الزميل حارث محمد فرج ، كان أحد أعمدة الصحافة العراقية في عهدها الذهبي ، منذ السبعينات ، وفي أحد أهم أعمدتها الرئيسة ، وهي صياغة الخبر والقصة الصحفية والتحقيق الصحفي !!
وقد زاملناه منذ دخوله قسم الإعلام بكلية الاداب عام 1974 ، وقبل أن يتخرج منه خاض غمار العمل الصحفي والتلفزيوني ، حيث تدرب في صحف عراقية في السبعينات في جريدة الجمهورية لفترة ، كما عمل في دائرة الاذاعة والتلفزيون / قسم اخبار التلفزيون وكذلك صحافة الشباب وجريدة الثورة، ونشر منتصف السبعينات عدة مقالات وتحقيقات في جريدة / الإعلام / التي يصدرها طلبة قسم الاعلام ، بإشرف الزميل كامل خورشيد الذي تولى مهاما إعلامية وثقافية كثيرة ، وهو الآن معاون عميد كلية الشرق الاوسط وميديا الاعلام في الأردن، وقبلها كان عميدا للكلية المذكورة.
نعود الى المتابعات الصحفية التي أجاد الزميل حارث محمد فرج، الذي شاركنا العمل الصحفي منذ عام 1975 حتى الآن ، لكن أهم فن صحفي أتقن الرجل صناعته ، كما ذكرت هو صياغة الخبر والتحقيق الصحفي ، وهو يعد أحد روادها ومن تميز في كتابتها ، ولديه العشرات من القصص والمتابعات الصحفية التي كتبها ، وكانت تاريخا حافلا بموضوعات مهمة سياسية وتراثية وتاريخية وحتى عسكرية!!
ومن المآثر الأخرى التي يختص بها الرجل أن لديه معلومات مهمة عن أصناف أغلب الطائرات العسكرية المتقدمة ولديه إلمام بتسليحها، وقدراتها في ضرب الاهداف، من خلال إطلاعه على مجلات عسكرية عالمية، كانت تصله في الثمانينات وما بعدها، كما أن لديه معرفة بقدرات مدرعات عسكرية ودبابات روسية وحتى أمريكية !!
ولدى الرجل قدرات تحليل بمجريات الاحداث السياسية المحلية والاقليمية والدولية ويعطي مؤشرات حقيقية عن مختلف تلك الاحداث ، ولديه قدرات تنبوء عن احداث الصراعات والحروب الدولية والاقليمية ، وعن صراعات السلطة في دول المنطقة، هي أقرب الى الواقعية، وتلك القدرات يعرف أغلب الزملاء تفاصيلها في سنوات خلت!!
وصقلت كل تلك المؤسسات الصحفية موهبة الزميل حارث محمد فرج ، وهو يجيد أصول اللغة العربية وقواعدها ، ولديه ولع كبير بتاريخ بغداد والغوص في أسراره ومناقبه وشخصياته المعاصرة التي حكمت العراق !!
لكن عمله بوكالة الانباء العراقية كسكرتير تحرير هو من صقل تلك التجربة في مجالات صياغة الخبر الصحفي والقصة الصحفية ، والحفاظ على مستلزمات عملها والأسئلة الستة المرافقة لصياغة الخبر او التقرير الصحفي ، حيث خط له إسلوبا متميزا ، يعتمد السرد التاريخي للقصة الصحفية او التراثية المراد الكتابة عنها ، ومن ثم يغوص في أعماق نشأتها وتطورها وما وصلت اليه ، وما أن تقرأ موضوعه أو تقريره الاخباري، حتى تجد نفسك أمام وجبة غذائية شهية ، ترغمك على تناول طبقها اللذيذ ، بعد أن يغمس أسلوبه بالمقبلات وبالمنمنات ، ليكون زاده الصحفي لذيذا طيب المذاق !!
وعلى ذكر الوجبات الشهية والاطباق الصحفية التي قدمها الزميل العزيز حارث محمد فرج ، طوال أكثر من ثلاثين عاما أو يزيد ، فالرجل ذواق في تتبع أخبار الأكلات الشعبية والرصينة في مطاعم بغداد بشقيها الشعبي والمطاعم الراقية ، وربما لم يسلم مطعم في بغداد من أن يكون أبو مثنى أحد رواده ، لكن أكثر المطاعم التي ارتادها هي مطعم الجمهورية بساحة الميدان ومطعم حمادة الشعبي بساحة الشهداء المعروف بالباقلاء والمخلمة ، ومن الكباب ، المطاعم التي لها صلة بكباب اربيل والسليمانية.
واذا اردت ان تسأل عن مطعم لديه أكلات شهية في السبعينات والثمانينات وما بعدها، فأسأل أبا مثنى عنها ، فهو يعرف أكلاتها بالتفصيل ، ولن يكون هناك مطعم في بغداد تقريبا ، لم يتذوق أكلته ، لكن مطعم حمادة كان هو المتفوق على بقية أكلاته الشعبية المفضلة!!
تميز إسلوب الإعلامي المتميز حارث محمد فرج بصقل الجمل ورشاقتها وترابط فقراتها ، والرجل هو الإسلوب ، كما يقال ، في كل أشكال الكتابة ، وما أن تقرأ متابعة او قصة صحفية ، حتى تجد نكهة الرجل حاضرة ، وهو يتميز بالصبر والدقة في كتابة موضوعه ، ويقسم فقرات موضوعه لكي لا يزيد عن أربعة الى خمسة أسطر في كل فقرة من فقرات الموضوع ، كونه لا يريد أن يدخل القاريء في حالة ملل ، بل يجعله مرغما على تتبع ما يكتب !!
عمل الاعلامي حارث محمد فرج في الوكالة الوطنية العراقية للانباء / نينا / منذ العام 2008 وحتى العام 2017 ، وكان سكرتير تحريرها المبدع والمتألق على الدوام ، وعمل قبلها بصحيفة / الجريدة / التي كانت تصدر بمنطقة الوزيرية بمعية الصحفي الرائد الراحل أمير الحلو والأستاذ أحمد صبري الكاتب والصحفي المتألق هو الآخر وكان ( أبو مها) أمين سر نقابة الصحفيين منتصف الثمانينات .
لكن مشكلة الزميل حارث فرج كما نطلق عليه، إختصارا للاسم ، أنه لا يرغب في الظهور الإعلامي أو أن تسلط عليه الاضواء ، ولهذا كتبت عنه هذا المقال دون ان يعرف أني سأكتب عنه ، كوني أحد من رافقه على مدى أربعين عاما ، واعرف كل اخباره وطبيعة عمله ، واطلع على الكثير منها ، كوننا كنا ولا زالنا ، قريبين من بعضنا البعض ، ولم نفترق الا في أسابيع أو ربما أشهر قليلة .
ولهذا فانني عندما أكتب عنه ، فهو لأغراض تعريف القراء به ممن لا يعرفون الكثير عنه ، بالرغم من أن العشرات من زملائه المخضرمين يعرفون قدرات الرجل ومواهبه ، وهو لا يحتاج الى من يكتب عنه للتعريف بتاريخه الصحفي ، لكن أغلب ما كتبه في وكالات الانباء ، كان بدون إسم ، لكون من يعمل بوكالة الانباء العراقية او الوكالات الاخبارية يكون جنديا مجهولا ولا يظهر إسمه في أغلب الأحيان !!
من السمات الشخصية للزميل حارث محمد فرج أنه كثير التتبع لأخبار زملائه واصدقائه في مناسباتهم وعندما يمرضون أو تكون لديهم حالة فرح ، ويزورهم في بيوتهم ويتفقد أحوالهم حتى وان كانوا خارج بغداد ، ولديه مع الكثيرين منهم صلات مودة ، وهي محل إعتزاز زملائه ، ويعرف أحوال أغلبهم ، ويتتبع اخبارهم ، بلا كلل أو ملل!!
هذه بإختصار ، ما أردنا تعريفه للقراء والمتابعين ، وزملاء المهنة من الاجيال الصحفية الحالية، بأحد أعمدة الصحافة ومبدعيها وهو الأستاذ حارث محمد فرج ( أبو مثنى ) .. فله من محبيه وزملائه كل محبة وتقدير !!