منذ سنوات وأنا اعيش حالة من الياس المفرط في كل شيء ..اليأس من عودة الوطن المغتصب الى حالة البهجة والسرور التي كانت تلفني منذ أن تربعتُ على هرم الطفولة والصبا والشباب مرورا بحالة الكهولة التي راحت ترسم لي طريقا نحو النهاية. يأس ليس له بصيص من نور ..بالنسبة لي أشعر أن كل مايدور حولي ماهو الا سراب من حالات ضائعة واحلام ممزقة لم يعد لها وجود. كل الظروف المحيطة تشير الى حزنٍ دفين لايعرف سببه الا الله. حينما استلقي كل لحظة على فراشي المرهق من وجع السنوات العجاف وأثبت نظراتي في سقف الغرفة المنعزلة في عالم التيه المطلق ..اطلق لخيالاتي عنان الغور في احلام ليس لها وميض في نفقٍ لايمكن ان ينبثق اليهِ النور. تنساب على صفحات خدي دموع حبيسة اتركها تكوي روحي ورجولتي بألمٍ كبير لايعرفه الا من خلق الارواح جميعا. ألأفكار والأحلام تتباين من فردٍ الى آخر وكل فرد يحلم ويحق له أن يحلم طالما أن الأحلام لاتكلف شيء سوى حسرات الذات. وأنا بين هذه الأفكار وتلك الخيالات حطت نظراتي على صور متعددة لنضال – عربات التكتك- وهي تجري بسرعة من مكان الى آخر لأنقاذ الجرحى الشباب المتساقطين برصاص الجهات المكلفة بمواجهة الثائرين على الوضع المزري الذي نمر فيه جميعا نحن الفقراء. جلستُ متسمراً على سريري وراحت اعصابي ترتجف كأن حياة جديدة دبت الى عروقي لتنتشلني من حالة الضياع الذي اعيش فيه منذ اربعة اشهر. توالت الصور المتكررة لحالات الشباب الأبطال قائدي تلك العربات التي تشبه الدمية لكنها تحولت على حين غرة الى سيارات اسعاف من الدرجة الأولى لا بل الى مقاتلات جريئات في ساحات الوغى. دون أن انتبه لروحي شعرتُ أن دموعاً غزيرة تحرق صفحات وجهي لدرجة ان حالة انعدام الرؤيا تحولت الى شيء ملحوظ . ثلاثة ايام وانا اتابع كل ماتفعله عربات النقل البسيطة – الكبيرة في مهماتها الرائعة. قررتُ في داخلي أن اذهب الى اي مكان استطيع من خلاله شراء واحدة من تلك العربات ..من يدري لعلي استطيع انقاذ شاب او روح بشرية في حالة غير متوقعة. في اللحظة التي سالت فيها صاحب بيع تلك العربات في شارع – 60- في الدورة تحول الحلم الى شيء بعيد المنال. كان سعرها خياليا بالنسبة لي في تلك الظروف المادية التي امر بها فأنا لا املك ربع ثمنها واحتاج الى سنوات طويلة لجمع ثمنها. أعرف أن سعرها بالنسبة للبعض الآخر لايساوي شيئاً يذكر ولكن لكل فرد ظرفه الخاص. عبرت الشارع المقابل لمحل بيع – التكتت – وأنا أنظر الى السماء واردد مع ذاتي – من يدري لعلي أستطيع أن اساند اصحاب التكتك بقلمي فقط ..ومن يدري لعل الشمس تشرق من جديد واحصل على حصتي من النفط الذي يسرقه الذين لايخافون الله وعندها سأفتح محلا كبيرا لبيع هذا النوع من عربات التكتك……وعندها سيكون ذلك العرس الكبير.
احلام كثيرة تتقاذفها رياح الخوف من انحدار هذا البلد الجميل الى هاوية سحيقة تحرق كل شيء. على الرغم من قساوة الظروف التي تحيط بنا من كل الجهات الا اننا سنظل نحلم لتحقيق كل مانصبوا اليه …اليأس يقتل الروح حقاً ..والحلم يمنحنا فسحة للعيش على انغام امنيات ربما تتحقق وربما تذوب مع شروق شمس يوم اخر.