18 ديسمبر، 2024 6:38 م

حب الوطن قتل الحكيم

حب الوطن قتل الحكيم

عادة ما تكون مصلحة الدول من اولويات انظمتها الحاكمة، وأن تعارضت مع مصالح الآخرين مع مراعاة الجوانب الاخلاقية في التعامل مع الدول الأخرى وإحترام سيادتها واستقلالها بالقدر المتاح.. فالصداقة والمشتركات الدينية او القومية لا تعني شراكة المصالح فلكل دولة مصالحها و رؤاها وسياساتها الخاصة، وهذه المشتركات لا تجيز لدولة أن تفرض ارادتها على دولة أخرى تحت ذريعة تلك المشتركات.
مع قدوم عام ٢٠٠٣ إنجلت عن سماء العراق غيمة سوداء، لتنطوي معها صفحة مظلمة من القهر والظلم والاستبداد طال عمرها، بطلها البعث الصدامي المجرم، وكان الشهيد السيد محمد باقر الحكيم معارضاً لذلك النظام طيلة حكمه.
الشهيد الحكيم الذي ينحدر من اسرة عراقية عريقة ومتأصلة في الوطن، دخل ارض العراق بعد سقوط النظام وغربته لعشرات السنين حاملاً معه الكثير، متوسماً بأبنائه الشرفاء خيراً لبناء دولة عصرية ديمقراطية مستقلة، تسود فيها الحرية ويكرم فيها المواطن وتصان فيها الحقوق.. تحترم سيادة الدول وتحمي سيادة العراق ووحدة اراضيه.
على الرغم من امتلاكه السلاح كونه الجهة المعارضة المسلحة الوحيدة في حينها، إلا انه تخلى عن السلاح لبناء الدولة وترسيخ القانون، تماشياً مع توجيهات المرجعية العليا في النجف الاشرف حين ذاك، حيث كانت تدعو لإجراء انتخابات نزيهة وكتابة دستور للبلاد، وتشكيل حكومة تفرض النظام ذلك لتثبيت اسس الديمقراطية.
ظهر الحكيم في مناسبات عديدة يدعو، لوجوب استقلالية العراق واحترام سيادته، وبناء علاقات متبادلة مع جميع الدول، وعدم جره للاصطفاف مع جهة دون أخرى، لأن ذلك سيجعل العراق ساحة لتصارع الدول وتصفية الحسابات، لهشاشة الوضع الأمني، ولأن حدود البلاد مفتوحة من جميع الجهات.
كشف الشهيد الحكيم في إحدى لقاءاته، عن وجود مخطط لفرض مواقف على الشعب العراقي، لإدخاله في معركة جديدة لأجل تحقيق أغراض للآخرين، على أن يكون فيها العراق نائباً عن الآخرين لتحقيق تلك الأغراض، او اتهام شعب العراق بأنه يعمل لصالح الولايات المتحدة والغرب.
واضاف أنهم يتهموننا بأننا نتجاهل قضايا الأمة كقضية فلسطين وشعبه، مؤكداً على وجود ماكنة إعلامية تدفع بإتجاه حمل شبابنا لسلاحهم وخوض المعركة التي لا نهاية لها متسائلاً: لماذا يراد ان يفرض على الشعب العراقي مثل هذه المعركة؟.
مؤكداً انه لايوجد حكم شرعي يجيز الدخول في مثل هكذا حرب ولا هدف سياسي منها، كما لا توجد مصلحة للشعب او للمنطقة في ذلك، واردف قائلاً، لو كان لابد فعلى تلك الدول ان تتبنى هي مشروع الحرب، اذا كانت ترى فيه المصلحة، وان لا تزج بالعراق لوحده ليدفع ثمنها ابنائه نيابةً عن الآخرين.
الشعب العراقي عانى طويلاً ولايجب ان تستمر معاناته، فقد قدمنا الكثير من الشهداء، وشبابنا يمتلكون الإرادة والتصميم لبناء بلدهم، المزدهر القوي الذي يعيش فيه الجميع بكرامة وحرية.
مشروع الحكيم هذا تعارض مع مصالح تلك الدول، فقيام عراق قوي موحد يعني فشل مخططاتهم، واحتراق اوراقهم التي راهنوا عليها، فصار لزاما إجهاض ذلك المشروع الوطني الهادف، قبل أن يرى النور فتحقق لهم ما أرادوا في الأول من رجب عام ١٤٢٤ هج المصادف في 29 اب عام ٢٠٠٣.
حبه لوطنه ورغبته وسعيه، لان يكون العراق سيد نفسه، هو السبب الأهم لإستهداف الحكيم.. ورغم أنه نال الدرجات العلى بشهادته، لكنها كانت خسارة كبيرة للعراق لن تعوض بسهولة.