قبل ان ابدأ ……قلت للاستاذ الفنان التشكيلي سيروان شاكرهنيئا لكم لقد صنعتم جيلا ثائرا من الفنانينفرد على بأبتسامة لا تفوفها شموخ وارادة وتحدي ……رغم الألم والحرب والوجع تتلألأ الالوان في سماء دهوك نعم رغم نزيف الانسانية وبكاء الاطفال ورائحة القتل الذي صنعه الارهاب دهوك تصدح صراخا بلغة الفرشاة والالوان …..بهذه العبارات استقبلت عبق الفن وهو يتسلل الى ثنايا فؤادي وعقلي داخل اروقة كلية العلوم الانسانية في جامعة دهوك حيث يقام المعرض السنوي الرابع لقسم الفنون التشكيلية …..هنالك حيث توجد رائحة الابداع الانساني في صور لوحات تشكيلية وقفت حائرا وبصمت انظر بكل حواسي الى هذه الاشكال والصور فأحيانا لا تسعفني الكلمات والحروف لكي اصف جمال وروعة المشهد فالقضية لا تتعلق بالشعر حتى اصف المشهد بعدة مقاطع شعرية كالتي ارتجلها وانا امام الحبيبة ولا هي حدث سياسي يجعلني الملم شتات نزيف الوطن كي احمل قلمي واكتب بلغة الارض والشرف القضية هنا متعلقة بالفن التشكيلي ومدارسه ودروبه ودهاليزه وخفاياه واسرارة فأنا امام هذا العالم اهزم فلغة الحروف والكلمات شيء ولغة الفرشاة والالوان شيء …..نعم هذه هي الحقيقة فالابداع الانساني بطبيعته متنوع لا يقف عند حدود الزمن والمدى وينشطر الى عشرات بل ومئات التشكيلات منها الشعر والرواية والقصة والموسيقى والسينما والمسرح وغيرها وما بين هذا وتلك يقف الفن التشكيلي بكل قوة حاضرا يجسد ملحمة الابداع الانسانية بلغته بصوته بجسده بطريقة تختلف عن طريقتنا نحن الشعراء والكتاب …..كل هذا لمسته وانا اترنح هنا وهناك بين ضفاف اللوحات التشكيلية التي زينت مداخل ومخارج بناية كلية العلوم الانسانية فالمعرض المقام ما هو الا تجسيد واقعي للتطور الهائل في عالم العملية الفنية التشكيلية في دهوك هذا من جانب ومن الجانب الاخر فأن هذه التظاهرة الفنية الرائعة ما هي الا نتيجة جهد كبير وعمل شاق ودراسة فكرية وفلسفية متجددة لمدارس الفنون التشكيلية وان كان هنالك من يستحق الشكر والتقدير فأن اساتذة قسم الفنون التشكيلية في كلية العلوم الانسانية وعلى رأسهم الفنان التشكيلي الدكتور سعدي عباس والفنان التشكيلي سيروان شاكرهم اول من يستحقونه لأنهم بالفعل صنعوا جيلا ثائرا من الفنانين الذين يمكن القول انهم مشاريع اكاديمية ضخمة للوصول الى العالمية هذا اذا ما حاولوا تعميق افكارهم ودراستهم واجتهدوا مزيدا واختزلوا العملية الفنية في عقولهم فهم بلا شك نواة جيل ذهبي من الفنانين التشكيليين الكرد الذين سيسطرون افق وابعادا جديدة في عالم الفن التشكيلي …..هنا لابد من القول ان ما عرض على جدران كلية العلوم الانسانية من لوحات تشكيلية تعتبر اضافة جديدة لمسيرة الفنون التشكيلية على مستوى محافظة دهوك وعلى مستوى اقليم كوردستان العراق بل على مستوى العراق بصفة عامة واذا ما شاركت هذه الاعمال الفنية على مستوى عالمي فأنا اجزم اضافة الى صفتي كشاعر وكاتب بل كصفتي كناقد فني ومتابع ومتذوق فني انها ستكون خصما قويا جدا على الساحة الفنية العالمية فليست هنالك عبارة اخرى تناسب هذه الاعمال غير انها اعمال واقعية انسانية تحمل دلالات ومفاهيم حضارية تتصف بكل خصال الابداع الانساني فهي لا تقف ضمن حدود الهامش والسطحية بل تخطت مراحل كثيرة لكي تصل الى هذه النهضة الفنية هنا ربما سيصفني البعض انني ابالغ في تحليلي وكيف انني اقارن هنا بين هذه الاعمال الفنية بمدارس عالمية لكن مشاعرالجمال والاحساس والنعومة والخيال والواقع التي لمستها من خلال رؤيتي للاعمال المعروضة بالفعل جعلتني اقف امامها بصمت وحيرة لا مثيل لها ولن ابالغ لو قلت انني ذهلت وانبهرت بما وصلت اليه مسيرة الفنون التشكيلية في دهوك بصورة عامة وفي كلية العلوم الانسانية بصورة خاصة فلطالما كانت دهوك حاضرة وبقوة وعلى كافة المستويات في صناعة المبدعين من شعراء وكتاب وفنانين وموسيقيين …..نعم ربما يتهمني البعض بالمبالغة ولما لا فأنا اعشق الفن بكافة صوره واشكاله وعلى رأسهم الفن التشكيلي فأنا من متذوقيه ومن ممارسيه ولكي اكون اكثر واقعية عندما اقف في حضرة الفن اصاب بالجنون فليس هنالك احلى من يجن المبدع وهو في حضرة الفرشاة والالوان فهو شعور رائع فكيف وانا ارى جيلا فنيا ناضجا مثقفا ينهض من رحم الالم والمعاناة والجرح فلطالما كنا نحن الاكراد هدفا للظلم والطغيان على يد اعداء الامة الكوردية واذا ما كان المعرض يحمل صفة الابداع الانساني فهو في ذات الوقت يحمل رسالة موجهة وبقوة وحزم الى الارهاب مفادها ان الابداع لن يتوقف في دهوك وما دمنا احياء فنحن سنبقى نحارب بلغتنا بفرشاتنا بأقلامنا بموسيقانا بفوهات بنادقنا من اجل ان نزين الحضارة الانسانية بجدارية النصر والحرية والابداع ….في اثناء تواجدي في المعرض وانا برفقة الفنان التشكيلي سيروان شاكر لاحظت الكم الهائل من البساطة والتواضع والابداع ما بين علاقة الطلبة بالاساتذة وكيف ان هذه العملية تختزل عمق التجربة الفنية فأنا مؤمن تماما ان العمل الجيد هو حصيلة فرد مجتهد وهذا الفرد المجتهد هو حصيلة معلم ناجح هذا ما وصلت اليه اثناء تجوالي في اروقة المعرض فالاعمال المعروضة تتسم بالجمال والروح والفكر النابع من القلب والعقل وهذا لا يحصل بمفرده بل لابد من وجود طاقة تقوم بتسيير الذات الانسانية لكي تصل الى هكذا مستوى مثالي من الرقي والسمو الفني وفي نفس الوقت لاحظت ان الازمة المالية والمشاكل التي يمر بها الاقليم لم تقف حائلا امام التجربة الابداعية الانسانية ايا كان شكلها وتصنيفها بل بالعكس لمست ارواحا متمردة مليئة بالكبرياء من الفنانين تتجول اروقة المعرض ترفض بأي شكل من الاشكال الاستهانة بقوة ابداعاتها بل وتتحدى بكافة التفاصيل مفاهيم الحرب والقتل والتهجير والحرق والدمار كأنني امام مشهد سينمائي يحمل بين طياته مبارزة بين الابداع والارهاب …. لكن الابداع لا يهزم فمثلما يقاتل حماة كوردستان البشمركة الابطال في ساحة الوغى لكي يحموا شرف الارض والدم هنا في كلية العلوم الانسانية قسم الفنون التشكيلية يوجد مقاتلون من نوع اخر سلاحهم وذخيرتهم لا تستهان بقوتها انها الفرشاة والالوان وما بينهما عالم من الفضاء الشاسع يحمل الامل والحب والوطن والالم فوق جناحيه في صورة لوحات حية ملتصقة بالجدران تلف قلوب وعقول من يتجول بين شرايينها واوردتها …..هنا لابد من الاشارة ان هنالك عدد كبير من الطلبة والاساتذة شاركوا في المعرض بأعمالهم لذا اخترت بعضا منهم لكي اكتب عن تجربتهم الفنية …… البروفيسور الدكتور سعدي عباس كاظم بابلي ……رئيس قسم الفنون التشكيلية – كلية العلوم الانسانية – جامعة دهوك لوحات سعدي عباس مزيج فريد مستوحى من الحضارة بقديمها وحديثها فمعظمها ترصد حضارة بابل بتفاصيل خيالية بعيدة كل البعد عن الواقع فقصة لوحاته تحمل يوميات جدران بابل بكافة رموزها واشكالها كل هذا لمسته اثناء حواري معه ومن خلال رؤيتي لبعض اعماله المعروضة فأحيانا ترى اجنحة خافتة لطائر غامض يحل بظلاله فوق هذه الجدران واحيانا ترصد حالة معقدة من الانشطار بين اركان اللوحة وترى الجدران تتصدع واحيانا تختفي ….يمكن القول انها لوحات سعدي عباس تحمل اجواء ملحمية تفيض بالخفايا والاسرار فالالوان فيها نادرة وان وجدت فهي تحتل مساحة ضئيلة ضمن فضاء ساشع لكنها في ذات الوقت تبث عمق تعلق الفنان برموز واشارات الحضارة البابلية المرسومة على الجدران فهي تحمل معاني وطنية انسانية بعيدة عن مدارس الفن التشكيلي المعاصر حيث تزدهر الالوان فيها وتنبثق منها ما يضاهيها تنوعا ….اسلوب سعدي عباس جميل وفريد وله خصوصية نابعة من البيئة التي عاشها الفنان ……انها بالفعل لوحات تستحق الوقوف امامها لدراستها بعمق ….. الفنان التشكيلي الاستاذ سيروان نوري …..استاذ فلسفة الفن قسم الفنون التشكيلية – كلية العلوم الانسانية – جامعة دهوك واستاذ في معهد الفنون الجميلة ومحاضر في جامعة نوروز كيف اكتب عن سيروان شاكر وبماذا ابدأ فمجمل اعماله رائعة وتزداد روعة كلما تقرب المرء منها فأسلوبه السلس الممتنع يجعل الناظر اليه يجسد مرحلة من الثوران العقلي فمن المعروف عن الفنان سيروان شاكر انه صاحب مدرسة فنية خاصة به حيث له قصص وحكايا مع الالوان فتارة يشعل فتيل ازمة بينها فتندلع شرارة النيران في كل اركان اللوحة ….فالابيض والاحمر والاخضر والازرق والرمادي والاسود … الخ كل هذه الالوان لكل واحدة منها صفة خاصة بها عند فرشاة سيروان شاكر فمن خلال تذوقي ومتابعتي للفنون الجميلة لم ارى من هو ابرع وامهر من سيروان شاكر في رصد التشكيلات اللونية فأسلوبه رائع مستفز ثائر يقتفي اثار العقل والوجدان والضمير ولما لا فهو استاذ فلسفة الفن حيث يقوم بتدريس طلبته هذه المادة وما بين الفلسفة والالوان تبدأ قصة لوحات سيروان شاكر ….فلوحاته مستوحاة من الفلسفة ومن صميم الفكر الانساني حيث يجسد مفرداته اللونية في كتل عرجاء ومتمايلة تارة وتارة اخرى في ضربات افقية وعمودية يصعب على المرء التقاط نقطة بدايتها والاصعب من هذا نقطة نهايتها ….هنا تكمن مشكلتي مع لوحات سيروان شاكر فلطالما احببتها وعشقتها الى حد الوله والجنون حتى صارت اركان بيته ومكتبه تصدح صراخا بأسمي وكلماتي وحروفي عن الفن كلما رأتني التقطها بعيناي وعقلي وقلبي فلا وجود لنقطة بداية ونهاية للوحاته فبرغم تنوع اسلوبه عبر السنين ما زلت اقف حائرا امام فلسفة سيروان شاكر في عالم الفن التشكيلي فلوحاته المعروضة تختلف عن غيرها من اللوحات التي رسمها فهنالك اختلاف جوهري في الشكل والمضمون بين قديمه وحديثه لهذا حاولت الكتابة وتحليل وتفسير اسلوب سيروان شاكر فأن مخيلتي لا تنضب من سحر التفاصيل وتشابك الالوان في لوحاته فأعود واكتب من جدي لعلي اجد فيها بعض الجمود لكن لا تفلح ذاكرتي بل اصاب بالضياع والتوهان وازداد عشق وتوهجا وثورة كلما تذوقت لوحاته …….فسيروان شاكر فنان متميز بحق ويستحق التميز لأنه فنان يجرد فنه من الخمول بل يروض فرشاته والوانه لكي يصنع جمالا وسحرا يفوق لوحاته الاخرى وهكذا فأن العملية مستمرة ديناميكية الحركة لا تتوقف فهو فنان متجدد فلسفيا وفنيا يجدد الوانه واعماله بأستمرار حيث التغير في الاسلوب والتغير في حركة الالوان وضربات الفرشاة …..لذا لا يسعني سوى ان اقول لا بداية ولا نهاية للوحات سيروان شاكر انها لوحات تشكيلية زئبقية …… هنا تكمن حلاوة فن سيروان شاكر انه فن زئبقي لا يمكن لمسه لكن يمكن الهرولة معه الى اللابداية واللانهاية …… الطالبة الفنانة تانيا محمود فتاح …..المرحلة الرابعة – قسم فنون تشكيلية – كلية العلوم الانسانية دائما اقول ان ما يشدني الى عقلية المرأة هو ابداعها في عالم الفكر والادب والفلسفة والفن بهذه العبارة استقبلت لوحات تانيا محمود الفنانة التي تميزت بحضورها بلوحاتها الغاية في الجمال المفعمة بكبرياء المرأة المعاصرة …..فعندما التقيت بها ودار حوار بيني وبينها سألتها هل لوحاتك جريئة فقالت لي بكل وضوح وثقة نعم انها لوحات جريئة هنا شعرت بكم هائل من الفرح والسعادة بداخلي كوني ارى فنانة تشكيلية تملك هذه الثقة والكبرياء والقوة في عقليتها حينها قلت انها فنانة متميزة ونموذج حي للمرأة المبدعة …..لوحات الفنانة تانيا محمود تحاكي واقع المرأة بكافة صوره وتفاصيله الالم والكبرياء والفرح والبكاء والفراق والوداع والثورة والعشق اي انها تحمل بين زوايا لوحاتها كل شيء عن المرأة وان دل هذا على شيء فهو دليل واضح على مدى ثقافتها وتعمقها في عالم الفن التشكيلي فالمرأة في المجتمع الشرقي تواجه الكثير من الصعوبات والعقبات هنا حاولت تانيا محمود ان ترسمها بلغتها بطريقتها الفنية النابعة من شخصيتها كأنثى معاصرة تأبى هذه الصعاب والعقبات ورصدت مراحل مختلفة من هذه المعاناة بداية بالعين وصولا الى الجسد في لوحاتها الساحرة التي تحمل عبق الابداع والمرأة في صورتين متشابهتين لا تختلفان عن بعضهما سوى بالشكل بينما المضمون هو ذاته فالالوان تحكي قصة المرأة وثورتها وضرباتها الثائرة حملت كل ما في جعبة المرأة من الم ووجع وخوف وحرمان الى الجمهور فلا وجود للفضاء الشاسع في لوحاتها ولا للهزيمة والاستسلام في اعمالها بل يمكن القول انها لوحات ثائرة مجردة من الخوف والعنصرية والهامشية والسطحية تحكي عن قصة وجود كائن حي اسمه المرأة ….فلوحاتها تحمل الكثير من الانفعالات والغضب لكن الفنانة المبدعة هي التي تصنع من هذه الامور والاشياء ثورة انوثتها امام الحضارة فتانيا محمود فنانة ثائرة وتستحق الوقوف امام تجربتها الثورية المدافعة عن قضية المرأة الناضجة فكريا وفلسفيا في عالم الفن التشكيلي …… الطالب الفنان دلكش جاسم عزيزالمرحلة الرابعة – قسم فنون تشكيلية – كلية العلوم الانسانية ما لفت انتباهي في المعرض وجود لوحات بأحجام كبيرة لوجوه اطفال نساء رجال فتيات فتيان مزركشة بمزيج من الالوان حيث لاحظت تنوعا غريبا مابين الالوان والموضوع الذي يطرحه الفنان دلكش جاسم هنا حاولت معرفة من يكون صاحبها الى ان وجدته سألته بصورة مباشرة من هؤلاء فأجابني انهم نازحي شنكال ……انتابني الذهول وشعرت بهستيريا تجتاح ذاكرتي وقلت هل يوجد فنان يحمل مواصفات الشعور بوجع الانسانية نعم يوجد لكن ترى الانسانية في لوحاتهم تحتل مساحة ما لكن لوحات هذا الشاب المبدع استوقفتني كثيرا تلعثمت كلماتي شعرت برغبة جامحة للصراخ ….شنكال تولد من جديد …..اظهرت اعجابي الشديد بلوحاته لأنها حملت بين دفتي اشرعتها لقطات انسانية حية لاشخاص تعرضوا لابشع وسائل القهر والظلم والطغيان هنا اقول ان الفنان يجب ان يتصف بحب الوطن وعشق الارض التي ولد وترعرع عليها فلوحات دلكش جاسم بقدر ما هي جميلة وناعمة وتحمل صفة العمل الفني الكامل لكنها تحمل هموم واوجاع هؤلاء البشر في تجاعيد وجوههم وضحكاتهم وخوفهم من المجهول ….فلوحاته تشبه الى حد كبير الملحمة الاسطورية البؤساء التي كتبها فيكتور هوجو نعم تختلف الشخوص والاحداث والزمن لكنها تجتمع عند صفات البؤس والحرمان والظلم وبالفعل هذا ما حصل لهؤلاء القوم الابرياء من قتل وتهجير وسفك دماء على يد الارهاب …….شعرت لوهلة انني امام هذه الملحمة التي قرأتها كرواية وشاهدتها كفيلم سينمائي فالقضية هنا تتعلق بثقافة الفنان وبمدى الكم الذي يحمله من عشق لوطنه وكمية الالم التي استشقتها فرشاته لكي تظهر لوحاته بهذه الشكل الرائع حيث تنقل الحدث بتفاصيل الوجه والعين والشفاه وحركة اليدين اي انها تحتضن جملة هائلة من المشاعر والاحاسيس الانسانية التي يجب ان يراها الجمهور لكي يتذوقوا فنيا ما حصل ابان تلك الفترة المرعبة من حياة شنكال الشهيدة …….لوحات دلكش جاسم بقدر ما اسعدتني بقدر ما احزنتني وهذا ما يسمى بالفن النابع من الروح الانسانية حيث لا وجود للذاكرة لا شيء يحرك الفرشاة ويمزج الالوان سوى روح الفنان التي تألمت لكي تخرج بهذه الحلة الانسانية …..فتحية لشنكال الشهيدة وتحية للفنان دلكش جاسم الذي نقل ضحايا هذه الشهيدة للجمهور لكي توثق حياة مرحلة ستبقى بصمتها عالقة في العقل والقلب ….. الفنانة التونسية مريم بحايري ….استاذة في كلية العلوم الانسانية – قسم فنون تشكيلية شاركت هذه الفنانة بلوحة واحدة لكنها برأيي كناقد فني شاركت بعشرات اللوحات لأن الموضوع هنا هو الاهم من اللون حيث يكون للموضوع الدور الابرز في الطرح ومن ثم ياتي دور اللون لكي يكمل العملية ….قلت للفنانة مريم لما اخترت اللون البنفسجي كلون اول للوحة فردت وقالت لي انا احب كل الالوان هنا وجهت لها سؤالا اخر وقلت لها لوحاتك كلها ارقام وحروف ما القصد من هذا قالت اصبح عالمنا كله عبارة عن ارقام وحروف هنا قلت هل تقصدين الفوضى التي تعيشها البشرية فأجابت بنعم وابتسامة متمردة كأنها توجه رسالة شديدة اللهجة لهذه الفوضى وتقول لها قف هنا ويكفي …..موضوع لوحة هذه الفنانة اعجبني جدا لأنه ينقل معاناة هذه الحضارة التي اصفها دائما بكتاباتي بالفوضى واللانتماء …..نعم الفوضى واللانتماء هو العنوان الابرز لهذه اللوحة التي تكتظ بالارقام والحروف والمزركشة باللون البنفسجي الذي يرمز للحكمة هنا يجب ان لا اخفي عشقي للون البنفسجي الذي اعتبره لونا متمردا كقصائدي الحمراء والبنفسجية المتمردة لكن وضعت هذا جانبا وتعمقت في فصول هذه الفوضى فوجدت ان الاجابة الوحيدة هي اللانتماء وهذا ايضا طرحته الفنانة في موضوع لوحاتها لكن المتذوق للعمل الفني يحاول دائما ان يصل الى ما خلف الكواليس وبالفعل وصلت الى السر الخفي الذي تحمله اللوحة الا وهو الفوضى ….مريم بحايري فنانة مبدعة ملتزمة بقضية الحضارة لهذا ترى اللوحة بعيدة كل البعد عن الخيال والروح والمشاعر والاحاسيس انها لوحة حاضرة بقوة موضوعها المتميز وببساطة ارقامها وحروفها بين اللوحات الاخرى تراها تعلن عن نفسها ….وقفت امام اللوحة قبل ان اعرف من تكون صاحبتها وشعرت بضحكة تتحرك بين مسامات شفاهي وقلت انها تشبهني ….فكيف بلوحة تشبه انسان …. ربما يكون من غير الممكن الربط بينهما لكن نضوج الثقافة الفنية التشكيلية للفنانة جعلت من هذا ممكنا …. دليار قاسم مصطفى …..المرحلة الرابعة – قسم فنون تشكيلية – كلية العلوم الانسانية لوحات هذا الشاب الطموح غريبة الاطوار ففيها الكثير من الالتواءت والانحناءات ولا تقف هنا بل تجتاز غرابة لوحاته الحس الفني التشكيلي حيث اللون الابيض يراقص اللون الاسود ……عرفت من النظرة الاولى لهذه اللوحات انه ثقافته متأثرة بالفن الامريكي المعاصر وهذا ليس عيبا بل حق لكل مبدع ان يتأثر بما تهواه الروح ….فالمجتمع الانساني بحاجة الى التغير في ضوابط واصول الفن نعم تبقى ذات الاساليب الفنية لأنها نابعة من النشؤء في مكان ما وثقافة ما لكن الابداع لا يقف عند حد معين بل يتخطى ما وراء حدود مدرسة فنية او اسلوب فني ….لهذا تذوقت لوحاته بحس الفنان نفسه لكي اختزل البيئة والموضوع واللون فبرغم شحة الالوان في لوحاته لكن اظهرت لوحاته تميزا شديدا فلقد استطاع الفنان توظيف هذين اللونين بطريقة عصرية غريبة الاطوار في تثبيت الصورة …..شعرت ان اللوحة عبارة عن ورق ابيض يسكن في قبضة اليد وما ان تفتح القبضة ترى عشرات الانحناءات والالتواءات هكذا نقل الفنان دليار الصورة المصغرة التي تراها العين الى كتلة بيضاء وسوداء …..تجدر الاشارة الى ان هذا الاسلوب يعتبر من اصعب الاساليب الفنية التشكيلية لأن الدقة هي اهم شيء في اللوحة وهذا بحد ذاته نضوج فكري للفرشاة كمرحلة اولى ودقة لا متناهية في وصف الحالة في المرحلة الثانية ……فمن ينظر للوهلة الاولى الى هذه الاعمال سيشعر انها متشابهة لكن ما ان يطيل المرء البقاء وينظر بحرفية المتذوق الفني ستظهر له عشرات بل ومئات الاشكال الهندسية الفائقة الدقة ….هذا هو الفن المعاصر انه لحظات مجنونة ترصد ابسط الاشياء واصغر الاشياء في مساحات الفضاء …..