روي أن رجلاً قد زوج ابنتيه (حانة ومانة)، الأولى الى فلاح، والثانية لصانع فخار، وسكنت الإثنتان في بلاد بعيدة عن الوالد، وبعد مرور عام سافر الأب لرؤية البنتين، فذهب للأولى زوجة الفلاح، واستقبلته بكل حفاوة وسعادة، سائلاً إياها عن أحوال زوجها وحياتها، فقالت: إشترى زوجي أرضاً، وإستدان مالاً لشراء البذور والمحراث وزرعها، فإن لم تمطر السماء سنتعرض الى مصيبة، فودعها والدها داعياً لها بالخير والنجاح، فتوجه الى إبنته الثانية، فإستقبلته بكل فرح وحب أيضاً، فسألها عن أحوالها، فقالت له: اشترى زوجي تراباً حراً بالدين، وحوله الى فخار، وعرضه للشمس، فان لم تمطر السماء فنحن بألف خير، أما إذا أمطرت فان الفخار سيذوب، وسنتعرض الى مصيبة كبيرة.
العبرة من هذه القصة هو أن الجميع مشترك في المصيبة، فالبنتين هما التيار الإسلامي، والتيار العلماني، والأب هو الشعب، الذي وقف محتاراً ما بينهما، وبلدنا تنهشه الضباع والسراق، رغم ما به من خيرات، لكن المصائب والولايات توالت عليه، دون فسحة للراحة؟
عراق اليوم اجتمعت فيه أخبار الموت، والمفخخات، والنزوح، والهجرة، وكثير من الآفات الفكرية، والاجتماعية، التي وفدت ألينا باسم الحرية والديمقراطية، لكن كثرة الفاسدين والفاشلين، الذين تسنموا مناصب لا يستحقونها، قد عرقلت أغلب المحاولات الحقيقية والجادة، التي سعت لبناء العراق ليس لقلة خبرتهم، بل لان حيتان الفساد تضع المطبات والعراقيل إمامهم، لكي لا يكون هناك منجز يذكر.
هناك انجاز لا شك فيه من الأحزاب الإسلامية، وخاصة حزب الدعوة الإسلامي، بعد أن تسنمت رئاسة الوزراء، ولكن هل الإنجاز بحجم المبالغ التي صرفت؟ أكيد لا! ليس بالمستوى الذي نتأمله، لأننا تعرضنا لأكبر وأدهى سرقة بالدنيا، دون معرفة من هو السارق!
عندما يتصدرون، ويصبحون هؤلاء الحرامية، هم أصحاب الحق الحصري في الحياة، والبقية تقتل، أو تختطف، أو تجوع، أو تتفجر فلا يهم، سيما وكل ما يهمهم السراق، هو مقدار المال المهرب، الى بنوك الخارج، لتزيد رصيدهم من أموال السحت، التي من المفترض أنها ملك لكل العراقيين دون استثناء.
العراقيون بجميع مكوناتهم، بحاجة اليوم الى المساواة والعدالة، من أجل أن يطبق على القتلة والسراق، الذين عبثوا بأمننا، ونهبوا ثرواتنا بذرائع شتى، وتركوا العراق في بحر من المشاكل، وانعدام الخدمات، وبسببهم سادت فكرة في الشارع العراقي، من أن جميع التيارات الإسلامية حرامية ولصوص، وهذا خطأ كبير عند الجمع.
أما التيارات العلمانية بكل صنوفها اخذوا فرصتهم بقوة منذ أكثر من خمسين عاماً ولم يقدموا للعراق سوى الخوف وتكميم الأفواه وقادة دكتاتورية قد حكموا البلد بالسيف والمال وكان الثمن غالٍ جداً ومن الطبيعي جداً نجد أن من يدفع الثمن هو المواطن بكلتا الحالتين.
ختاماً: نحن بحاجة الى حكومة معدلة ومحترفة وليس مجموعة من السراق المتأسلمين ويتاجرون باسم الدين أو حكومة علمانية تعود بنا الى زمن المقابر الجماعية وتكميم الأفواه وهذا الشعب (الأب) مازال محتاراً ما بين (حانة ومانة) فكلاهما بناته.