18 ديسمبر، 2024 6:52 م

جيل شبابي جديد يتحدى النظام الأبوي السياسي والاجتماعي ولا يعترف به

جيل شبابي جديد يتحدى النظام الأبوي السياسي والاجتماعي ولا يعترف به

أصبح من الضروري، الاشتغال على البحث الأكاديمي المتعلّق بحركات الاحتجاج في العراق، وفهم بواعث اندلاعها، ونكوصها، واحتمالات اشتعال جذوتها من جديد، أو ربما تكتسب اشكالا أخرى جديدة في المستقبل او تؤول الى تظاهرات نمطية كتلك التي تحدث في دول العالم المختلفة، وفيما اذا هي ثورة اجتماعية أم حركة سياسية.

 

تخمّن تحليلات بان الانسجام الاحتجاجي الذي ظهر في ساحات التظاهر وانسحب على الشارع، سوف لن يتطور الى حراك قابل للحياة، لأسباب تتعلق بطبيعة النظام الاجتماعي والسياسي في العراق، وهو ما حدث في النهاية، اذ تلاشى الزخم مقارنة بالعام 2019، وربما يتبعثر بشكل نهائي.

 

لكن من نتائج الحراك الاحتجاجي، رغم الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات العامة، انه رسم خارطة جديدة لديناميكيات العلاقات لنظام أقل سلطوية، منفتح على المعارضة، ويمكنه استيعاب الصوت الآخر، بعدما أدرك الجميع ان الصِدام لن يثمر عن مفاعيل، وان الجزافية والعفوية والعواطف الثورية الانقلابية التي تتبنى الأنماط الطوباوية للتغيير،

سوف تقود الى الهاوية، مثلما حصل في بعض دول الربيع العربي بسبب تعقيدات الصراع الداخلي والخارجي على ارض العراق.

ومثلما تعاني القوى السياسية التقليدية المؤسِّسة للنظام في العراق من الانقسام، فان الاحتجاجات العراقية منشطرة على نفسها، وتتحكّم فيها تيارات واتجاهات متضادة، وقد أدى ذلك الى عدم الاستطاعة على توضيح مراماتها.

 

لكن الذي يُحسب لها انها اجتازت الكثير من ثوابت المجتمع التقليدي، وأثمرت عن رسم شخصية شبابية تسعى الى إدارة الصراع مع النظام السياسي، مستندة الى قيم انفتاح سياسي وثقافي لا يعترف بالنظام الأبوي السياسي والاجتماعي.

 

جرّت بعض جيوب الاحتجاج العراقي نفسها الى فخ العنف السياسي، بقوالبه النمطية الدموية، فيما رُصِدت مبررات لذلك تحت ذريعة معاقبة النظام السياسي على الفشل في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، او تحت ذريعة انّ لا حلّ سوى البطش المسلح، لكن ذلك لم يتجاوز حدود حرق وتخريب ممتلكات عامة ومقرات حزبية وحكومية، لكن وبعد اشهر من مخاض التجربة، يلمس المراقب ان الاختيار العقلاني هو الذي فرض نفسه في النهاية.

 

وفي حين لا يمكن فصل ما حدث في العراق عمّا حدث من انتفاضات مماثلة بدأت في تونس في ديسمبر 2010

والتظاهرات في مصر التي تناهت الى نظام عسكري، والحراك الاحتجاجي في اليمن وليبيا الذي حوّل البلدان الى دول فاشلة وساحة حروب إقليمية، والمعارضات في سوريا التي أقحمت البلاد في حرب مروعة، فان الحالة العراقية تبدو أقل ضررا على النظام السياسي والدولة بشكل عام، وهو امر يدفع الى التأسيس لحوار ايجابي.

 

يبقى تحدي اشتعال فتيل الاحتجاجات مستمرا، مهما كان الحكم على الحركات الشعبية بانها ناجحة او فاشلة، لان هذه الآلية لا تفيد في فهم جدليات الصراع المستمرة، وليكن المطلوب اليوم هو التركيز على الحوار، و “الانفتاح”، ودمقرطة الحياة السياسية، واستيعاب الجميع تحت مظلة نظام ديمقراطي حقيقي، يستطيع كبح جماح الفساد، ولا يتكأ على حالات الإخفاق في الحقب السابقة، لان هناك نجاحات، يمكن البناء عليها وتطويرها.