزئت الأرض العربية إلى دويلات ومستعمرات بين قوى النفوذ الأوربي, بدأت تنفذ, والعالم يترقب اتفاق جديد, ربما الذي وضعه السياسي الأمريكي بإيدن, وسيمضي اللاعبون الكبار عليه, عندما أراد تقسيم العراق لدويلات طائفية, إلا إن المخطط المرتقب سيشمل إعادة حدود الشرق الأوسط من جديد.
وإن من أهم دوافع اتفاق القوى الأوربية آنذاك في تقسم الشرق الأوسط, وخصوصاً الأراضي العربية, بعد زوال هيمنة الدولة العثمانية, هو توزيع بقايا أملاك الدولة العثمانية, رافقها ظهور خامات النفط لأول مرة, ما جعل الصراع يستعر, ثم دخلت الدولة الفارسية على خط النفوذ, ما جعلها تكسب ود بريطانيا لتمنحها منطقة الأهواز, لتوقف نزوتها في أراضي الخليج, وترك تقاسمها بين الغربيين.
ولكن الأمر يختلف الآن؛ وفقاً لما يراه زعيم التحالف الوطني عمار الحكيم, فليس هناك رجل مريض أو ظهور معادن جديدة, وإنما الحقيقة صراع للإرادات, فرضته القوى المتناحرة ما جعل الدول تتصارع فيما بينها, على أسُس طائفية وأيديولوجية, فالعالم تغيرت رؤيته السياسية, وفقدت الشعوب معاييرها وقيمها الاجتماعية, ووصل التنافس للاقتتال والتناحر, فالكل يسعى للتوسع على الأخر من اجل تحقيق مصالحه الخاصة.
وبناءاً على توسع مساحات التشابك والتقاطع بين تلك الدول, وتأثيرها على منطقة الشرق الأوسط تحديداً, أصبحت المنطقة ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المتنافسة, فباتت التقلبات السياسية والاقتصادية والأمنية تلعب دوراً في تحديد العلاقات الدولية, لاسيما بعد إن تطورت الأزمة الاقتصادية العالمية, والتي باتت تفرض على الدول تقديم تنازلات من اجل المحافظة على استقرارها الداخلي, وعدم خضوعها لمخططات المرتقبة لتجزئة المنطقة.
لذا باتت التوازنات السياسية؛ التي فرضتها الحرب العالمية الثانية في موضع قلق وإرباك, خاصة بعد بروز المعسكر الشرقي بصيغته الجديدة؛ “روسيا الصين فنزويلا إيران”, ذوات سياسة الضد من مواقف الولايات المتحدة والغرب, وأهدافهما في المنطقة, لاسيما بعد الدمار الذي لحق سوريا, وتمدده للعراق, والحرب السعودية على اليمن, وتنامي المد الشيعي في دول الخليج المدعوم إقليماً, وتراجع الخط الوهابي المدعوم خليجياً.
ويبدو إن لصراع الإرادات بين تلك القوى أثر بالغ, فيما سيمضي إليه الشرق الأوسط, فسوريا بعدما مزقتها الحروب, ماضية نحو توحيد صف قوى المعارضة, لثني الأسد عن السلطة مستقبلاً, أو لتقسيمها إلى محافظات مستقلة, أما العراق فما بعد تحرير الموصل, ستطرح المحافظات الغربية ورقة الأقلمة بدعم خارجي, وربما سيكون أكثر من إقليم سني بالعراق, ناهيك عن وضع الكردي الإيراني والتركي.
إذن سيفضي الشرق الأوسط في غضون السنتين القادمة, إلى تقسم حدوده من جديد, بناءاً على مصالح الدول الكبرى, وستظهر دويلات وأقاليم تعيد علاقاتها على ضوء التوازنات التي ستفرضها المرحلة المقبلة, وعليه يتوجب على الساسة العراقيين أن يكونوا بمستوى التغيرات التي سيكون العراق جزء منها, ولا يمكن أن يكون بمعزل عنها.