22 ديسمبر، 2024 6:43 م

حاربوا الإرهاب بالنْقلات المُوسيقيّة!!

حاربوا الإرهاب بالنْقلات المُوسيقيّة!!

منذ أول أمس قررت أنْ أبتعد عن آحاديث السياسة قليلاً، والتقاعد عن كتابة الوجع بحبر الدموع عن واقع الأمة المُزري والمترّدي سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً أيض (!!) .. ولا أدري هل سأوفق في الكتابة عن الأدب والفن والإبداع الذهني بدل من الحديث عن الكتابة في السياسة والنخاسة والدناسة والتعاسة، وأنا أُجهد نفسي وأفرط عضلات مشاعري في الكتابة وتشخيص داء لمريض ميؤوس منه يُدعى (الضمير الإنساني).
لقد أتعبتني السياسة واثقلت كاهلي، وثبطت فرحي وأحبطت أحلامي وعززت صدارة أوجاعي، وسببت لي أزمة على صعيد العلاقات الاجتماعية مع أصدقائي وأحبائي في هذا الوطن المنيف بمعاناته الحبلى في رحم أختها، لما لا وهناك تغييب مُتعمد لأحترام حرية الفكر، والرآي والتعبير، لهذا وحفاظاً على ذلك النوع من العلاقة التواددية، ونتيجة لغياب قواعد اللعبة الحضارية قررت أنْ أكتب عن الغناء والموسيقى والرقص والجاز، .. لقد أشتقنا للحظة ردحٍ مع الروح (!!)، .. رقص مع جُثثنا المتوافاة على قيد الوط؛ .. فهل يعجبكم تغيير إسطوانه السياسة بالرقاصة (!!)، .. فالليل صاخب
وماجن وعلينا أنْ نستغل الوقت، .. فالفرح في بلادي؛ كدوران الحوّل لا يأتي إلا مرة في العمر!!
وحفاظاً على سلامة مشاعركم وتناغماً مع ثقافة الموسيقى والفن والأدب؛ كقوة ناعمة تلامس وجع الذاكرة، أريد أنْ أفتح ملف الأغاني اليوم، وأتـحدث عن النقلات الموسيقية في الأغاني العربية السبعينية _ عصر أزدهار الأغنية العربية والعراقية على وجه الخصوص _، وأنتَ تُعيد تشغيل أسطوانة الأغاني لياس خضر أو فاضل عواد جيل الإبداع الفني، جيل الحنين والأصالة والوجع، تشعر بحالة من الإقلاع عن جو المعاناة الذي يُحاصرنا حتى في مخادع نومنا، يأخذك الإحساس واللهفة والرومانسية بقوة النابالم، تدمغت الألحان، تناغم مشاعرك تُداعب خلجاتك، تقلك لمنطقة
معزولة من أجل النقاوة والأستجمام في عُزلة موقتة تُعيد فيها ترتيب أوراق مذكراتك الشخصية، تنتشلك من بركة الجمود والقهر العاطفي لتُلقي بك في خانة الشعور اللا متناهي بالأمل وأنتَ مُفعم بالسعادة، .. كيف لا وأنت تصغو لأغاني جيل مستحيل أنْ يتكرر مع دورة الزمن، لجيل فنانين بالمعنى الحرفي للكلمة، جيل أسس لفكر موسيقي إنساني، ووضع اللبنات الاولى للفن الغنائي، نخص بالذكر مُلحن الإبداع وعازف الأوجاع الكبير المرحوم طالب القوة غولي الذي أذهلنا بنقلاته الموسيقية البديعة في أغاني عِده من أروعها أغنية (البنفسج) لياس خضر وكلمات الرائع مظفر
النواب، ونقلاته الموسيقية المُذهلة والعجيبة، وأغنية )مسافرين) أغنية الوجع والحنين إلى الذات، التي نعدها فاكهة المسافرين خارج الوطن والمتوّقين للماضي البعيد لما يشوبها من مسحة حزن ووجد وشوق مفرط، إضافة إلى أغنية (مرة وحدة) لمطرب نفسه والتي نعتبرها من الأغاني المظلومة التي لم تأخذ رواجها وصداها إعلامياً أو فنياً، وأغنية (حسبالي) لسعدون جابر (جيل الثمانينات)، واغانٍ كثيرة لعبت فيها “النقلة الموسيقية” دوراً لا يمكن السكوت عنه كل هذا الزمن، وأستطاعت أن تنقلنا تلك النقلات الموسيقية مع وتر العود إلى مرحلة هامة من لفت الآنتباه وشد
النظر والجوارح والتركيز والتعمق في الشعور، والانتصاب فوق فوهات الآلم ونحن نسجر فلاترنا بدخان مُمْوّسق بالحَنْين!!
أنا عهدت إلى نفسي أنْ أخرجكم من جو السياسة الخانق والعابق برائحة خمر الرذيلة، وأجواءه المكتظة بالحيض والمخاط والرذاذ، وألا أتحدث إليكم عن دناستها وفجورها حفاظاً على نفسياتكم المحتاجة إلى “مُفرغة هوائية” تُغير أجواء الروح وتراعي نرجسية جدرانها، لكنني أتراجع قليلاً عن عهدي إليكم، تساوقاً مع ضرورات المرحلة، لأعاود الحديث عن السياسة وأنا منصوب الرأس، مخذول، أشعر بخيبة عارمة، .. وأختم لكم حديث النقلات الموسيقية بالحديث عن “النقلات السياسية” .. وأتساءل ألسنا بحاجة إلى ملحناً كبيراً وعملاقاً مثل طالب القوة غولي في “الفن
السياسي”وإنْ كان رجل دين؛ يُعيد لنا إعادة تلحين وتوزيع المقطوعات الموسيقية الطائفية والأغاني الهابطة التي تُريد تعكير مزاج الوطن، وتسعى إلى تخريب أمنه وسلمه، وتفتك بالعلاقة الحميمة بين طوائفه الكريمة، وهناك عشرات بل مئات الأغاني الطائفية التي تُريد التفريط بالوطن وتمزيقه وتقسيمه على نحو يُرضي كل أعداء الوطن ويحقق مشروعهم التجاري المتمثل بالتفوّق السياسي والاقتصادي والسكاني.
فالنقلات الموسيقية لأصوات السيارات المفخخة (الإجرامية) والعمليات الارهابية الجبانة وأغاني الفتنة والتطرّف الديني، وموسيقى قصف الهاونات فوق رؤوس الأهالي، والعبوات الناسفة تجعلنا بحاجة إلى التفكير ملياً بملحن على طراز طالب القرة غولي يُعيد موسقة جراحنا ليُقدم نقلة موسيقية تخرجنا من جو الارهاب والتطرّف، وتنتشلنا من “دوزنه” مقطوعة القتل المجاني اللا أخلاقي، .. فالوطن بحاجة إلى طالب القرة غولي أكثر من الحاجة لسياسي يكذب علينا، أو لمفتٍ ديني يُلحن موسيقى التأبين بتونات القصف والتفخيخ!!
….
يا وطني لقد جزعنْا سماع مقطوعة العويل في فم حرائبنا، ثواكلنا؛ ومللنا موسيقى التآبين، وأصوات الأنفجارات التي تعلو فوق صوت الحق
أمن مُبدل لأوجاعنْا؛ ندفع لها ضحكة أطفالنا بدل فاقد!!