5 نوفمبر، 2024 6:55 ص
Search
Close this search box.

حتى يهود العراق يرفضون العودة..!!

حتى يهود العراق يرفضون العودة..!!

كانت لمئات العوائل اليهودية أماكن عيش في العراق ، وبخاصة في منطقة الكردة ببغداد ، وفي نينوى ومحافظات عراقية أخرى ، وإستمر هذا الوجود الفاعل حتى الى مرحلة الخمسينات وربما الستينات!!

وكانت للكثير من رجالات اليهود وتجارهم أدوار مشهودة في تاريخ العراق، مع كل الاطياف العراقية تشعر بإنتمائها الوطني ، وتضع له اعتبارا ، على ان المواطن اليهودي هو جزء من كيان العراق ، ولقيادات منهم ومنهم وزير المالية ساسون حزقيل في العهد الملكي أدوار مهمة في قيادة أكبر وزارة مهمة وهي وزارة المالية التي وضع لها أولى الخطط لموازنة عراقية في التاريخ المعاصر، وكانت قيادته للوزارة أنذاك على مستوى عال من المسؤولية في الشعور بالانتماء الوطني العراقي الأصيل، ودافع عن بلده في محافل دولية ووقف بوجه توجهات بريطانيا العظمى أنذاك لربط الدينار العراقي بالجنيه البريطاني، وحمى الدينار العراقي من الانهيار، حين ربطه بالذهب، كونه المعدن الأقل تأثرا بمتقلبات اوضاع المال والاقتصاد !!

وهذه الايام، بدأ حديث بعض الشخصيات اليهودية عن انها تود المحافظة على تراثها اليهودي وأملاكها في العراق ، وهي تود ان يكون هناك تواصل، ولكن بدون عودة، وهم يوجهون مناشدات عبر المجتمع الدولي والأمم المتحدة ، يرون ان ظروف العراق وما وصل اليه من حالات توترات أمنية وسياسية وانعدام فرص العيش ، يجعل من أمر التفكير بالعودة أمرا مستبعدا، بل مستحيلا ، لكنهم يودون المحافظة على حالة من الارتباط مع أرثهم الوطني في العراق ، وكنائسهم واثارهم الدينية ومخطوطاتهم ووثائق التاريخ اليهودي، ليكون بمقدورهم التواصل مع العراقيين من خلالها، ولهم في العراق ارث سياسي ومعفي وثقافي ليس بالامكان التخلي عنه !!

كنا في السبعينات نستمع بإمعان الى “اذاعة صوت إسرائيل” باللغة العربية ، وهي التي خصصت الكثير من برامجها لبث الاغاني والمنولوجات العراقي الرائعة ، والتي يعدها العراقيون عصر الانفتاح العراقي المتمدن وابداعه الاصيل، وراحت تبث الاف الاغاني العراقية التي تعهد من نفائس الغناء العراقي وطربه الاصيل، وهناك برامج ساخرة من توجهات بعض الساسة العراقيين ومن كثرة ترديدهم لمقولة ينبغي القاء اليهود في البحر وتأجيج اسطوانات الحروب وعزف أوتارها المقرفة، وكان الكثير من العراقيين يتابعون برامجها في الستينات والسبعينات، إضافة الى تخصيص ساعة كاملة يوميا وقت الظهيرة لاحدى أغاني ام كلثوم الشهيرة ، وساعات اخرى لمطربين عرب وكثير منهم مصريون وسوريون وخليجيون، وكانت تقدم تلك الاغاني بطريقة تشعرك بالاحساس بقيمة التراث العراقي العربي الاصيل، في وقت كانت الاذاعات العربية مشغولة بصخب المعارك وببيانها العسكرية وتحريضها على محاربة العدو الاسرائيلي وكيف شهدت تلك الحروب انتصارات ومن ثم اعقبتها هزائم، خسر فيها العرب وبخاصة بعد حرب 1967 الكثير، وعدت تلك السنة نكسة بل انتكاسة، حتى عام 1973 حين تمكنت مصر من اعادة شبه جزيرة سيناء الى السيادة المصرية في حرب اكتوبر التي كان العرب يتغنون بها في انها اعادت لهم بعض الامال بامكان استعادة بقية الاراضي، ولكن هذا الأمل خمد واضمحل، ولم يعد هذا الحلم ممكنا ،بعد سنوات من انشغال الحرب بحروبهم الداخلية والخارجية وتفتت دولهم الى كيانات منقسمة على نفسها، وبدل من ان نحافظ على وحدة العراق ووحدة الدول العربية ، توزعت دولنا الى دويلات وأقالبم، وذهب حلم استعادة ما تبقى من اراض محتلة الى غير رجعة!!

وهذه الايام بدأ الحديث عن احتمالات ” التطبيع” بين العراق وإسرئيل وكأنه حديث يؤسس لمرحلة ” تمهيدية” إن صح التعبيبر، فحالة الرفض الشعبي بدأت بالتضاؤل، وبخاصة بعد ان راحت دول الجوار تعبث بمقدرات العراق وتهيمن على شعبه، وتريد تحويله الى ضيعة او مقاطعة تابعة لها ، وكل يريد ان ينهش في الجسد العراقي ، بحسب مكوناته القومية والدينية ، ليكون بمقدوره الهيمنة على مقدراتها، وبقي وضع المكونات العراقية يعاني حالات شلل وتوترات واحتراب سياسي ، وكأن الاطياف العراقية تحولت الى بيادق بيد رجال السياسة ، كل يريد جر جمهوره الى المعسكر الأقرب منه دينيا او قوميا، حتى راح الحديث عن ” التطبيع” وكأنه أمر عادي وربما يجد لها صداه في السنوات القليلة المقبلة، كون ” التطبيع” لم يعد من ” المحرمات” إن لم يجد له الكثيرون ” المبررات” بعد ان تكالبت قوى الشر الاقليمية، لتعبث بمقدرت هذا البلد، وكم تمنى العراقيون لو أقاموا علاقات مع مختلف دول العالم ، بضمنها إسرائيل، ان كانت تلك العلاقة تعيد لهم بعض هيبتهم، وربما يفضلون الاستنجاد بالاجنبي ، حتى وان عد من الاعداء، ضد من يحاولون كسر ارادة المواطن العراقي واستباحة كرامته، وهم يجدون في إقامة علاقة مع إسرائيل ، وأمريكا ، ما يمكن ان يخفف عنهم ثقل تدخلات دول الجوار، ويجدوا في مساندة غربية مع اسرائيل ما يمكن ان يوفر ملاذات آمنة للعراقيين، بعيدا عن صخب الحروب ولغتها السقيمة واسطواناتها المشروخة، حيث لاتجد تلك الاصوات الا النفور والسقم بل والقرف من كثير من العراقيين، وهم مع كل من يكون عونا لهم ضد من يستهدف كرامتهم ومن يريد إستباحة دماء ابناء البلد ليوظفها في حروبه القذرة ، بالنيابة عنه ، ليكون العراقيون وقودا لتلك الحروب التي ليس لهم فيها ناقة ولا جمل!!

وربما كان اقليم كردستان السباق في اقامة علاقات تواصل مع إسرائيل، ولم تنقطع تلك العلاقات منذ الخمسينات وما بعدها، ووجد الكرد ضالتهم في إسرائيل بانها هي من تسهل لهم مهمة الانفصال عن العراق واقامة دولة كردية، والعلاقات بين الاقليم واسرائيل، دخلت مراحل متقدمة، حالهم حال العراقيين الذين بدأوا أخيرا يفكرون ، بمحاولات من هذا النوع، حتى بدا الحديث عن ” التطبيع” مع إسرائيل وكانه من مترتبات القدر العراقي التعيس، الذي لم يكن العراقيون مستعدون للوصول الى هذا المنحدر الخطير، بسبب مخلفات ساستهم، التي أوصلتهم الى مآسي وويلات وشعور عارم بالاذلال وباحباط خطير، يجعل من أمر التفكير بـ ” التطبيع ” مع إسرائيل، وكأنه لم يعد أمرا مستحيلا، أو يدخل ضمن ” المحرمات” بل قد يكون ” التطبيع” وحتى اقامة علاقات شبه طبيعية ، أقرب مما يتصور الكثيرون!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات