23 ديسمبر، 2024 3:39 م

تعلمت وانا تلميذ صغير ان حب الوطن من الايمان،وانشدت له مع من انشد في مدرستي وبقية المدارس، ابتداء من رياض الأطفال الى اخر صف في الإعدادية، انشدت له وانا اقف امام علمه الذي كان يرفع كل يوم خميس، ليخفق فوق ساريته.. وسط زخات الرصاص (الخلب) والتي كان يطلقها (الرفاق). انشدت له ك(الببغاء) كلمات لم اكن اعرف حتى معانيها، مثلي مثل بقية التلاميذ. كانت الكلمات تتغنى ب(الوطن) و(القائد)..فنحن جنود مخلصين لهما. حيث لافرق بين الاثنين فاذا قال (القائد) قال (الوطن)..وبالتأكيد ان (الوطن) لايمكن ان يقول شيئا بوجود (القائد)؟ فقد امتزجا في بوتقة واحدة حتى ماعدنا نعرف عن ايهم نغني وننشد وعن ايهم نقاتل وندافع. هكذا عشنا..وهكذا قضينا زهرة شبابنا في خدمة عنوانين ومفاهيم اختلطت علينا حتى أصبحت(ممجوجة)من كثرة ترديدها والقيام بواجبها والسهرعلى خدمتها، بل والتضحية بمئات الالاف من (القتلى والشهداء) للحفاظ عليها.ان مهمة الحكومات في عالمنا العربي والإسلامي كانت وما زالت هي ان تقدم ل(مواطنيها) وجبة يومية سخية من الشعارات الفارغة والاهداف (النبيلة) كواجبات يجب عليهم ان يؤدوها من دون سؤال او مناقشة..وذلك الغذاء الدسم ب(الوطنيات) يعطى بجرعات مختلفة بحسب الفئات والاعمار، عن طريق الأناشيد الحماسية والشعارات البراقة والخطابات الرنانة،من خلال المدراس والجامعات والجوامع والصوامع والكنائس ووسائل الاعلام المختلفة،المقرؤة والمسموعة والمرئية..الخ.. كلها تحثك على أداء واجباتك تجاه (الوطن والقائد). ولكنك نادرا ماتسمع أحدا ممن هم في اعلى الهرم يذكر او حتى يتذكر ان لهذا المواطن المسكين حقوقا يجب ان تعطى، وكرامة يجب ان تحفظ، ورقما يجب يعتد به ويحسب له قبل ان يحاسب عليه. فحقوقك أيها السيد المواطن ومتطلباتك وحاجاتك كانسان،هي لاقيمة لها في نظر ولاة الامر، وعليك ان تحذر وانت تفكر فيها فضلا عن ان تطالب بها هكذاعشنا وتربينا،وشاب صغيرنا وهرم كبيرنا على تمجيد ثنائية(القائد والوطن)والتي قابلها عقودا من سنوات الضياع، ضياع(المواطن) وكل حقوقه الإنسانية والطبيعية والتي هي من ابسط الحقوق الواجب توفيرها له من قبل الدولة والقائمين عليها من ولاة الامر.وكان من نتائج هذا الامر هو التدهور في كل مفاصل الحياة
السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية…والتي مازلنا حتى هذه اللحظة نعاني من تبعاتها ومخلفاتها.ولعل خير شاهد ودليل يمكن ان نسوقه في هذا الشأن،هو ماحصل بعد سقوط النظام السابق و(صنمه) في العراق، من عمليات السلب والنهب التي طالت اغلب مؤسسات الدولة العراقية فيما عرف ب(الحواسم) والذي اصبح مادة لوسائل الاعلام والفترات طويلة، حيث لم يستطع الكثير من المواطنين الذين فعلوا هذه(المثلبة) ان يميزوا او يفرقوا بين هذين المصطلحين( القائد والوطن)حيث تم اختزال كل مقومات الوطن والدولة بشخص(القائد الضرورة) وكأنما أرادوا هؤلاء الذين فعلوا مافعلوا..ارجاع بعض ماسلب من حقوقهم المهدورة والمسلوبة طوال عقود من الزمن.ان من الخليق بالعقلاء من الحكام ان يسألوا انفسهم:ماقيمة القوانين والأناشيد والشعارات التي تدعي ان للمواطن حقوقا وعليه واجبات، وانه قيمة عليا..وحرمة هي اكبر من(حرمة البيت الحرام) كما ورد في الحديث الشريف، أقول ماقيمة ذلك ان لم يعمل بها على ارض الواقع، بدل ان تبقى حبيسة التنظيرات اللفظية التي جاء بها السادة الكرام من السياسيين وولاة الامر(الجدد).ايمكن ان يظن او يعتقد احد ان ذلك يكفي في زرع وغرس الايمان ب(الوطن) وما يتبعه من واجبات المسؤلية الملقات على المواطن..ابتداء من الحب وانتهاء بالتضحية بالغالي والنفيس في سبيله.اليس من الواجب ان نبدء قبل كل شي في إعطاء المواطن بعض من حقوقه الدستورية والقانونية والشرعية والإنسانية في المسكن والمأكل والتعليم والصحة والخ..وبما يمكن ان يحفظ له ماء وجه الذي طالما راق، اوليس إعادةالكرامة والشخصية والهيبة (للفقير)العراقي ماديا ومعنويا والتي طالما سلبت منه على ايدي الطغاة وانظمتهم القمعية،أولى من بقاء الأموال والثروات مقصورة ومحصورة بين يدي طبقة جديدة نشاة وظهرت بعد سقوط الكتاتور،من السياسين الذين هم في اعلى الهرم؟!. اما ان الأوان ان يشعر اولي الامر القاطنين في قصورهم(الخضراء) بالذين يسكنون في مخيمات الهجرة القسرية نتيجة الإرهاب الاعمى،وساكني العشوائيات الخربة،اما ان الأوان ان يعطى الانسان العراقي حقه من خيراته وثرواته التي أصبحت لقمة سائغة لكل من هب ودب ب(فساد) لم يعرف التاريخ لها نظير.هل يمكن ان يأتي اليوم الذي يشعر فيه المواطن العراقي في اقصى شماله اوجنوبه وهو يؤدي او يخدم في عمله او وظيفته المدنية او العسكرية،انه يؤدي واجبا مقدسا وعليه ان يراعي فيه الله وخدمة الوطن و(الوطنية) قبل ان يفكر بالراتب والمال الذي يحصل عليه بطريقة شرعية او غير شرعية. ان على حكومتنا ان تبدء من الان التفكير بجدية باعطاء الحقوق..كل الحقوق، للمواطن العراقي قبل ان تطالبه بالواجبات، وان تعلم الناس وتشعرهم ان(الوطن) هو ملك لهم وليس فقط لحكوماتهم وحكامهم، بالقول والفعل..وليس بالشعارات والقلقة اللسان.وان هذا (النفط الأسود) والذي طالما كان السبب في مأسي هذا البلد وأهله،سيكون وارده وخيره من نصيبهم بالحق والعدل والمساواة..يتمتعون به شأنهم شأن غيرهم من عباد الله في الدول التي من الله به عليهم.لا لحفنة من السياسيين واتباعهم واحزابهم ومن يرضون عنه فقط.ان عليكم ياقادة العراق ان تقولوا وتشعروا التلميذ الذي ينشد الان في المدرسة(للوطن والمواطن) ان كلماته ليست للاستهلاك والضحك على الذقون،لان هذا التلميذ سيأتيه اليوم الذي سيكبر وسيخرج الى ارض الواقع(المرير) والمتناقض رأسا على عقب مع ماتعلمه وانشد له في المدرسة.سيجد(وطن) غير معني ببنيه وبحبهم،مما سيجعله يشعر بان حبه لوطنه قد اهتز بين جوانحه،مع مايترتب على ذلك من عواقب ومصائب.ان من حق المواطن ان يجد عملا بعد سنوات الدراسة الطويلة وتخرجه من الجامعات والمعاهد،ومن حقه ان يتزوج في بيت يليق به كانسان أولا وكعراقي يملك الثروة ثانيا، ومن حقه ان يملك المال..لكي يبذله في تحسين حاله وعياله ومعيشته، ومن حقه ان يذهب اذا مرض الى افضل الأطباء والمشافي،ومن حقه أيضا أخيرا وليس اخرا ان ينام في فصل الصيف القائض..تحت هواء أجهزة كهربائية، اخترعت ووجدت لخدمة الانسان وليس لتعذيبه؟؟؟.ايها الساسة( ان الفقر في الوطن غربة، وان الغنى في الغربة وطن).
اللهم اشهد اني قد بلغت.