23 ديسمبر، 2024 1:19 ص

في اللقاء السابق ذكرت لكم ان ابي قد اعطاني ورقة نقدية فئة الالف دينار وودعني وهو يتجه الى المركبة التي كان يقودها عمي حسين ولكن ما ان خطوت خطوتين الا والورقة النقدية قد سقطت مني على الارض فانحنيت لالتقاطها ولم يكن بيني وبين الباب الكبير الا حيز قليل لا يتجاوز نصف متر واذا بالباب الكبير تنفلت عن سكتها الحديدية اذ لم يكن لها عمود يسندها ويمنع انزلاقها فسقطت وكنت تحتها على مقربة من الزاوية الحادة فصرخت واحسست بسائل لزج يسيل على وجهي ونار تحرق عيني ولم اعد ارى شيء بل لم اعد اسمع او اشعر بشيء فقد اوشكت على مفارقة الحياة.
لم اعد ارى او اسمع اي شيء فقد غامت عيناي في ظلمة حالكة وبردت اطرافي ولم يعد بإمكاني ان ارفع صوتي فاسمع من حولي ما اشعر به من الم .انني بت عاجزة عن الحركة وتذوقت طعم التراب الذي مزج بدمي واوشكت انفاسي ان تتوقف وصمت كل شيء حولي بل وفي خلايا جسدي واخر عهدي بالحياة دموع غزيرة راحت تتساقط على وجهي ربما كانت دموعي او دموع ابي او دموع الاحبة جميع الاحبة.
…………………..
على فراش غير فراشي وجدت نفسي تأوهت ولم استطع السؤال بل ولم استطع ان اتململ في الفراش كما كنت افعل حين استيقظ من النوم فعدت الى التأوه ثانية وما كان الفرق بين الاهتين الا لحظة واحدة احسست ان يدا حنون تشد على يدى وانساب الى سمعي صوت ابي :
بابا سلامات …سلامات حبيبتي .
آه …آه…اين انا …؟
انت هنا في المستشفى وقد زال عنك الخطر ولم يعد عليك من بأس.
ماما …ماما …اين أمي…؟
قبل ان انتهي من السؤال اندفعت امي عابرة الباب الموارب واحتضنت وجهي بين يديها وانكبت على وجنتي تقبلهما وتغسلهما بدموعها.
اردت ان انهض فما استطعت الى ذلك سبيل لذا رأيتني استسلم لنوبة من البكاء شاركني فيه والداي وهما يكلماني بلطف ويطلبان اليَّ الصبر اياما ليست بالكثيرة حتى استعيد عافيتي وتعود اليَّ صحتي وتلتئم جراحي وتجبر عظام ساقي …..
اذن كم من الاصابات احدثت في جسدي الغض الصغير وكيف نجوت من هول تلك السقطة التي كان من المحتم ان يتحول جسدي الصغير الى مجرد عجينة دم ولحم بفعل الثقل العظيم لتلك البوابة الضخمة وضآلة جسمي الصغير الغض!!!!!!
انها معجزة ….ان نجوت من موت محتم ….اجل انها معجزة
ذلك هو ما اخبراني به كل من ابي وامي وكان للحديث بقية تنقل تفاصيل الحدث مذ لحظة سقوطي وحتى لحظة الانتباه واستعادة الوعي في المستشفى وفي ختام اي تفصيل من ذلك الحدث تكون عبارة (لقد نجت بأعجوبة فلله الحمد على السلامة).
…………..
قالت لي جدتي لابي وهي تربت بكفها الحنون على كتفي اذ كانت اول الزائرين لي بعد والدي :
لقد سجدت لله شكرا ان دفع عنك هذا البلاء .
بعد لحظات كفكفت دموعها وانحت على وهي تقبلني هتفت:
لقد نجاك الله تعالى من خطر جسيم ,اجل هو وحده قدر ولطف .
قاطعتها امي القول:
ان الله تعالى يحب فتاتي الصغيرة وسيكرمها بالعافية ,
بعد لحظة صمت اضافت أمي وكأنها تريد ان تغيير الحديث :
هل تعلمين ان اباك قرر ان يفتديك بقربان .
انا لم اعرف ما هو القربان فسألت :
وماذا يعني القربان …؟
في لحظة واحدة اجابت كل من امي وجدتي ان القربان هو اي نوع من الحيوانات تذبح قربة لله تعالى وشكرا له واعترافا بفضله اذ رفع البلاء ولطف فيه ونجا المصاب من الاذى.
كانت الكلمات التي قيلت صعبة الفهم بالنسبة لطفلة صغيرة التي هي انا فبقيت اردد الكلمات واتوقف عند كل واحدة واسأل عن معانيها مما تسبب في اطالة الحديث وتشعبه اضافة الى تداخلات كلامية لكل من امي وابي وجدتي فقد بكيت كثيرا لأجعل ابي يغير قراره بفداء القربان لان ذلك القربان هو الخروف الصغير الذي احبه وامضي وقتا طيبا في اللعب مع الاطفال الأخرين معه نركض في الحديقة فوافق ابي على شراء خروفا آخر بينما قالت امي انها ستقيم احتفالية صغيرة يقرأ فيها القرآن الكريم وتوزع هدايا لمجموعة من الاطفال .
ما زلت ارقد على فراش بالجبس معصوب رأسي بعصابة من الشاش الابيض يغطي عيني اليسرى وساقي ممدود في قالب من الجبس واحسب الايام حتى يمن الله تعالى علي بالشفاء لأعود لبيتنا الصغير وغرفتي والعابي واصدقائي وقبل كل هذا ان لا أجد نفسي مضطرة لتناول الدواء الذي اتناوله على مضض واعمل على التمنع من تناوله لكني اخر الامر اتناوله فهم يقولون لي ان فيه بأذن الله العافية .