هذا التحالف يضم عدة شخصيات من ابرزها النائب عزة الشابندر والقاضي وائل عبد اللطيف والنائب عبد الخضر طاهر وشخصيات وطنية وسياسية عرفت بمواقفها العابرة للعرقية والطائفية والتي تسعى الى بناء دولة المواطنة بعد ان افلست تماما طروحات وافكار وبرامج وسياسات القوى والكتل والاحزاب التي تسلمت السلطة على مدار العقد الماضي وكانت النتيجة ومازالت فشلا متراكما وعلى كل المستويات.. مايلي هي افكار عامة يسعى تحالف “اوفياء للوطن” تجسيدها على ارض الواقع من خلال سياقات وقوانين واجراءات عبر مجلس النواب القادم.. فالشعب لم يعد قادرا على تحمل وعود اخرى بعد عشر سنوات من الفشل في كل شئ وفي المقدمة منها بناء الدولة. سقط صدام حسين ونظامه وحزبه دفعة واحدة عام 2003 بعد حكم دام 35 سنة. كان ذلك الحكم يمثل ثلث عمرالدولة العراقية التي انشئت عام 1921. الصدمة الكبرى ان السقوط لم يقتصر على النظام وحده بمؤسساته القمعية والسلطوية بل سقطت الدولة بكاملها بكل مؤسساتها والتي حملت ارث ثمانين عاما لم تكن ملكا لنظام او زعيم او حزب او طائفة. سقوط صدام المدوي مثل فرحة كبرى للشعب الذي لم يقف الى جانبه منذ ان تهاوى تمثاله في ساحة الفرودس في قلب بغداد مساء التاسع من نيسان 2003 . وبينما مثل ذلك السقوط فرحة كبرى ايضا لقوى المعارضة العراقية التي لم تفرق بين سقوط النظام وفق رؤية شعبية جماهيرية كان ينبغي استثمارها لصالح المستقبل وبين السقوط بواسطة الالة العسكرية الاميركية العملاقة التي كان ينبغي لمهمتها ان تنتهي عند تمثال ساحة الفرودس ليستلم رجال دولة زمام المبادرة فتستمر الدولة التي سبقت النظام الذي اختزلها على مدى ثلاثة عقود بما بات يطلق عليه الاعلام “القائد الضرورة”. ونتيجة لهذا الفشل فان المعارضة التي ركضت منذ وقت مبكر خلف بريق السلطة منحت نظام صدام الساقط اصلا ورقة عبور مجانية عندما بدا وكإنه ليس نظاما فقط بل دولة سقطت ما ان سقط. وهي مفارقة ماساوية تتحملها قوى الاسلام السياسي التي هيمنت على مقادير الامور في البلاد منذ اليوم الاول للسقوط وبتشجيع نادر من الاميركان لانها لم تتقاطع معهم في أي مرحلة من مراحل ما بعد السقوط حتى تمكنت من السلطة بادوات قمعية جديدة في حين يستمر الفراغ الذي نشأ في اليوم الثاني لسقوط النظام والدولة معا حتى يومنا هذا. فما حصل منذ مجلس الحكم حتى الحكومات المتعاقبة ليس عملية بناء دولة بل شكل من اشكال ترميم سلطة وجدت نفسها تقف على جبل من مال هو ناتج مبيعات النفط التي بدات اسعاره ترتفع ومعه بدات ترتفع الارقام الفلكية لموازنات البلاد وترتفع بموازاتها ارقام فلكية هي الاخرى وبمستويات غير مسبوقة للفساد المالي والاداري والتي ابقت العراق في مقدمة الدول الراعية للفساد وعلى اعتاب ان يكون دولة فاشلة.
تبرير الفشل
ترميم السلطة لم يكن سوى احد مستويات تبرير فشل بناء الدولة. فمنذ البدء ومع اعلان الولايات المتحدة الاميركية التي رفعت اول الامر راية تحرير العراق والعمل على تنويره وتهيئته ليكون نموذجا فذا للديمقراطية في المنطقة انها دولة احتلال وبشكل رسمي من خلال استصدار قرار من مجلس الامن الدولي لم يعد امامها سوى تاسيس صيغة حكم عرجاء ومشوهة عبر ما عرف بـ “مجلس الحكم” الذي كان يديره بكل استعلاء وفوقية الحاكم المدني الاميركي للعراق بول بريمر . وليت الامر يتوقف عند حدود ادارة متعجرفة من قبل محتل لبلد سرت عليه قوانين الاحتلال بموجب القانون الدولي بل ان النموذج الذي تم اختياره لشكل الحكم في العراق هو المحاصصة الطائفية والعرقية والتي احالت العراق الى دولة مكونات تم خلالها تقاسم السلطة بين المكونات ( الشيعي والسني والكردي). ومما ساعد على تكريس هذا النموذج المشوه في تقاسم السلطة لا ادارة الدولة هي ان العراق اصلا كان بلدا منقوص السيادة منذ عام 1990 من خلال خضوعه للبند السابع من ميثاق الامم المتحدة بعد غزو النظام انذاك لدولة الكويت في اب “اغسطس عام 1990.
وبدلا من ان تتنبه الطبقة السياسية التي استمرأت تداول السلطة الوهمية التي منحها بريمر بصفة استشارية لاعضاء مجلس الحكم ممن كانوا يتناوبون على رئاسته شهريا حتى نقل ما سمي بالسلطة الى العراقيين في اوائل تموز |يوليو عام 2004 وتشكيل اول حكومة انتقالية انذاك . نقول بدلا من ان تتنبه الطبقة السياسية الى خطورة ما قد يترتب على هذه الصيغة في الحكم التي لاتؤدي الى بناء الدولة باي شكل من الاشكال فانها سارعت الى تثبيت النموذج الذي بدا عليه تداول السلطة في الدستور الذي كتب على عجل لكي لايفقد ابناء الطبقة السياسية بعض ماكانوا بحاجة اليه من مكاسب انية بصرف النظر عما يمكن ان يترتب على ما بدا عليه الدستور من عيوب وثغرات من نتائج كارثية في المستقبل وهو بالفعل ما ندفع ثمنه اليوم. فالدستور الذي كتب طبقا لارادتي مكونين “الشيعة والاكراد” مع استبعاد ارادة المكون الاخر الذي اعترف بكونه الركن الثالث في معادلة الوضع السياسي الجديد “المكون السني” استبعد في الواقع ـ الدستورـ كل ادوات وصيغ بناء الدولة. وبحساب موازين الربح والخسارة ذات الطابع الاني فان المستفيد الاكبر من كتابة الدستور بالطريقة التي كتب فيها هم الكرد الذين نجحوا في تثبيت صيغة المادة 140 الخاصة بكركوك والمناطق المتنازع عليها على امل ان يتحقق لهم ما كانوا قد خططوا له في اطار المدة التي حددت لتنفيذ المادة وهي نهاية عام 2007. وفي مقابل ذلك بدا ان ما نجح الشيعة في تثبيته على صعيد ممارسة الطقوس الخاصة بهم وكانه هو معيار النجاح المستقبلي. بينما الامر ليس كذلك على الاطلاق. ومع ان التصور الذي كان سائدا وقتذاك ان تاريخ نفاذ تلك المادة لا يتعدى عام 2007 فان ترسيخ صيغة السلطة ادى الى نشوب خلافات بين الركنين الاساسيين لها وهما الاحزاب الاسلامية الشيعية الحاكمة والاحزاب الكردية المشاركة لها بالحكم. فمع انهم اتفقوا اول الامر على مبدا المحاصصة وبعد ان تم تثبيتها بالدستور وجدوا ان الدستور الذي طبخوه معا لم يعد يسعفهم باي حل لاي من المشاكل والاشكالات التي يمكن ان تظهر والتي ظهرت بالفعل في المستقبل القريب ولما يزل حبر الدستور لم يجف بعد. الادهى ما في الدستور انه لم يثبت ومن خلال التجارب التي مرت عبر السنوات الماضية ومن خلال مبدا التنازع بين كل الاطراف انه مرجعية في اية قضية من القضايا التي واجهت الجميع خلال السنوات الماضية. ولاتزال المشاكل التي يعانيها العراق سواء كانت العلاقة بين الحكومة المركزية واقليم كردستان او الحكومة المركزية والمحافظات او بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وقضايا كثيرة اخرى تتراوح بين كونها معلقة او مختلفا عليها انما تعود لكون الدستور لم يعد يمثل مرجعية صالحة اولا والاهم ان الدستور حصن نفسه من التغيير وهو ما جعل بالفعل عملية تعديله من الامور بالغة الصعوبة برغم وجود مادة خاصة بالتعديلات الدستورية (المادة 142) والتي شكلت لها لجنة خاصة في الدورة البرلمانية الاولى ولم تفلح في تغيير أي شئ. وبالتالي فان الدستور وبدلا من ان يكون”عونا” في الملمات مثلما هي عادته وطبيعته في كل انحاء العالم فقد تحول الى “فرعون” يعطي لكل طرف مشتكي ما ينسجم مع شكواه وهو ما جعله يكرس مشروع السلطة فقط. هذا المشروع الذي “تغول” على مفهوم الدولة واقصاه جانبا من خلال اتباع مبدا تقاسم السلطة والذي ظهر واضحا في الحكومات المتعاقبة التي تشكلت بعد عام 2003.