تحرص غالبية دول العالم على الأهتمام بأجيالها من خلال وضع الخطط والبرامج التربوية والثقافية والأجتماعية وتوفير فرص العمل، لهم ويأخذ ذلك حيزا كبيرا من أهتمام الدولة وسياستها لكون هذه الأجيال تمثل العنوان الأكبر والأبرز لمستقبل تلك البلدان ولكونها ستحافظ على أدامة التطور والبناء والتقدم العلمي والتكنولوجي في جميع ميادين العلوم والمعرفة للأجيال التي سبقتها. وتبدأ عملية بناء الأجيال من رياض الأطفال ثم مرحلة الدراسة الأبتدائية وصولا للجامعات. ومرة قرأت بأن أساتذة مرحلة الدراسة الأبتدائية في اليابان يجب أن يكونوا من حملة شهادة الدكتوراه! ولجميع الأختصاصات وخاصة في علم النفس وعلم الأجتماع !!( في حين أن هذه الأختصاصات في العراق مهملة وغير ذات أهتمام ويدخل أقسامها الطلاب الذين لم يحصلوا على المعدلات العالية في امتحانات البكلوريا! ناهيك عن عدم وجود أية فرصة للتعين لديهم بعد تخرجهم!!). نعود الى أكمال الموضوع، فبهذه الصورة تحافظ دول العالم على حاضرها المتالق وتطمأن لمستقبلها .أما نحن في العراق فلا زلنا أسيري الماضي الجميل ،الذي مثلت ركائزه الجمالية والأخلاقية وقاعدته الفكرية والثقافية أجيال الأربعينات وصولا الى جيل السبعينات ، وعلى قلة اعداد من بقي من هذه الأجيال النخبوية التي تمتلك كل أدوات الثقافة و الرقي والتطور والنجاح في شتى مجالات المعرفة، فهي ما زالت تصارع حالة التخلف والجهل والأحباط الذي يحيط بها من خلال ما تجود به من أبداعات فكرية ونتاجات ثقافية وأدبية وفنية . ان غالبية الموجود الحالي من الشباب الذي يسود الشارع العراقي هم من جيل الثمانينات والتسعينات الذين ولدوا وترعرعوا وكبروا على سماع أصوات المدافع والصواريخ والحروب ومشاهدة صور بكاء الأمهات الثكلى والنساء الأرامل على من فقدوا من فلذات الأكباد ومن الأعزة والأحبة في الحروب، وكذلك من عاشوا كل تفاصيل وظروف الحصار الأقتصادي اللئيم الذي جوع العراقيين فعلا !! فترسخت في ذاكرتهم كل تلك الصور المؤلمة من موت ودمار وخراب وعوز وجوع ، فمن الطبيعي أن ترضع هذه الأجيال لغة العنف والقسوة والحاجة والفقر من خلال محيطها الأسري والأجتماعي والذي اصابه الكثير من التمزق والضعف والتشوه. ثم جاء الأحتلال ليزيد من حالة التشظي الأجتماعي لأجيالنا وأبنائنا وليكرس ثقافة (الفرهود) والفساد بكل صوره وأشكاله! بعد أن فتح أبواب العراق على مصارعها لتنتشر الكثير من الأمراض الأجتماعية واخطرها تعاطي المخدرات بكل أنواعها والمنتشرة بشكل رهيب ومخيف بين أوساط الشباب والشابات وفي كل محافظات العراق وخاصة البصرة وتحديدا في المدارس والجامعات، حتى أصبح عدد من البنات يتاجرن بالمخدرات!. وكل ذلك يحدث وسط غياب سلطة الدولة وضعف أجراءاتها(من آمن العقاب أساء الأدب) وخاصة بعد أن أصبحت العشيرة وأعرافها بديلا عن القانون والقضاء وأحكامه ، وبعد ان فلت عقال الحرية الى مديات خطيرة صار من الصعوبة أيقافها؟!. كما أضافت العشائرية والطائفية والقومية المزيد من التمزق والشروخ في النسيج الأجتماعي والعلاقات الأجتماعية بين العراقيين .أن الجيل العراقي اليوم بما فيهم طلبة الجامعات يعيشون حالة من من الضياع وسط مستقبل مجهول يلف البلاد فغالبية الشباب العراقي بعاني جملة من التناقضات والعقد والأزدواجية!! ، فهم لا يعرفون شيئا أسمه الصبروالمثابرة من أجل بلوغ أهدافهم فكل شيء يريدون تحقيقه بسرعة وبأقصر الطرق وبكل الوسائل حتى غير المشروعة منها؟! .فليس لديهم أية رغبة للمعرفة ولو لأبسط الثقافات!؟ ، وهم يجهلون الكثير من تاريخ العراق لا قديمه ولا حديثه !. فقط مهوسون بالحاسوب (والجات) وتصفح آخر أخبار الفن العالمية والعربية ومتابعة المسلسلات التركية التي دخلت بيوتنا عنوة! أضافة الى هوسهم (بالموبايل) والذي خرج في كثير من الأحيان عن حدود الأخلاق والأدب , وكذلك تعلقهم وتقليدهم آخر صرعات الموضة الحديثة سواء بالملابس أو في تصفيف الشعر وبكل أشكالها الغريبة وتعليق السلاسل الذهبية والمعدنية، ناهيك عن نفخ عظلاتهم بالهرمونات وبشكل سريع وغير صحي ، فلم تعد لمقولة العقل السليم بالجسم السليم وجود! كما هو المفروض بل صارت أجسامهم مشوهة وبعقول فارغة فأصبحوا قوة بلا عقل! أضافة الى أفتقادهم الى الكثير من قيم الأخلاق والتربية والأدب والأحترام والأهم من كل ذلك أفتقادهم الى الهوية الوطنية الحقيقية!!؟ . كل ذلك يحدث في ظل غياب أية برامج وخطط مستقبلية للدولة بالأهتمام بهذه الشريحة المهمة وأنشغال الحكومة والأحزاب السياسية بالمصالح الشخصية والحزبية وبالصراعات والأحقاد السياسية والفكرية والدينية والطائفية والقومية والتي لم نجن منها غير المزيد من الخراب والضياع لوطننا ولأجيالنا. أن ناقوس الخطر بدأ يدق على أجيالنا منذ فترة ليست بالقصيرة، مههدا أياها بالضياع، وما انتشار ظاهرة الأنتحار بين الشباب تحديدا والتي وصلت الى أكثر من 1300! حالة في الربع الأول من هذا العام ألا دليل على حالة اليأس والفشل والضياع التي يمر بها ويعيشها شبابنا، فمتى تلتفت الدولة بكل مؤسساتها ودوائرها المعنية وتهتم ببناء أجيالنا البناء العلمي والتربوي والأخلاقي الصحيح كي لا تضيع تلك الأجيال .