18 ديسمبر، 2024 9:01 م

قد يكون العنوان عصري بعض الشيء، أو ما يدل على التطور والحداثة، ولكن الواقع عكس ذلك تماما، فلقد عشق قيس ليلى عبر الأثير، قبل ألاف السنين دون ان يراها..! أقرب الروايات وأصدقها تقول: أن قيس لم يلتقي ليلى مطلقا! وشاع من قصة عشقهما، ما يتغنى به العشاق على مدى توارث الأجيال، وكل الذي دار بينهما، أخبار كانت تنقل عبر ركبان الصحراء، تتحدث عن شجاعة وشاعرية هذا، و حسن خلق و جمال تلك، أشبه ما ينقله الكيبورد اليوم، عبر ثورة العشق الإلكترونية، والتي بدأت تنسف جميع معالم التعقل، ومباني الاعراف والتقاليد والواقع، الذي من خلاله يقرأ شكل الحب التقليدي. 

الحب ومن حيث جميع مسمياته ومراحله، شعور لا يلمس ولا يرى، يصدر من حيث معدنه (العقل أو الهوى)، حاله حال الالم او الأرتياح، لا يتوقف تحقيقه على ادوات مادية ملموسة، وإنما هو اشبه بإشعاعات الكترونية متجاذبة أو كهربائية غير مرئية، تدخل الجسد فتؤثر فيه، وقد لا تحتاج الى تقارب الأجساد والقلوب في الواقع، فمنه ما يستشعر عن بعد فيقال: ( تعشق الأذن قبل العين)، أي إنك تستهوي أمرا او شخصا، دون أن تراه، وإنما تكتفي بما تسمع عنه، أو تتحسس وجوده فيه، وقد يكون ذلك العشق او الحب حقيقيا من حيث الشعور وقد يكون العكس، واقرب مصداق للشعور الحقيقي عشقنا وحبنا للخالق دون ان نراه  او نلمسه، والعكس من ذلك الشعور هو النوع الذي  يدرج ضمن لائحة الهوى المفرط، اتجاه الشخص او الفعل المعشوق.

مع اتساع رقعة الثورة الالكترونية في الوطن العربي، فضلا عن العالم الغربي خلال السنوات الأخيرة، نجد ان نسب العلاقات الاجتماعية التي تنشأ من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج الإلكترونية، تفوق نسبة تلك العلاقات من حيث التواصل في المجتمع بصورة مباشرة، وقد تنعدم نسبة المقارنة بينهما في بعض الدول العربية، فلقد سجلت دراسة في احد الجامعات البريطانية، بأن نسبة تعاطي المجتمعات وتأثرها بالعلاقات الالكترونية بلغت معدل 72% كما ونقلت تلك الدراسة ايضا بان نسبة تعاطي العالم العربي بتلك العلاقات بلغ نسبة 76% قياسا عن العالم الغربي، وقسمت النسب على اساس نوع تلك العلاقات، فمنها ما يعد ضمن اطار العمل، ما يشكل 10% ومنها ما يدرج ضمن اطار حب الاطلاع و ما يشكل 17% ومنها ما يدرج ضمن لائحة الشعور بالحب أو الاعجاب ويشكل النسبة الاكبر اي بمعدل 35% وتتفرق باقي النسب بما يكمن في العلاقات الالكترونية المشبوهة.

كيف ولماذا تنشأ تلك العلاقات الكترونيا؟

اختصاراً للمقال ولملمة للموضوع، سأتحدث عن تجربة العالم العربي في منشأ تلكم العلاقات.

مع اختلاف وتعدد اسباب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في المجتمعات العربية، إلا ان النسبة الأكبر التي تدمن تلك المواقع، تنشأ من مصدرين:

أولهما: الغاية المنحسرة في جمع المال او الشغف بحب الاطلاع، وهذا ما لا يترتب عليه اثر الشعور بالحب او الإعجاب، بقدر ما يترتب عليه اثر الإدمان فقط، ولعله أشبه بمدمن المخدرات الذي لا يستطعم ما يتعاطيه بشعور اللذة، وتتحدد نسبة تفاعله مع الآخرين، بقدر ما يستحصل عليه من ثمن لقاء ذلك.

ثانيا: والاهم محاولة للانعزال عن المجتمع، أو الهروب من العالم الواقعي الى العالم الافتراضي، ويأتي لعدة اسباب في نفس المنعزل، اما من حيث خذلانه في المجتمع الذي حوله، بحيث انه لم يجد الحياة الكريمة، التي تؤثث اوقات حياته بصورة متزنة، تغنيه من الهروب، أو من حيث الاطر والقيود التي يفرضها الواقع العربي، بفتوى التقاليد والأعراف التي تنشأ من القبيلة او العشيرة، فتدفع بالشخص الى الارتماء وسط تلك تلك العلاقات الالكترونية المشبوهة منها والحقيقة، وجعلها قصص واقعية للتعايش معها في نفسه، وأكثر ما يؤسس لتلك العلاقات عند النساء أي بنسبة 65% عما عند الرجال.

من خلال مواقع التواصل الأجتماعي، هل سبق لك وأن أحببت شخص او أعجبت به؟.دون ان تراه او تسمع صوته!!

قبل أن تجيب مع نفسك على هذا السؤال، دعني أقول لك بأن في بريطانيا أجاب (295 ) شخص بكلمة (نعم) من اصل( 400)، وفي فرنسا أجاب (189) شخص بكلمة نعم من أصل (300) ، وفي السعودية أجاب (476) شخص بكلمة نعم من أصل (500)، وفي الامارات أجاب (288) شخص بكلمة نعم من اصل (300)، وهذه الارقام التي طرحها الاستفتاء في ايلول عام 2016 هي اعداد قابلة للزيادة دون التناقص للأعوام اللاحقة حسب التقرير المقدم مع تلك الاستفتاءات.

ما الذي يصيب الجسد والروح، لكي تتعلق بهكذا علاقات تنقصها مصداقية الواقع والاطمئنان!!

قد يكون الانسان مجبر على ذلك، خوفا من كوابيس الوحدة والغرف المظلمة، والشعور بالنقص والفشل في الحياة، مما يؤثر فيه من حيث الحالة النفسية، فقد يجد عند من يصادفهم في تلك المواقع ضالته، وما لم يستطع ان يوفره له من حوله، كأن يكون الحب او الاحترام او غير ذلك، فينشد الانسان الى اقرانه الكترونيا، ويبدأ جسده يرسل أشارات، يتوهم مع نفسه بأنه غير مسيطر عليها، تبدأ تلك الاشارات بقراءات تقول: بأنه احب ذلك الشخص وعشقه! ولا يمكن الاستغناء عن الحديث معه، وهذا ما يدعو للارتباط به بصورة مستمرة، وأن حياته لا تكتمل إلا معه، فيجبره تعاطي الاخرين الكترونيا معه، مع نبذه من قبل واقعه ومحيطه ألاجتماعي، على تصديق نفسه، ومن ثم محاولته لإقناع الاخرين بشرعية تلك العلاقة او مصداقية وجدية ذلك الشعور.

من خلال ما تقدم وختاما نستطيع ان نقول: مع عزل النسبة الضئيلة من العلاقات المشروعة، في مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج الالكترونية، إلا اننا نستطيع تحجيم العلاقات المشبوهة، وما تشمل المبنية منها على اسس واهية، يمكن ان تفند من خلال الواقع، ويكمن تحجيهما من خلال الفرد نفسه، بأن يبنى نفسه بناء صحيح في المجتمع ومع من حوله، للانطلاق بعد ذلك بالجزء الاقل نحو العالم الافتراضي، للاستفادة منه في تدعيم العلاقات الحقيقة وليس العكس من ذلك، فلا يمكن الجزم بأن العالم الافتراضي لا تشوبه شائبة الخيانة او التصنع أو التغرير، وعلى العكس فقد تجد العالم الافتراضي بيئة صالحة لنمو وتفشي تلك العلاقات المشبوهة قياسا عما في الواقع، وليس من العقل فقدان الثقة بالمزيف في العالم الحقيقي، والبحث عنها في المتخفي في العالم الافتراضي