18 ديسمبر، 2024 5:50 م

وسط كل هذا الضجيج والصخب الذي نعيشه، نسمع من وقت لآخر بعض النصائح التي لا يتعامل معها الكثيرون بجدية حول عودة الإنسان إلى الطبيعة بعد انغماسه في الحداثة وسلبها له شعوره بالتوازن النفسي رغم كل ما يسوقه الإعلام عكس هذه الحقيقة، فالجميع يشعر بالتوتر والقلق ويمرون بنوبات الإكتئاب بشكل متكرر، وحتى أن الحديث عن الطبيعة ومنتجاتها ونمط الحياة الصحية واستخدام بعض (المشاهير) للحديث عنها لا يتعدى أيضاً في أغلب الأحيان كونه جزءًا من نشاط اعلامي واعلاني وتسويقي لمنتجات أو أفكار على اختلاف الخلفيات التي تكمن خلف أيٍ منها..

وفي ظل تعامل الإنسان عموماً حول العالم مع الطبيعة بشكلٍ عابر، لا تحقق كل البرامج التلفزيونية والمقالات والكتب نتائج تذكر، ولا تحدث فارقاً أو تغييراً في حياة الناس، لأنهم يتعاملون معها بنفس الطريقة التي اعتادوا عليها من خلال مواقع التواصل الإجتماعي، مع رغبةٍ مستمرة في التجديد والتغيير الذي لا ينتهي والتململ وعدم الرضا، لتتحول الطبيعة أيضاً إلى ما يشبه أغنيةً لطيفة نسمعها مصادفةً عبر الإذاعات في تنقلاتنا اليومية، لكنها لا تشكل هاجساً أو جزءاً أساسيا ً من حياة الكثير من البشر، ورغم ذلك يتحدثون عنها في أغلب الأحيان لمحاولة الظهور بمظهر بسيط غير متكلف، ولذلك أصبحت هذه العلاقة مهددة بالدمار، فلكل علاقة قانونها وظروفها والطبيعة بكل خيراتها من حيوانات ونباتات وجبال وبحار تعيش ضمن نسقٍ يشبهها، وقد تعاطى معها الإنسان بإحترامٍ وحذر منذ الأزل وظل كل منها يحتفظ بخصائصه، لكن اليوم أصبح تصنيع كل شيء ممكناً مما أدى إلى انخفاض قيمتها المعنوية وجعلنا أقل تقديراً للطبيعة..

لذلك لا بد من التوقف لإعادة النظر في النمط الذي نعيشه، لأن الطبيعة لن تواكب أطماع الإنسان ورغبته التوسعية لتحقيق مزيد من الأرباح المادية، عن طريق زيادة المنشآت والمدن السكنية التي تحتوي على كافة سبل الرفاهية بقصد الربح، إلى جانب زيادة عدد المصانع التي تلوث البيئة وتنشأ على حساب المساحات الخضراء والمخصصة للزراعة وتؤدي إلى اختلال التوازن البيئي، وتأتي أيضاً على حساب الإنسان نفسه فمعظم هذه المشاريع أصبحت تستخدم الآلات لتخفيض عدد وأجور العاملين وتحقيق أكبر ربح ممكن، وقد بدأنا نلحظ التقلبات المناخية والإحتباس الحراري بشكل ٍ غريب في الدول الكبرى بشكلٍ واضح، عدا عن الفيضانات والسيول وحرائق الغابات في العديد من الدول حول العالم، وقد أدى ذلك إلى حالة من الإضطراب العام والصدمة حتى في سلوك العديد من الكائنات لأنها لا تستطيع فهم كم هذه التغييرات، وقد تفاجئنا الطبيعة بغضبها بشكل ٍ أكبر إن لم نحترم قوانينها كما ينبغي، فالطبيعة صادقة ولن تقبل من البشر المراوغة التي يتسمون بها في علاقاتهم ببعضهم، واذا كانت الحيوانات كلها تفهمنا أكثر مما نعتقد وتستطيع تمييز مشاعرنا نحوها ومدى صدقها، فالنباتات والجبال والأودية والطرق تشعر بنا أيضاً وان كنا لا نفهم لغتها، لذلك على الإنسان أن يغير من نفسه ليستحق أن يحظى بحبٍ أصدق من حب غالبية البشر..