23 ديسمبر، 2024 12:29 ص

حب في زمن الفيس بوك

حب في زمن الفيس بوك

لا أعرف لماذا خطرت ببالي رواية (الحب في زمن الكوليرا) للمؤلف الكبير (غابرييل غارسيا ماركيز) حين اتصفح الفيس بوك. تلك الرواية التي اختصر أحداثها بقصة حب شاب وفتاة منذ سن المراهقة حتى تجاوزوا السبعين من العمر، وتستعرض الحروب الأهلية في قرية صغيرة في الكاريبي للمدة من أواخر القرن التاسع عشر حتى العقود الأولى من القرن العشرين. بطل الرواية عامل التلغراف (فلورنتينو اريثا) الذي انتظر حبيبته التلميذة (فرمينيا) التي تفيض جمالاً وانوثة ما يقرب من خمسين عاماً، بعد ان تزوجت لظرف ما طبيباً مفعماً بالشباب والحيوية. ولم يكفّ العاشق عن الحب طوال تلك المدة  بعد زواجها، واستمر تدفق الحب حتى بعد وفاة زوجها وهي في سن اليأس، إذ دعاها فيما بعد لرحلة نهرية على متن سفينة كانت تابعة لشركته، وقام باطلاق شائعة حول انتشار وباء الكوليرا على متن تلك السفينة، حتى ينفرد بحبيبته.
وتدور الاحداث وتعبر السفينة ذهاباً واياباً رافعة علم الوباء الاصفر، ولا ترسو إلا للتزود بالوقود، ويقضي معها اجمل ايام عمره المتبقية على متن تلك السفينة التي تضم عش الحبيبين اللذين لايباليان بمراحل العمر المتقدمة.
تتمزق فجأة كل الصور الجميلة والعبر المؤثرة والمعاني السامية فور مشاهدتي الصورالمنشورة على موقع الفيس بوك، وأغلبها لاشخاص مطعوني الظهر بخناجر الخيانة، وصور لقلوب نازفة وعيون دامعة وشفاه نادمة، بات عليها أثر عضات الندم اوضح من الشفاه نفسها، وتعليقات أبسطها الشتيمة والسب والقذف بأعتى الالفاظ. ولست مستغرباً لذلك، لكن الاغرب أن يحصل ذلك مع العشاق، وعندما أسأل أياً منهم عن مدى وعمق وعمر العلاقة يأتي الرد أنها تجاوزت ثلاث سنين! نعم، ثلاث سنين من السهر والتعب والارق والانتظار والبكاء، تنتهي تلك العلاقة الحميمية بنشر العاشق لصور حبيبته بملابس النوم التي جازفت بحياتها لترسلها إليه سراً ليتعرف الى مفاتنها التي قد تدفعه لعقد القران بها! مصحوبة مسبقاً بأغلظ الأيمان بعدم عرض صورها لظل انسان! ويمتعض الحبيب من جرّاء ذلك الشك من الحبيبة ويهددها بإعادة إرسال صورها لولا تيقن الحبيبة من ثقته المفرطة.
فضلاً على الكاميرات الوهمية (split cam) المعدة للإطاحة بالفتيات من خلال عرض مقاطع مسجلة لفتيات جميلات جالسات على الحاسوب، حيث يعرف الشخص نفسه بأنه انثى وتسكن العنوان الفلاني، طالبة, موظفة, ربة بيت, لايهم. المهم في ذلك توطيد الثقة مع الفتيات حتى يتم بعد ذلك تبادل الرؤى والاقاويل نزولاً بالقصص الرومانسية التي تثير رغبة الفتيات ويطلب منه او تطلب منها مشاهدتها، ربما تكون حينها في وضع لاينسجم وتقاليدنا وطباعنا داخل مجتمعاتنا الشرقية، ليتم بعد ذلك تسجيل الفديو ببرنامج خاص ايضاً يدعى (fast stone) ثم ابتزازها به وتهديده إياها بفضحها أو نشر المقطع على متصفحها او حسابها الخاص او الحسابات العامة حال امتناعها عن مايطلبه او عدم الامتثال لأوامره التي تنتهي دائماً بالمعاشرة الجنسية وإن كانت عن بعد! ونسي ان لديها اهلاً واخوة وصديقات واقرباء قد تقع صورها او مقاطعها المسجلة تحت أعينهم بين لحظة واخرى لانتشار المتصفحات وكثرة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، مما قد يودي بحياتها وسمعتها وسمعة اهلها للابد.
انا هنا لا أؤيد ارسال الفتيات لصورهن او فتح الكاميرات اطلاقاً، أو حتى تكوين مثل هكذا علاقات مشبوهة وغير مدروسة من قبلهن، لعلمي ويقيني بأن كل فتاة تعلم جيداً نية الآخر ومدى مصداقيته قبل الخوض في غمار الحب. وحتى أكون منصفاً واكثر حيادية فليس الشباب وحدهم هم المسؤولون أو هم فقط من يقوم بتلك الألاعيب والحيل، بل العكس موجود ومتوفر لفتيات كثر يقضين اوقاتهن بالتسكع الالكتروني ومغامرات عنكبوتية وقبلات ماسنجرية واشواق ملتهبة تنطفئ بانطفاء الحاسوب.
وختاماً لابد من وجود ضوء في نهاية النفق ولابد من وجود اشراقة من على الشاشات السوداء وقلوب مضيئة تنبض بالامل والمواعيد الصادقة، ربما كان  لصديقي اطلالة مشرقة وحضور متميز وانا واثق من خطواته سلفاً لحرصه على حبيبته قبل نفسه، لانها تستحق الحب والاحترام لوعيها الكبير برغم سنينها الخضراء اليانعة واغصانها اليافعة، إذ جمعهما الفيس بوك على الحب والطيبة والجمال ليختموا تلك العلاقة بخطوبة وعقد قران رسمي على مرأى ومسمع الاهل والاقرباء والاصدقاء والمحبين.