18 ديسمبر، 2024 10:55 م

حتى لا تموت البذور

حتى لا تموت البذور

رغم تركي لمتابعة الرياضة, منذ فترة طويلة, خصوصا مع إنشغالات البيت والأولاد ومتطلباتهما, ومتطلبات الحياة ومسؤولياتها, لكن هذا لم يمنع متابعة, بعض المباريات أو جزء منها, وخصوصا مباريات المنتخب الوطني.
لازلت أفرح بفوزنا, وأحزن لخسارتنا, ولكن ليس بإنفعالاتي وحماستي سابقا.. وهذا طبيعي بحكم تقدم العمر وإزدياد التجارب, وإختلاف المقاييس تبعا لذلك.
كنت وولدي نتابع مباراة منتخبنا مع فريق الإمارات ,في بطولة الخليج الأخيرة, والتي خسرنا مباراتها شبه النهائية.. هو كان متوترا جدا ومنفعلا, ويقفز هنا وهناك, ويكاد يدخل شاشة التلفاز إقترابا, وقضم كل أظافره, أو ما تبقى منها قلقا.. وجاءت أمه لتشجعه, لكنه طلب منها الصمت!
ما إن أعلن الحكم نهاية المباراة, معلنا خسارتنا لها, حتى أجهش بالبكاء الشديد, وهو يسب ويلعن وتركني وخرج… إستغربت بادئ الأمر, وتضايقت من رد فعله العاطفي جدا.. لكني حاولت تهدئته وإفهامه أنها مجرد مباراة لكرة القدم, وأن منتخبنا لعب بشكل جيد, وقدم كل ما لديه, وأن الخصم لعب جيدا أيضا, وأن الرياضة إستمتاع قبل أن تكون فوزا.. لكنه فاجئي بجوابه!
قال وبطريقة عفوية طفولية, فهو بالكاد أكمل الثانية عشرة من عمره.. لا يهمني, أنا لا اٌقبل أن يخسر العراق.. ولماذا يفوزون علينا! أحنا العراق ما يصير نخسر.. وصار يكرر الكلام, ويزداد نحيبه, ويلوم أمه لأنها لم تدعوا لهم بالفوز!
كان موقفه هذا , مفاجئا بالنسبة لي.. فأين لطفل بهذا العمر أن يفهم ما هي الوطنية؟ وكيف يعرف معنى حب الوطن؟ فأنا لم أتحدث معه بهكذا مواضيع, إلا ضمنا وبطريقة غير مباشرة, أو من خلال قصص وحكايات ما قبل النوم.. هل هي الفطرة؟ أم هو طيب ماء الفرات؟!
رغم أني سابقا, كنت أضايقه مازحا, فإن شجع الريال, كنت أشجع برشلونة, ولكن هذه المرة سكتت قليلا.. فالقضية تتعلق بالمنتخب الوطني.. وحتى للممازحة, لم أستطع أن اشجع الفريق الخصم.. ورد فعله, كان غير متوقع بالنسبة لي.
رغم أنها رياضة وفيها الفوز والخسارة, ورغم حزني لخسارتنا, وفرحي بأداء المنتخب, فقد كان ندا قويا, لكن فرحي الأكبر, هو ما رأيته من بذرة حب وتعلق شديد بالوطن, وكل ما يتعلق به, حتى لو كان رياضة ما.
تلك البذور, بحاجة لحماية ورعاية, من الإنحراف والتأثر بالتشوهات, والهجمات والهدم الأخلاقي والإجتماعي.. فإن لم يتم رعايتها, وتوجيهها بشكل صحيح.. ستموت.