23 ديسمبر، 2024 7:48 ص

لقد ضاع تراث فنانين عرب كثيرين، لأن الحياة لم تهبهم شخصا مثل العموري، غير أن بلخوجة الذي أعار العموري حياته كان هو الآخر قد أخذ من صاحبه الشيء الكثير الذي لا يمكن أن يعوض.

يحدثك عن آخر كما لو أنه يحدثك عن نفسه، يقيم ذلك الآخر في أعماقه ويتخلل طبقات صوته، إنه يفكر فيه بل ويحلمه ويتخيله سعيدا، يراه حيا وهو الذي وهبه حياة مضافة.

تشعر أنه لا يزال في طور الشكر لذلك الآخر الذي يطل به من شرفته على حقول يركض فيها الجمال مثل غزال، يحدثك عن ماضي ذلك الآخر الذي امتزج بماضيه فكانت هناك لحظات يدخل فيها أحدهما في مرآة الآخر من غير أن يشعر أنه غادر منزله.

لا يزال شيء من نجيب بلخوجة يعيش من خلال رضا العموري، الأول رسام والثاني هو حافظ أسرار ذلك الرسام وحارس تراثه الفني. في الظروف القاسية التي يمر بها العالم العربي يمكن القول إنه لولا العموري لما بقي شيء من بلخوجة الذي توفي عام 2007.

لقد ضاع تراث فنانين عرب كثيرين، لأن الحياة لم تهبهم شخصا مثل العموري، غير أن بلخوجة الذي أعار العموري حياته كان هو الآخر قد أخذ من صاحبه الشيء الكثير الذي لا يمكن أن يعوض.

لا يتعلق ذلك الشيء بممتلكات مادية، بل بطريقة نادرة في الحب، لقد أحب العموري بلخوجة شخصا وفنانا كما لم يحب أحد أحدا وأخلص له، لذلك فإنه حين يحدثك عن رسّامه المفضّل فإنه يغيب كمَن يدخل في غيبوبة.

الرسام الذي برع في تحويل الروائح والأصوات والأفكار الهائمة إلى صور تتشبه بالأشياء الصلبة، كان قد نجح في صناعة تمثال حي لمريده وراعيه الذي يحرص على تذكّره في كل لحظة يكون فيها الحديث عن الجمال ممكنا.

ألأنّ العموري كان قد وهب حياته إلى الآخرين فإنه يعيش بسعادة حيوات من أحبهم؟ في كل مرة أراه فيها يُخيل إليّ أنه يقود حشدا من الرسامين ممّن أحبهم وشغف برسومهم ووضع نهاره وليله في خدمة رؤاهم الساحرة.

“لا تزال المعجزات الصغيرة ممكنة يا صديقي”، يقول وهو يلتفت إلى ماضيه يوم كان ناشطا نقابيا بتونس.
نقلا عن العرب